سياسة

انقلاب قصر في السودان.. حكومة صورية "لتأهيل" البشير لانتخابات 2020

11 September 2018
GettyImages-940963126.jpg
يسعى البشير من خلال الحكومة الجديدة إلى ترحيل المشاكل (Getty)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

لم ترشح أي معلومات أو تسريبات طوال الأسابيع الماضية عن تغيرات في الحكومة السودانية،على غير العادة، ولا حتى إشارة بسحب رئيس الوزراء الفريق بكري حسن صالح إلى منطقة الظل داخل القصر الجمهوري، حتى فاجأ الرئيس عمر البشير السودانيين في وقت متأخر من ليلة الأحد بإقالة حكومة الحوار الوطني وتقليص الوزرات، بصورة بدت وكأنها أشبه بما يسمى بانقلاب قصر.

أراد الرئيس البشير من خلال هذا التغيير الكبير المفاجئ في الحكومة، أن يقول إنه اللاعب الوحيد والممسك بزمام المبادرة السياسية في السودان

وفي حين لم يكن مفاجئًا بالمرة أن تعود صفوف الوقود والخبز بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان، نتيجة للحصار والفساد والنقص الحاد في العملات الأجنبية، إلا أن صعود وزير الكهرباء والسدود معتز موسى وتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء كان مفاجئًا للجميع.

رئيس وزراء أقرب للتكنوقراط

وتضمن قرار الرئيس البشير إقالة حكومة الفريق بكري حسن صالح، وتقليص عدد الوزراء من 31 إلى 21، ودمج بعض الوزارات لتجنب الترهل والصرف المالي، بجانب فصل منصب النائب الأول من رئاسة مجلس الوزراء، على أن يحتفظ الفريق بكري بمنصب النائب الأول فقط، فيما تم تعيين محمد يوسف كبر نائبًا للرئيس، وهو الموقع الذي ظل حكرًا لإقليم دارفور المضطرب. وقال البشير إن الهدف من هذه الخطوة هو تشكيل "حكومة رشيقة تستجيب لتطلعات الشعب السوداني"، ونقل بيان الرئاسة عنه قوله إن هذه الخطوة "ضرورية لمعالجة حالة الضيق والإحباط التي واجهتها البلاد خلال الفترة الماضية".

اقرأ/ي أيضًا: محاولة جادة وأخيرة للقلق حول مصير البشير!

ولعل أبرز سمات شخصية رئيس الوزراء الجديد معتز موسى أنه أقرب للتكنوقراط في طبيعة تفكيره وعمله، كما أنه جاء من خارج المؤسسة العسكرية والأمنية، وتدرج في العمل التنظيمي والتنفيذي إلى أن أصبح وزيرًا للموارد المائية والكهرباء، ومن ثم مؤخرًا رئيسًا للقطاع الاقتصادي بالحزب الحاكم، ويعتبر من المقربين للرئيس البشير حتى أنه يكاد يكون بمثابة الصندوق الأسود لأسرار الرئيس في السنوات الأخيرة. كما أن معتز موسى هو الذي قاد مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بين مصر وإثيوبيا والسودان بطريقة حافظت على وتيرة الخلافات. وينتمي معتز موسى لفئة الشباب، الذين جاءوا من الصفوف الخلفية رغم انتسابه للحركة الإسلامية السودانية، حيث إنه تخرج من كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم في العام 1989.

من جانبه اعتبر رئيس قطاع الإعلام بالمؤتمر الوطني الحاكم إبراهيم صديق أن حزبه يمتلك عزيمة التغيير والرغبة، وأن الانتقال يتطلب إرادة سياسية، وكتب إبراهيم على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تدوينة قال فيها إنه "من الضروري أن تكون القوى السياسية بذات الفاعلية، لتسهيل المهام على رئيس الوزراء الجديد معتز موسى لتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصات السياسية والجهوية، وتعتمد مبدأ الكفاءة والمهنية"، واصفًا ما تم بأنه خطوة ضمن منظومة إصلاح شامل "ولها تأثيرها السياسي وبعدها الاقتصادي والاجتماعي" على حد قوله.

حكومة صورية قبل انتخابات 2020

أراد الرئيس البشير من خلال هذا التغيير الكبير المفاجئ في الحكومة، والذي تم بعيدًا عن المطابخ التنظيمية ربما لأول مرة، أن يقول إنه اللاعب الوحيد والممسك بزمام المبادرة السياسية في السودان، وهي رسالة مرتبكة للخارج، كما يرى مراقبون، بقدر ما هي رسالة للداخل. حيث جاءت إقالة حكومة بكري بالكامل بعد مشاركته في المنتدى الإفريقي الصيني ببكين، وبعد أن أظهرت الصين فتورًا بائنًا في العلاقة بينها والحكومة السودانية، نتيجة لعدم التزام السودان بدفع الديون الصينية عليه والتي تبلغ حوالي 6 مليار دولار، رغم جدولتها أكثر من مرة. أما السبب الآخر الذي جعل البشير يقدم على هذه الخطوة فهو تراجع شعبيته في الشارع السوداني، بسبب الضائقة الاقتصادية، لدرجة مطالبة البعض بتنحيه، وهو ما يمكن أن يصعب من مهمة عبوره لانتخابات 2020 الرئاسية، في حال تم تعديل دستور البلاد الذي لا يسمح له بالترشح.

وقد أعلن البشير في خطاب وجهه للشعب السوداني نهار الإثنين أن معاش الناس سيكون في أعلى أولويات الحكومة الجديدة، وقدم اعتذارًا ضمنيًا للسودانيين لصبرهم على الضغوطات الاقتصادية، ولما أبداه الشعب من مواقف وطنية صادقة "قطعت الطريق على كل من راهن على حدوث توترات اجتماعية جراء ذلك"، حسب ادعائه، معتبرًا أن "التحديات الحالية أفرزها حصار اقتصادي جائر وتضييق بل إغلاق مخطط على منافذ الموارد الخارجية، جراء تمسك بلادنا بمبادئها، وصيانتها لاستقلالها، وعدم  ارتهان مواقفها المبدئية لإغراءات الدعم والمساندة في حالة تخليها عنها"، على حد قوله.

 وبرر البشير خطوة التعديل الوزاري قائلًا إن الظرف الاقتصادي الذي يمر به السودان كان وراء القرارات التي تهدف إلى ترشيد الصرف وتقليل الإنفاق العام وضبطه لأنه يمثل مركزية البرنامج الوطني للتوازن الاقتصادي، مؤكدًا مضيه في إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي والتمثيل الخارجي متى ما اقتضت الظروف لتحسين الأداء الحكومي، قائلًا: "سنقلص الإنفاق العام عند حده الضروري إن لم يكن عند حده الأدنى".

اقرأ/ي أيضًا: معركة مبكرة قبل الانتخابات السودانية.. معارضة تحترف الانقسام

ورغم أن حالة من التفاؤل بدت تسود في الشارع السوداني نسبيًا، على أمل أن تفلح الحكومة الجديدة في خلق حيوية سياسية وتخفيف معاناة المواطنين، إلا أن ثمة من اعتبر أن الأزمة في العقلية المركزية التي تدار بها البلاد، وأن تغيير الحكومة نوع من المماطلة وترحيل للمشاكل الحقيقية. وكتب رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض عمر الدقير، تغريدة في تويتر، قال فيها: "خلال عهد الإنقاذ تم تشكيل العديد من الحكومات في السودان تبادل فيها منسوبو المؤتمر الوطني المواقع والمنافع، بينما الأزمات تزداد تفاقمًا"، وأوضح الدقير أن الأزمة سببها بؤس المنهج والسياسات، ولن يحلها "تدوير الأشخاص بين مواقع السلطة واستبدال أحمد بحاج أحمد" على حد وصفه.

جاء قرار البشير في ظل تراجع شعبيته في الشارع السوداني، بسبب الضائقة الاقتصادية، لدرجة مطالبة البعض بتنحيه

المرحلة الخطرة للأزمة

وبما أن هذا التعديل الحكومي مثل اعترافًا بالأزمة، فإن الصورة الحقيقة ليست كذلك بالنسبة للكاتب الصحفي والمحلل السياسي عثمان ميرغني، والذي يرى أن الأزمة تعدت تمامًا مرحلة الإقرار بها، وأصبحت واقعًا مؤثرًا جدًا لا يمكن تجاوزه. وقال ميرغني لـ"ألترا صوت" إن تعيين حكومة جديدة فقط يمكن أن يوفر زمنًا إضافيًا، أي يبطئ عملية الانهيار لكنه لن يصنع الحلول المأمولة، فيما وصفه بأنه غير مؤثر، وأنه "لن يعطي أي نتائج على المستوى القريب، ولا على المستوى البعيد"، أما شخصية رئيس الوزراء الجديد معتز موسى فهي ليست محل قياس، "لأن طبيعة السلطات المتاحة لرئيس مجلس الوزراء كلها تقريبًا سلطات مفوضة من رئيس الجمهورية وليست سلطات أصيلة، وبالتالي لا تتوفر لرئيس الوزراء مساحة للمبادرة والتحرك بحرية"، فهو باختصار مجرد نائب ثالث أو مساعد سادس لرئيس الجمهورية.

ورفض عثمان ميرغني فكرة بعث رسائل خارجية جدية من خلال هذا التغيير، مؤكدًا على أن ما يطلبه المجتمع الدولي بعيد تمامًا عن هذه التعديلات، وهو يتصل بقضايا داخلية محددة، في إشارة للحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، وبالتالي فإن الغرض من الحكومة الجديدة هو الاستهلاك الإعلامي، وهذا ما نجحت وستنجح فيه بالفعل.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

امتصاص الصدمات الاقتصادية على الطريقة السودانية

طعن دستوري ضد البشير.. حرب اليمن مرفوضة شعبيًا في السودان

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert