سياسة

وساطة أمريكا في سد النهضة.. هل تُبعد خيار المواجهة العسكرية؟

3 نوفمبر 2019
GettyImages-1097067064.jpg
أبي أحمد والسيسي (Getty)
محمد الطيب
محمد الطيبصحفي وكاتب من السودان

تأكدت مشاركة الحكومة السودانية في الاجتماعات التي تستضيفها واشنطن الأسبوع المقبل، والتي تجمع القاهرة وأديس أبابا بخصوص التباحث لكسر جمود مفاوضات سد النهضة الإثيوبي. وبحسب بيان صادر عن وزارة الري والموارد المائية، أعلنت الخرطوم موافقتها على الدعوة الأميركية لحضور اجتماع واشنطن يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

الاجتماع سيضم إلى جانب وزارة الخزانة الأميركية، وزراء خارجية ومياه كل من السودان وإثيوبيا ومصر، بحضور رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس

وقال البيان أن وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس سيتوجه إلى واشنطن برفقة وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله يوم الثلاثاء للمشاركة في الاجتماع. وأضاف البيان أن الاجتماع سيضم إلى جانب وزارة الخزانة الأميركية، وزراء خارجية ومياه كل من السودان وإثيوبيا ومصر، بحضور رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس.

اقرأ/ي أيضًا: "النائب العام": الوقت غير ملائم للحديث عن تسليم البشير للجنائية

الخلاف في مباحثات الخرطوم

وانتهت جولة المفاوضات الأخيرة بين كل من مصر وإثيوبيا والسودان التي انعقدت في الخرطوم بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي بسبب الفشل في التوصل لحل للخلافات حول قواعد ومدة ملء وتخزين المياه بالخزان، حيث اقترحت مصر مدة سبع سنوات لملء السد، وإبقاء مستوى المياه في سد أسوان (جنوبي مصر) عند (١٦٥) مترًا فوق سطح الأرض، كما طالبت بتمرير إثيوبيا (40) مليار متر مكعب سنويًا من المياه. بينما قدمت إثيوبيا اقتراحًا بملء سد النهضة وتخزين المياه خلال فترة من أربع سنوات، وهو ما اعتبرته مصر تراجعًا عن الاتفاقات السابقة، ما عجل عمليًا انهيار المباحثات.

مخاوف مصر حيال مقترح إثيوبيا

وفي تفسيرات لسبب انهيار مفاوضات اللجان الفنية، قالت الخارجية المصرية إن إثيوبيا تراجعت عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، وخلت مقترحاتها من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من السد، ما يصعب التعامل مع حالات الجفاف التي يمكن أن تحدث في المستقبل، وهو ما عزز المخاوف المصرية السابقة من احتمال انخفاض حصتها من المياه البالغة (55,5) مليار م3، واحتمال حدوث انخفاض شديد في نصيب الفرد المصري من المياه، وجفاف الأراضي الزراعية ما يعني دخول مصر في مرحلة الفقر المائي.

اقرأ/ي أيضًا: التصور الكامل للحرية والتغيير لإدارة الولايات.. تشريعي تمثل فيه لجان المقاومة

اتهامات من جانب إثيوبيا

وبدوره قال الجانب الإثيوبي إن مصر أتبعت تكتيكًا تخريبيًا أثناء المباحثات، فيما أبدى السودان موقفًا أكثر مرونة بتمسكه بمبدأ التفاوض وإمكانية إحداث اختراق في القضايا المختلف حولها.

فور انهيار المباحثات تبادلت القاهرة وأديس أبابا التهديدات باللجوء للحل العسكري

أجواء عدائية وتلويح بالحرب

وفور انتهاء اجتماعات الخرطوم، وتبادل الجانبين الاثيوبي والمصري الاتهامات، انطلقت موجة من التصريحات التصعيدية، وصلت ذروتها إلى تهديد أبي أحمد بحشد مليون شخص للدفاع عن السد، فيما أعلنت مصر أن كل الخيارات متاحة بالنسبة لها، وهو ما فسره المراقبون بإمكانية لجوئها للخيار العسكري.

تدخل رئاسي لاحتواء الموقف

ولم يساهم في تخفيف حدة التوتر سوى اللقاء الذي تم بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خواتيم تشرين الأول/اكتوبر الماضي في مدينة "سوتشي" على هامش قمة روسيا إفريقيا، حيث اتفق الطرفان على ضرورة استئناف اللجنة التقنية المستقلة للسد عملها بشكل فوري وبطريقة أكثر إيجابية وانفتاحا.

وتتخوف مصر أن يقل منسوب خزان السد العالي خلال سنوات ملء سد النهضة عن ١٦٥ مترًا، لأنها تخشى أن تتزامن المرحلة الأولى لملء السد مع فترة جفاف شديد قد يشهدها النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في عامي 1979 و1987.

واشنطن على الخط

وإزاء التعنت الإثيوبي بدا أمام مصر خيار القبول بوسيط خارجي تطبيقًا للمادة العاشرة من اتفاق من إعلان المبادئ، والخاص بمشاركة طرف دولي في المفاوضات، وهو ما يعني عمليًا ترجيحه على خيار اللجوء للحل العسكري الذي كان مطروحًا ضمن خيارات أخرى أمام القيادة المصرية.

وبحسب خبراء فإن إصرار إثيوبيا على ما تعتبره حقها في مواصلة بناء السد، والمشروعات المرتبطة به دون الاعتراف بأي معاهدة سابقة لتخصيص المياه، قاد إلى دخول الولايات المتحدة الأميركية كوسيط بمبادرة ذاتية منها، يقول خبراء أن دوافع الرئيس ترامب منها تحديدًا غير معروفة.

ولكن يبدو من سياق الأحداث أن جهود مصر الدبلوماسية وتحركاتها أثمرت عن تدخل واشنطن سريعًا على خط الأزمة لمنع حدوث صدام عسكري بالإقليم، خصوصًا وأن أميركا ترتبط بعلاقات قوية مع النظامين، رغم عدم قبول كل من السودان وإثيوبيا دخول طرف رابع في المفاوضات الفنية، إلا أن الأخيرة قبلت دعوة واشنطن.

وتعلل القاهرة أنها استنفدت الجهود للتوصل إلى اتفاق مع أديس أبابا على شروط تشغيل السد وملئه على مدار الثلاث سنوات، ولم يبق أمامها سوى تدويل القضية وعرضها أمام المجتمع الدولي، لمنع الإضرار المحتمل بمصالحها المائية حال قيام السد.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف معارضة جنوب السودان.. الصراع على غنيمة نائب الرئيس

ويرى المراقبون أن هنالك فرصة في إحداث اختراق في المفاوضات في واشنطن تجنب المنطقة خيار الحرب، وتدور الخلافات حول قضايا ملء وتشغيل الخزان في السنوات الجافة الذي تتخوف منه مصر، رغم تأكيد اثيوبيا أن الهدف من بناء السد ليس الإضرار بحقوق مصر المائية.

ويرى مراقبون أن القاهرة ربما تريد الضغط لفرض اتفاق جديد في واشنطن، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث قال في تصريحات أن بلاده "تتطلع لتوقيع اتفاق قانوني مع إثيوبيا والسودان" في مفاوضات واشنطن، وهو ما يبدو في نظر المراقبين أمرًا صعبًا، نظرًا لتمسك إثيوبيا بمواقفها السابقة.

محلل سياسي: مشاركة إثيوبيا في اجتماعات واشنطن لن تتجاوز عقد حوار سياسي، ولا تعني القبول بوساطة دولية حول القضايا الفنية

وقال محلل سياسي إثيوبي لـ"الترا سودان" -فضل حجب اسمه- أن مشاركة إثيوبيا في اجتماعات واشنطن لن تتجاوز عقد حوار سياسي مع كل الأطراف، وخصوصًا الدولية منها، ولا تعني القبول بوساطة دولية حول القضايا الفنية المختلف عليها، وشدد أن الموقف الإثيوبي واضح وهو رفض الضغوط والتدخلات الدولية في عملية بناء وتشغيل السد، غير أنه المح إلى إمكانية حدوث تغيير طفيف في الموقف الإثيوبي، فيما يخص تمديد سنوات ملء السد، وأردف "كل شيء متوقع".

فيما أكد الكاتب والمحلل السياسي المهتم بقضايا المياه، عبدالواحد إبراهيم أنه من الأفضل للدول الثلاثة الوصول إلى اتفاق أو دعم وصول اللجان الفنية لاتفاقات مرضية للجميع في القضايا الفنية الخلافية، وقال أن العودة للتفاوض هي مفتاح حل المشكلات، وأضاف أن توقيع أي اتفاق آخر لن يضيف جديدًا لحقيقة قيام السد، واستبعد أن توقع إثيوبيا على أي اتفاق مع مصر في واشنطن رغم سخونة الأوضاع.

 

اقرأ/ي أيضًا

فرنسا ماكرون ونادي باريس.. رهان "حمدوك" لإعفاء الديون

مصر والسودان.. آفاق النزاع الكبير حول كيفية التعامل مع سد النهضة

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert