مقتل قادة الدعم السريع.. وقائع الاستهداف ونتائج الاستنزاف
13 فبراير 2025
ما أن ضجَّ دويُّ المدافع، وعلا صوت القذائف، صبيحة الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م، حتى انتشر بين الناس أن قائد ثاني الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، قد أُلقي القبض عليه، رفقة اللواء عثمان محمد حامد "عمليات"، قائد أركان حربها. وسرت شائعة بإصابة قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ومقتله في غارة جوية، لم تزل أصداؤها بين تكذيب وتصديق وتشكيك، برغم ظهوره الجهير صوتًا وصورة.
تأكد لاحقًا، بحسب معلومات أمنية عالية الموثوقية، أن عبد الرحيم دقلو تنقَّل بين مواقعَ مختلفة، من بينها فندق في ضاحية الرياض، هرع إليه في الساعات الأولى من الحرب ليتفادى قصف طيران الجيش، بينما خرج محمد حمدان دقلو إلى خارج السودان، إلى دولة حدودية باتجاه الغرب، بعد أن طاف على قواته المنتشرة حول القصر الجمهوري، كما ظهر في مقطعٍ شهير، واستفاد الدعم السريع من تصويره في ذات اليوم عبر أكثر من موقع، منها مخاطبته لجنوده بالقرب من تقاطع شارع الجمهورية مع شارع القصر في قلب الخرطوم، والتي نُشرت لاحقًا لتؤكد أن حميدتي موجودٌ بين قواته.
انتقلت خطة الجيش من استهداف بنية الدعم السريع المادية، المتعلقة بالمعسكرات والمركبات القتالية والأسلحة النوعية، إلى استنزاف القيادات العسكرية ذات الحضور الميداني والتحشيدي
أما اللواء "عثمان عمليات"، فقد توارى عن الأنظار تمامًا، ولم يظهر إلا في واقعة سقوط جبل أولياء، بعد يومٍ من قصف جسر شمبات، في أسرعِ عمليةٍ تعويضية، الأمر الذي اعتُبر نجاحًا يستحق ظهوره العلني على جسر الخزان. بينما ظهر اللواء عصام فضيل، الشخصية الثالثة من حيث التراتبية الهرمية في الدعم السريع، مرةً واحدةً، بعد أن راج أن تواصلًا جرى بينه وبين قيادة الجيش بغرض التسليم، سيما أن للمذكور علاقة مصاهرةٍ مع الفريق إبراهيم جابر، مساعد القائد العام للجيش، الأمر الذي حمل قرينةَ احتمالاتِ التواصل. وبدا فضيل، حال ظهوره، في مزاج سيئ، كأنه يُغالِبُ علَّةً، مما رجَّح مراقبون أنه واقعٌ تحت إكراهٍ شديدٍ لا يستطيع مقاومته.
كانت خطة الجيش حينها تسعى إلى تنفيذ ضربات موجعة تستهدف مجاميع القوات، وتدمير القوة الصلبة في الأسلحة النوعية المتطورة، وشبكة الاتصالات، وتقطيع سلاسل الإمداد، وإبطال فعالية الفزع، مع الحفاظ على الموارد العسكرية الذاتية، وأهمها على الإطلاق الإبقاء على تماسك الجيش، بما هو قوام الدولة وأصل وجودها وشُهودها. وانتقلت الخطة ضمن ذات المسار الاستراتيجي من استهداف بنية الدعم السريع المادية، المتعلقة بالمعسكرات والمركبات القتالية والأسلحة النوعية، إلى استنزاف القيادات العسكرية ذات الحضور الميداني والتحشيدي، بعد أن أخفقت في ضرب مركز القيادة العليا، بما هي مدار المشروع وعلَّة استمراره، بعد أن استطاعت إخفاء نفسها عن أعين الرصد والاستطلاع بتدابير محكمة.
القيادات العسكرية.. ضربها وضروبها
يصنِّف محمد الواثق أبو زيد، المختص في تحليل بنية المؤسسات، القياداتِ العسكرية من حيث ارتباطها بنواة مشروع الدعم السريع، المتجسد في أسرة آل دقلو، على ثلاثة أنماط:
- المجموعة الأولى: التي أتت من تلقاء حرس الحدود، وهي الأكثر أصالة وصلابة، وأشهرهم (النور قبة، والسافنا، وموسى أمبيلو).
- المجموعة الثانية: التي كانت منتدبة من القوات المسلحة، والتي تبقَّت منها نخبة ضئيلة بعد قرار قائد الجيش بفك الارتباط وإنهاء الانتداب، وأشهرهم: (عثمان محمد حامد، ومحجوب حسن، وعصام الفضيل)، والذين آثروا الاستمرار لأسباب ذاتية، بعضها متعلق بما تحقَّق لهم من مالٍ وسلطةٍ ونفوذ، وبعضها متصل برهانات قبلية، وأخرى مدفوعة بمواقف وغبائن شخصية من مؤسسة الجيش.
- المجموعة الثالثة: المتناسلة من "صعاليك القبيلة"، والتي تم ترميزها والنظر إليها بوصفها حامية لمصالح المكونات الاجتماعية في فضاء دارفور وكردفان، وأشهرها (عبد الله حسين، وجلحة، وقجة). وهي قيادات تعمل على مستوى إدارة المعارك وجلب العناصر بالتحشيد والاستنفار.
يرى الواثق أن الجيش، بعد استعادته لزمام المبادرة، عمل على استهداف واستنزاف القيادات وفق التصنيفات المذكورة، والتي تتفاوت من حيث الأهمية الاستراتيجية، حيث أصبحت مجموعة حرس الحدود أقلية بفعل انفتاح الدعم السريع واتساع نطاقاته، وظلَّت مجموعة الضباط المنتدبين متصلة بالقضايا الفنية من تسليح وتخطيط وإدارة، بينما اعتُبرت مجموعة القيادات العسكرية القبلية هي الأهمَّ في قيادة المعارك وتوفير العناصر بالتحشيد القبلي.
يشير الواثق إلى أن غياب القادة العسكريين يُعَدُّ أمرًا مؤثرًا في مسار الأحداث، لكنه في الدعم السريع تحديدًا يشكِّل أمرًا حاسمًا، لارتباطه بالحمية القبلية، لما يمثله من رمزية اعتبارية، وما يضطلع به من مهام عينية تتعلق بمستوى تسليح الأفراد وتوفير احتياجاتهم المادية المباشرة من غذاء وكساء وعلاج.
يؤكد الواثق نجاح استراتيجية الجيش في استهداف واستنزاف القيادات العسكرية بصورة كبيرة، ويرى آثارها في ثلاثة وجوه:
- تأثيرات غياب القائد على الجنود معنويًا وعينيًا.
- الصراع على خلافة القائد داخل المجموعة القبلية.
- الصراع ما بين المجموعات القبلية نفسها داخل الدعم السريع، وتفجُّر التناقضات الداخلية بسبب الاتهامات المتبادلة حول فرضيات التصفية والاغتيال من الداخل، واستعادة تاريخ من الصراعات القبلية داخل مجتمعات عرب دارفور، بين الرزيقات والمعاليا، والرزيقات والمسيرية، والسلامات والبني هلبة.
استهداف القادة.. وقائعه ووقعه
على سياق متصل، يُعدِّد أبوبكر فضل الله إبراهيم، المحلل السياسي، وقائع استهداف القادة العسكريين في الدعم السريع منذ اشتعال الحرب، راصدًا أهم الحوادث التي استطاع فيها الجيش أن يظفر بقادة الدعم السريع من حيث الأسبقية الزمنية. ويشير أبوبكر إلى ما جرى من استهداف للعقيد موسى قارح في الأيام الأولى للحرب، وهو قائد النخبة والقوات الخاصة، وتنبع أهميته من موقعه داخل الدعم السريع، فضلًا عن صلته بحميدتي وشقيقه.
الحادثة الثانية هي استهداف العميد مضوي حسين ضي النور، الذي شغل موقعًا رفيعًا باستخبارات الدعم السريع، وكان مسؤولًا عن القطاع الشرقي بولاية القضارف، حيث استطاع أن يُحدث اختراقات اجتماعية مؤثرة في شرق السودان، واستخدم المال السياسي لاستمالة كثير من القيادات الأهلية، وتجنيد عدد كبير من أبنائهم لصالح المليشيا. حيث قُتل أول الحرب بعد انسحابه من القضارف والتحاقه بقادة الدعم السريع في الخرطوم.
الحادثة الثالثة هي مقتل اللواء علي يعقوب في الفاشر، وهو قائد اجتماعي ذو نفوذ قبلي كبير، وكان يُعوَّل عليه في إسقاط الفاشر وإعلان إقليم دارفور تحت سيطرة الدعم السريع، حيث أحدث مقتله تراجعًا كبيرًا في محور الصحراء، مما مكّن القوة المشتركة من تحقيق انفتاحات واسعة بلغت الهجوم على الزرق وكثير من المناطق الحاكمة.
الحادثة الرابعة: مقتل المقدم عبد الرحمن البيشي، وهو قائد عسكري وقبلي ذو نفوذ عميق في النيل الأزرق وسنار، ومثّل أحد أهم الرهانات على تمدد الدعم السريع هناك. وقد التحق بداية الحرب بقوة قوامها 40 مركبة قتالية و220 مقاتلًا، واستطاع أن يخدع الاستخبارات العسكرية برئاسة الفرقة الرابعة بالدمازين، مدّعيًا أنه ذاهب للانضمام إلى الجيش والمساهمة في فك حصار القيادة العامة، لكنه انضم إلى قوة العميد عمر حمدان، وأسهم في إسقاط الدفاع الجوي بشارع 61 ومصنع اليرموك للأسلحة والاحتياطي المركزي، كما قاد أعنف الهجمات على سلاح المدرعات. واشتهر عنه ولاؤه للدعم السريع ومقولته: "مؤسسة عشنا في حلوها لن نتركها أوان ابتلائها". وقد أثر مقتله على تخوم سنجة في تماسك الدعم السريع في محاور النيل الأزرق وسنار، وقرئت آثاره في استعادة الجيش للدندر والسوكي وجبل موية وتحرير مصنع سكر سنار.
الحادثة الخامسة: مقتل قائد حركة "شجعان كردفان" جلحة رحمة الله، الذي سبق أن تمرد في غرب كردفان مع مجموعات "شهامة"، لكنه لم يشأ العودة معها بعد اتفاقها مع الحكومة السودانية، حيث أمدّ جسور الصلة مع الحركة الشعبية - جناح الحلو، ثم سافر إلى ليبيا وشارك في القتال إلى جانب قوات حفتر. وتم التعاقد معه للمشاركة في العمليات الحربية الدائرة منذ نيسان/أبريل 2023، لكنه اشتهر بعدم انضباطه وانصياعه للقادة الميدانيين، ودخل في خلافات معلنة مع اللواء عثمان محمد حامد واللواء عصام فضيل، بسبب كثرة دفاعه عن أبناء مكونه القبلي (المسيرية) الذين خضعوا لمحاسبات بحجة تفلتهم. ويعتقد أبوبكر أن جلحة ليس لديه قيمة عسكرية كبرى، ولم يُشاهد في أي معركة، لكنه كان يبرز في تصوير المقاطع وبثها عبر المنصات المختلفة. ويرجح المحلل السياسي تعرضه للتصفية الجسدية بتعليمات من عبد الرحيم دقلو وبواسطة اللواء عصام فضيل. وهو لم يكن بأي حال يفكر في التسليم للجيش كما راج، ولكن تم اغتياله لأسباب داخلية، وما يعضد ذلك زيارة ناظر الرزيقات للمجلد ودفع أموال ومركبات قتالية بما يشبه الدية، والتي قبلها أهل القتيل، بحسب قول أبوبكر.
الحادثة السادسة: مقتل عبد الله حسين، قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة، الذي خلف أبو عاقلة كيكل بعد انضمامه للجيش. وقد قُتل أثناء انسحابه من الحصاحيصا، حيث تم اصطياده في منطقة أبو عشر. وتنبع أهميته من تمثيله القبلي ومقدراته العسكرية، وهو ينحدر من قبيلة بني هلبة، وقد سبق أن قاتل في ليبيا ضمن مجموعات مجلس الصحوة الثوري المنشق عن موسى هلال، وتحت قيادة هارون مديخير، الذي يمثل الواجهة السياسية، بينما كان عبد الله حسين يمثل الواجهة العسكرية. ويرجح أبوبكر فضل الله أن مقتله تم بواسطة الجيش، الذي طوّر طرائقه الاستطلاعية والاستخبارية بصورة ملفتة.
محلل سياسي: الجيش حقق نجاحًا منظورًا في استراتيجية استنزاف الدعم السريع واستهداف قياداته، ومع ذلك لم تزل قائمة القيادات العسكرية ذات الدربة والخبرة حاضرة وفاعلة في عمق المشهد، وإن ذهب أكثرها باتجاه دارفور
ويرى أبوبكر فضل الله أن الجيش حقق نجاحًا منظورًا في استراتيجية استنزاف الدعم السريع واستهداف قياداته، ومع ذلك لم تزل قائمة القيادات العسكرية ذات الدربة والخبرة حاضرة وفاعلة في عمق المشهد، وإن ذهب أكثرها باتجاه دارفور. وهم، من حيث أهميتهم: اللواء حسن محجوب (الدفعة 40)، اللواء عصام صالح فضيل (الدفعة 36)، اللواء عثمان محمد حامد (عمليات الدفعة 38)، اللواء إدريس حسن (قائد قطاع بحري)، العميد موسى أمبيلو، اللواء النور القبة، اللواء جدو أبو نشوك، العميد عمر حمدان (الدفعة 43)، العقيد حسن محمد الترابي.
ويُعدّ ما حدث من استنزاف حقيقي للقيادات مؤشرًا لتحلل بنية الدعم السريع، التي تداعت بصورة متسارعة بعد علو وانتشار وهيمنة واسعة على الجغرافيا الحيوية. وهو تداعٍ حدث بفعل قوة الجيش ومهارته القتالية، لكنه وقع أيضًا بسبب التناقضات الكامنة في عمق التشكيل الجامع بين التنظيم المؤسساتي والارتكاس لحمأة القبيلة، والصراع بين بنيتين: إحداهما تنتمي لزمن الحداثة وتوظف أدواتها الفائقة، والأخرى تعود إلى رهانات القبيلة والعصبية ورابطة الدم.
الكلمات المفتاحية

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة
يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي
اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر
وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.