معارك الدعم السريع الأخيرة في الجزيرة والخرطوم.. هزائم أم اتفاقات؟
13 فبراير 2025
بعد نحو عام تقريًبا من اندلاع الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، وقبل تمددها الكبير، تمكن الجيش السوداني من استعادة منطقة الإذاعة والتلفزيون والأحياء القديمة في مدينة أم درمان، ليحقق أول انتصار كبير له في مواجهة قوات الدعم السريع، ويعلن عمليًا عن استراتيجية جديدة في المواجهة العسكرية، بالانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.
نفى المحلل السياسي منتصر إبراهيم أي اتفاق بين الطرفين، فما يحدث للدعم السريع هو عملية انكسار وانهزام متوقعة
بعد تحرير الإذاعة والتلفزيون وأم درمان القديمة، شاعت بشكل واسع أنباء عن اتفاق تم ما بين قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع، بموجبه تنسحب قوات حميدتي من الموقع المهم من الناحية الوطنية والاستراتيجية، بما يعطي الجيش مبررًا للعود إلى التفاوض، وإجراء عملية ترميم لـ"كبرياء القوات المسلحة".
بيد أن الأحداث المتلاحقة بعد ذلك، وأعظمها اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، نسف تلك التحليلات والأقاويل وقبرها سريعًا، وأعاد الناس مرة أخرى إلى حقيقة مارثون المواجهة المميتة بين القوتين.
في هذه الأيام، وبعد تمكن القوات المسلحة من تحقيق انتصارات كبيرة في ولايتي الجزيرة والخرطوم، عادت مرة أخرى إلى الواجهة وبشكل موسع، التحليلات المبنية على نظرية "الاتفاق المسبق"، مضافًا إليها هذه المرة إشارات إلى عملية "مقايضة كبرى" عنوانها: دارفور مقابل الخرطوم والجزيرة!
تحلل وانهزام
الكاتب والمحلل السياسي المختص بالتحليلات العسكرية، منتصر إبراهيم، يرى إن ما حدث تطور طبيعي لطبيعة الحرب الدائرة في السودان. وينفي وجود أي اتفاق بين الطرفين، فما يحدث للدعم السريع هو عملية انكسار وانهزام متوقعة بعد فقدانها أهم عناصر نجاحها في المرحلة الأولى للحرب وهي "القوة الصلبة"، واتصال "الإمداد والتشوين".
يقول منتصر لـ"الترا سودان": "الركيزة الأساسية في تحليل الحرب الدائرة الآن في السودان، تتمثل في مفهوم رئيسي جدًا وهو مفهوم التحلل، التحلل الذي أصاب القوتين الرئيستين في هذه الحرب. وباختصار شديد، تحلل الجيش يتمثل في وجود الدعم السريع وخوضه هذه الحرب الشرسة ضده وهزيمته لنحو عامين".
ويتابع: ما أعنيه بتحلل الجيش إنه فشل في منع "الانقلاب الوقائي" الذي نفذه الدعم السريع، والانقلاب المقصود هو الإطاحة بالبشير، ومن هنا – في رأيي – بدأت الأزمة بين الجيش والدعم السريع. لكن مع تطورات الأحداث ما قبل الحرب، وضمنها بروز الحركات المسلحة الدارفورية كقوة مسلحة، استطاع الجيش أن يحقق القليل من التوازن في مواجهة الدعم السريع، إضافة إلى أن عسكرة المشهد في السودان كانت ستقود في كل الأحوال إلى الحال التي وصلنا إليها الآن".
ويردف قائلًا: "نأتي للتحلل الذي حدث للدعم السريع، بعد تحقيقها لانتصارات كبيرة في بداية الحرب، إذ يرجع ذلك إلى طبيعة تكوين هذه القوات، الطبيعة العشائرية، والاعتماد على المرتزقة، واللصوصية ونهب الموارد، فالدعم السريع كما معروف تمول نفسها بنفسها، وهذا أخطر أنواع الحروب الأفريقية، ومع استمرار الحرب تحولت إلى كيان أخطبوطي بأكثر من قائد وقوة ومليشيا، رغمًا عن معرفتنا بالقائد الحقيقي".
ويتابع منتصر، الذي كما يقول كان لفترة طويلة موجودًا في الخرطوم، وشاهد بنفسه عملية التحلل التي بدأت تصيب قوات الدعم السريع، ويقول: "هذا التحلل ستكون له نتائج خطرة ستصيب كل البناء الاجتماعي في السودان، واحتمالية أن تتحول البلد كلها إلى ساحة اقتتال وتشرذم، إضافة إلى التداعيات المتوقعة على المستوى الإقليمي، ودونك دولة جنوب السودان، وتشاد، والساحل الأفريقي بأكمله قابل للالتهاب خلال هذا العام 2025".
هزائم تقود إلى تقسيم
يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد عبدالعزيز، إن ما يحدث الآن لقوات الدعم السريع لا يمكن وصفه بغير "الهزيمة"، التي قد تبدو مفاجئة للبعض إلا أنها كانت متوقعة لكل متابع حصيف لما يجري ميدانيًا.
ويتابع قائلًا: "الجيش استطاع بعد عامين من إعلانه خطته التي وصفها بـ"الحفر بالإبر" من تحقيق انتصارات كبيرة على قوات الدعم السريع، وهذا حدث بعد عملية انكماش كبرى داخل وحداته العسكرية صحبها صمود طويل، استطاع خلالها ترميم صفوفه، وبناء قوته من جديد لينتقل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، بينما في الجانب الآخر فقد الدعم السريع قوته الصلبة، وتورطت قواته ومليشياته في سلسلة انتهاكات مريعة لا سيما في ولاية الجزيرة وسط السودان، وبعض مناطق إقليم دارفور".
ويتابع الصحفي والمحلل السياسي بقوله: "لا أعتقد أن هناك اتفاقات الآن بين الطرفين المتقاتلين، لكن القراءة السليمة ستقود إلى أن ما يجري، إن لم يحدث اتفاق سلام، سيقود حتمًا إلى تفكك البلاد وتقسيمها من جديد".
ويوضح عبدالعزيز رؤيته بقوله: "هناك إرهاصات كبيرة بتكوين حكومة موازية لحكومة بورتسودان تقف من ورائها مجموعة مدنية مساندة للدعم السريع، إذ تكونت هذه الحكومة فهذا يعني عمليًا انقسامًا في الكتلة المدنية الأكبر "تنسيقية تقدم"، ويقود بدوره إلى انقسامات أصغر في كيانات حزبية ونقابية وحقوقية أخرى، وهذه الانقسامات ستأخذ شكلًا جهويًا واضحًا هو الغرب مقابل الشمال والوسط، أو دارفور وجزء من كردفان في مقابل شمال ووسط وشرق السودان".
من جانبه يرى، منتصر إبراهيم، أن الحديث عن "اتفاق سري" بين الجيش والدعم السريع تكرر كثيرًا، ويصفه بأنه جزء من عملية التلاعب بالرأي العام كجزء من الحرب نفسھا.
وتساءل منتصر: "من الذي يصنع مثل هذه الإشاعات، وما المصلحة؟!"، وأضاف: "الإجابة عن مثل هذا السؤال يمكن أن تفتح أفقًا حول أبعاد الحرب الدائرة، لكونھا ليست مجرد مواجھة بالبنادق".
وحول احتمالية سقوط مدينة الفاشر بيد قوات السريع، استبعد منتصر إبراهيم ذلك وقال: "الدعم السريع في أسوأ حالاتها، وقد أصبحت تراهن على الدعاية بوصفها فزاعة".
ويضيف: "الدعم السريع استنفدت قدراتها العسكرية والتكتيكية والدعائية، فإذا استطاعت فقط التفاعل لتتماسك سيكون هذا انتصار كبير".
محمد عبدالعزيز: لا أعتقد أن هناك اتفاقات الآن بين الطرفين المتقاتلين
وصلت الحرب السودانية نهايتها الأولى، يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد عبدالعزيز، ويضيف: "فإما اتفاق سياسي واضح، يعيد إلى البلاد لحمتها وفق عقد اجتماعي جديد، أو تقسيم يطال البلاد بأكملها ويفتتها إلى أكثر من دولة، تبدأ بدولتين وتنتهي إلى أكثر من ثلاث دول مجهولة المصير وغارقة في الأزمات".
الكلمات المفتاحية

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة
يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي
اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر
وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.