سياسة

ريك مشار وحروبه الدامية من أجل منصب شغله ثلاث مرات

22 فبراير 2020
GettyImages-481973289_0.jpg
أتيم سايمون
أتيم سايمونصحفي وكاتب من جنوب السودان

ظل ريك مشار تينج، المنحدر من قبيلة النوير، فرع ولاية الوحدة غربي جنوب السودان، يمثل طرفًا رئيسيًا في المعادلة السياسية بجنوب السودان، نسبة لارتباط اسمه بمجموعة من الأحداث والتطورات السياسية للجنوب منذ أيام حرب التحرير الثانية (1983-2005) وحتى الآن، مع إصدار الرئيس سلفاكير قرارًا بتعيينه نائبًا أولًا له، للمرة الثالثة في تاريخه.

ظل ريك مشار تينج، المنحدر من قبيلة النوير، فرع ولاية الوحدة غربي جنوب السودان، يمثل طرفًا رئيسيًا في المعادلة السياسية بجنوب السودان

انضم ريك مشار ذو الثمانية والثلاثين عامًا وقتها، الذي يحمل شهادة دكتوراه في الهندسة من الجامعات البريطانية، عام 1984 إلى الجيش الشعبي، الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قادت الصراع المسلح ضد حكومات الخرطوم منذ عام 1983 حتى 2005 مع توقيع اتفاقية نيفاشا للسلام التي أعطت الجنوب حق تقرير المصير.

اقرأ/أيضًا: 8 سنوات على استقلال جنوب السودان.. فشل تجربة بناء الدولة في مهدها

عاد مشار من بريطانيا والتحق بالعمل المسلح تحت قيادة زعيم ومؤسس الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق. و ظل مشار في صفوف الحركة، يقود العمل العسكري بنفسه في منطقة غرب النوير، ويقول عدد من قيادات الحركة إن "مشار انحنى للعاصفة، حتى لا يكون تحت إمرة قاي توت غير المتعلم، وهو الذي نال شهادات عليا في أرقى الجامعات العالمية".

ولكن بعد أقل من ستة أعوام، وتحديدًا عام 1991، تمرد مشار على قرنق. بالتزامن مع بداية تدهور الأوضاع في إثيوبيا، التي كان يحكمها منغستو هايلي مريام الداعم الأساسي للحركة الشعبية. وبدا حينها أن مشار قد قرأ الأوضاع داخل الحركة، التي كانت حينها تتعرض لضغط عسكري شديد من حكومة الخرطوم، في ما يعرف بعمليات (صيف العبور) التي كانت بداية تحويل النزاع في جنوب السودان إلى حرب جهادية دينية بواسطة نظام البشير والترابي.

كان مشار قائد ما عرف بانقلاب الناصر عام 1990 ضد التيار الرئيسي في الحركة الشعبية، الذي كان يتزعمه قرنق، وأدار مشار عمليات عسكرية شرسة لم يشهدها جنوب السودان من قبل، ولا زال الجنوبيون يقولون إن من قتلوا في ذلك النزاع القبلي بين (الدينكا) و(النوير) يفوق عدد من قتلوا في الحرب بين المتمردين والحكومة المركزية.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان.. صراع متجدد في دولة هشة

أطلق مشار بعد انشقاقه على الفصيل المسلح الذي تزعمه اسم (حركة تحرير جنوب السودان) ليعلن بجلاء أنه مع انفصال جنوب السودان. وكان من آثار تبني مشار لخيار انفصال الجنوب أن التيار الانفصالي استطاع أن يتمدد وسط الجنوبيين مما أغرى كثيرًا من القيادات الجنوبية الأخرى على تبني الدعوة الانفصالية، التي تتعارض مع مشروع الحركة الشعبية الأصلي، المسمى السودان الجديد القائم على إعادة صياغة الدولة السودانية وإنهاء التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي، واستطاع التيار الانفصالي أن يكسب الكثير من الشعبية وسط الجنوبيين، الأمر الذي وجد معه جون قرنق نفسه مضطرًا لتضمين حق تقرير المصير ضمن مطالب الحركة الشعبية، دون أن يعلن رسميًا تخليه عن مشروع السودان الجديد.

المعارك التي دارت بين فصيل مشار والحركة الشعبية لأعوام، دفعت مشار للاتجاه شمالًا ومصالحة حكومة الخرطوم عبر اتفاقية الخرطوم للسلام مع الرئيس السوداني عمر البشير عام 1997، التي جرى بعدها تنصيبه مساعدًا للبشير ومسؤولًا عن إقليم جنوب السودان، على أن يجري الاستفتاء على مصير الجنوب بعد أربع سنوات من تنفيذ الاتفاقية.

كانت أهمية مشار بالنسبة للحكومة في تلك الفترة تتمثل في تكفله بحماية آبار النفط في مناطق النوير، قبيلة مشار، بولاية الوحدة ومناطق غرب النيل. لكن كعادة الاتفاقات السياسية بين الشمال والجنوب لم تصمد اتفاقية الخرطوم للسلام طويلًا، وسارت الأمور على غير ما يريد مشار، فحزم حقائبه واتجه من جديد إلى الحركة الشعبية في أوائل عام 2002. وكان الوسيط بين جون قرنق ومشار في مفاوضات عودة الأخير لصفوف الحركة الشعبية ثانية هو الرئيس الحالي سلفا كير، الذي كان حينها النائب الأول لقرنق. وبعد عودته حصل مشار على منصب النائب الثاني لرئيس الحركة الشعبية.

ومن اللافت أن الأدوار قد انقلبت في العام 2004، الذي وقع فيه خلاف بين سلفا كير وجون قرنق، في هذه المرة كان مشار هو الوسيط بين الرجلين، الذي رتب المصالحة الشهيرة في نهاية 2004 في رومبيك، ودخلت الحركة الشعبية مفاوضات نيفاشا موحدة بقيادة جون قرنق.

صورة قديمة لمشار وزوجته الأوروبية ايما ماكيون (Pinterest)

كان جون قرنق يقول عن مشار في الفترة التي أعقبت انقلاب الناصر: "إن التاريخ سيظل يذكر رياك مشار بالشخص الذي طعن الحركة في ظهرها حينما كنا على وشك الانتصار". ومات جون قرنق بعد واحد وعشرين يومًا من دخول اتفاقية نيفاشا موقع التنفيذ.

برحيل قرنق أصبح سلفا ومشار يديران معًا دولة الجنوب، وظل مشار حاكمًا فعليًا للجنوب بعد تقاسمه السلطة مع كير طوال الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الممتدة من 2005 حتى 2011 تاريخ استقلال جنوب السودان.
بعد عامين من استقلال الجنوب أصبحت المواجهة بين الرجلين مكشوفة، بعد أن أعلن مشار أنه سيترشح لرئاسة الحزب وخوض الانتخابات عام 2015، الأمر الذي اعتبره كير خطرًا داهمًا يواجهه، فقام بإقالة نائبه مشار في تموز/يوليو 2012 من موقع الرجل الثاني في الحكومة، دون أن يقيله من منصب النائب الأول لرئيس الحزب. أفسح هذا لمشار المجال للتحرك داخل وخارج الحركة وعقد التحالفات مع منافسين سابقين ضد كير. كان أبرزهم أرملة الراحل جون قرنق "ربيكا".

سرعان ما تفجرت الأوضاع داخل الحركة، واندلعت الحرب الأهلية الأخيرة في جنوب السودان، مع إعلان مشار عن تمرد جديد ضد الرئيس سلفا كير تحت مظلة الحركة الشعبية في المعارضة، التي خاضت قتالًا شرسًا استمر لقرابة الثلاث سنوات، انتهي بتوقيع اتفاق سلام عاد بموجبه مشار لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في نيسان/أبريل من العام  2015، إلا أن تلك التسوية لم تصمد كثيرًا بسبب غياب الإرادة السياسية وضعف اتفاق الترتيبات الأمنية، مما أدى لتجدد عمليات القتال وعزل مشار من منصبه بعد تعيين تعبان دينق قاي، خلفًا له كنائب أول لرئيس الجمهورية، في انقلاب شكلي لم يقد لإنهاء حياته السياسية.

بعد مواجهات عنيفة دارت في العاصمة جوبا غادر مشار سيرًا على أقدامه مع عدد كبير من قواته إلى حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية، في أيلول/سبتمبر من نفس العام، ومن هناك أقلته مروحية عسكرية سودانية إلى داخل الأراضي السودانية، لتلقي العلاج من جروح كان قد تعرض لها خلال مسيرته التي استمرت زهاء الشهرين، وبقي لفترة قليلة بالعاصمة السودانية الخرطوم التي غادرها إلى دولة جنوب أفريقيا مستشفيًا في تشرين الأول/أكتوبر، وهناك تم وضعه في الإقامة الجبرية كنوع من الضغط الدولي والإقليمي على زعيم المتمردين، حيث كان البعض يرى أن تلك الخطوة ستقود لإضعاف المعارضة ومنعها من تسعير حرب أهلية جديدة.

في أيلول/سبتمبر من العام 2018، وقع مشار بصفته زعيمًا للمعارضة المسلحة على اتفاق السلام المعاد تفعيله مع الحكومة، بعد أن فشلت جهود الإقليم في الإبقاء عليه بعيدًا عن الساحة السياسية بسبب الحرب التي قادتها مجموعته على الجيش الحكومي، وهو الاتفاق الذي نص على تولي الرجل للمنصب الثاني في الدولة بصلاحيات تنفيذية واسعة، وبذلك يكون الرجل قد شغل المنصب للمرة الثالثة في العام 2020.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحالف معارضة جنوب السودان.. الصراع على غنيمة نائب الرئيس

"نهب جنوب السودان".. قصص الفساد والحرب الأهلية

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert