سياسة

السودان.. تطبيع قادم مع إسرائيل؟

29 ديسمبر 2015
GettyImages-453484370_0.jpg
مظاهرة من السودان مستنكرة للاعتداءات الإسرائيلية على غزة سنة 2014(الأناضول)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

بدأت دعوات التطبيع مع إسرائيل تثير حالة من الاهتمام المتزايد بين القوى السياسية السودانية، لكن المزاج العام منشغل أساسًا بتفاصيل الحياة اليومية، أكثر من وضع حد لهذه العلاقة المتأزمة بين الخرطوم وتل أبيب، ولذلك ظلت حركة المقاومة الفلسطينية، تعبر عن فكرة النموذج الأمثل للمقاومة المطلوبة، وتحظى بتأييد واسع في الشارع السوداني، سيما وأن إسرائيل نفذت أكثر من غارة داخل الأراضي السودانية، آخرها قصف مصنع اليرموك الحربي جنوب الخرطوم في تشرين الأول/أكتوبر 2012، وأحالت ليالي العاصمة السودانية إلى جحيم.

الحكومة السودانية قدمت دعوة لتراجي مصطفى للمشاركة في الحوار الوطني، واعتبرتها من الشخصيات القومية السودانية، وهي من أيدت مقترح التطبيع مع إسرائيل 

وأخيرًا، حطت تراجي مصطفى، الناشطة السودانية التي تعيش في كندا رحالها في الخرطوم، تراجي المثيرة للجدل أعلنت في العام 2006 تكوين جمعية سودانية للصداقة مع إسرائيل، ومضت أكثر من ذلك عندما زارت إسرائيل وسط تكتم شديد. وقالت في تصريحات صحفية إنها "تنادي بعلاقة مع بعض اليهود الذين يؤمنون بالصداقة مع السودان، ولا ترى مبررًا للعداء الطويل طالما وجد تبادل دبلوماسي بين إسرائيل ودول عربية مجاورة لفلسطين".

وأضافت تراجي: "منذ أن أعلنت عن تكوين الجمعية وصلتني مئات المكالمات والرسائل من سودانيين يدعمون الخطوة، وقد رحبوا بها"، لكن رغبة تراجي لم تكن معزولة في أقاصي كندا، وإنما تم التمهيد لها أيضًا في الخرطوم، حيث دفع حزب "المستقلين" داخل لجان الحوار الوطني، بورقة تنادي بالتطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، وقال الحزب إنه "لا يوجد مبرر لأن يناصب السودان العداء لإسرائيل، مشيرًا إلى أن ذلك العداء يكلف البلاد من الناحية السياسية والاقتصادية".

تراجي والتي قدًمت لها الحكومة السودانية الدعوة للمشاركة في الحوار الوطني، واعتبرتها من الشخصيات القومية السودانية، أيدت أمس الأول مقترح التطبيع من داخل قاعة الصداقة، وقالت إن "الأمر سياسي ولكن إذا طُلب رأيها فلا مانع". هكذا عادت كرة التطبيع الملتهبة إلى الملعب السياسي مجددًا، وتتوقع تراجي تزايد عدد اللاجئين السودانيين في إسرائيل، ما يمكن أن يحولهم إلى جالية.

تتوقع الناشطة السودانية تراجي تزايد عدد اللاجئين السودانيين في إسرائيل ما يمكن أن يحولهم إلى جالية

المثير في الأمر أن تراجي أصبحت قريبة من النظام، وتدعم الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس البشير وتدافع عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن تعيق محاولاتها التطبيعية علاقتها بالحكومة السودانية، ورغم نبرة العداء الظاهرة لإسرائيل وسط مكونات الحكومة السودانية، إلا أن تراجي المنحدرة من شرق السودان والمدافعة بشراسة عن قضايا الهامش، وجدت حفاوة كبيرة لدى وصولها، ولم تتعرض لهجوم من المساجد والمنابر الإعلامية، كحال من يروجون لمثل هذه الدعوات، بل من الواضح أن الأضواء الكثيفة التي تُسلط عليها باستمرار، تتوخى لها كاريزما سياسية لم تتوفر لغيرها، بخلاف مهاراتها الخطابية، وجرأتها التي جعلت منها سيدة مرعبة، يخطب الساسة ودها على نحوٍ لافت.

يقول الكاتب والباحث الإسلامي المحبوب عبد السلام لـ"ألترا صوت": "من الممكن أن تترتب على دعوة تراجي آثار خطيرة إذا أضحت أمرًا واقعًا"، ولكن عبد السلام لا يرى أن الوضع مخيف الآن "لعدم وجود تحول استراتيجي أو تعاون استخباراتي يخدم العلاقة بين الجانبين، فضلًا عن أن البرلمان ومجلس الوزراء لم يتطرقوا مطلقًا للقضية".

ويشير المحبوب إلى أنه "لمدى ما يقارب السبعين عامًا ظلت القضية الفلسطينية هي المرتكز الاستراتيجي للقضية العربية"، ويضيف "منذ زيارة السادات إلى القدس وما تلاها في مدريد وأوسلو وكامب ديفيد وقيام السلطة الفلسطينية ازدادت القضية تعقدًا والمواقف اضطرابًا، وأي اتجاه نحو تطور في العلاقة مع إسرائيل يدخل في إطار القضايا الاستراتيجية التي تتطلب دراسة معمقة وشورى واسعة وإجماع، وهو ما لم يحدث في السودان على أي مستوى".

"الأمر لا يزال أقل من سقف التطبيع" بحسب السفير عادل شرفي، الذي يوضح لـ"ألترا صوت": "لم أسمع بدعوة للتطبيع مع إسرائيل غير دعوة تراجي، لكن أقر بزيارات سرية وعلاقات مع بعض حركات دارفور المسلحة". ويضيف: "هناك مكتب لعبد الواحد محمد نور وسبق أن زار هذا الأخير إسرائيل من قبل، كما أن هناك معلومات لمقابلة بين نميري وشارون قام بالوساطة فيها عدنان خاشوقجي، وهناك صورة تجمعهم، نتج عنها ترحيل اليهود الفلاشا". ويشير السفير شرفي إلى شخصيات نفذت ترحيل اليهود الفلاشا أيام حكم الرئيس السابق جعفر نميري (1969_1985)، ولا يزالون مقربين من السلطة، وهم رجلا الأمن والسفيران السابقان عثمان السيد والفاتح عروة، حسب تصريحات شرفي.

ثمة عبارة في جواز السفر السوداني تقطع الطريق أمام كل دعوات التعاون المطروحة وهي "يسمح لحامله بدخول كل الدول عدا إسرائيل"، تلك العبارة لا تزال موجودة، لكنها لم تمنع سفر بعض السودانيين إلى إسرائيل، من ضمنهم ساسة وناشطون وسط تكتم شديد كما تشير، بعض التقارير الصحفية.

المدهش في الأمر أن "جوجل إيرث" يظهر مبنى وسط الخرطوم يشتبه في أنه مقر لسفارة إسرائيل، ويشير البعض إلى علاقة خفية بين الجانبين، لكن النظام السوداني ينفي تلك المزاعم، ويقدم مرافعة رافضة لأي تقارب بين البلدين، سيما وأن السودان منذ وصول البشير للحكم ظل محسوبًا على محور دول الممانعة العربية.

بالمحصلة فإن ما يتداول اليوم عن أحاديث التطبيع مع إسرائيل يعطي صورة مخالفة لصورة الخرطوم في المخيلة، حيث صدرت للعالم قمة "اللاءات الثلاثة" الشهيرة في العام 1967، وهي "لا صلح، لا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني".

اقرأ/ي أيضًا:

المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل: انتصارات وتناقضات

أقوى العلاقات التجارية العربية مع إسرائيل

مباراة السعودية فلسطين.. بين رفض التطبيع ورعايته

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert