سياسة

السودان في مفترق طرق.. الحرب تدخل شهرها السادس

16 September 2023
TOPSHOT - People sit around food cooking on a bonfire at a school that has been transformed into a shelter for people displaced by conflict in Sudan's northern border town of Wadi Halfa near Egypt late on September 11, 202.jpg
نزح الملايين حيث يقيم بعضهم في مراكز إيواء في ظروف صعبة بالولايات الآمنة (Getty)
محمد حلفاويصحفي سوداني

بعد دخول الشهر السادس على القتال بين الجيش والدعم السريع في السودان، يخشى المواطنون من أن يكون بلدهم على مفترق طرق بعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وتطور النزاع المسلح إلى درجة التلويح بتكوين حكومتين إحداها في البحر الأحمر تحت سيادة الجيش، وأخرى في الخرطوم تحت سيطرة الجنرال محمد حمدان دقلو.

قبل ما يزيد عن الشهرين كانت الآمال معلقة على توقف القتال على خلفية المحادثات بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية، واليوم يقف السودان على حافة حرب أهلية، وفق تحذيرات للأمم المتحدة التي بدت أكثر تشاؤمًا في تقريرها عن الوضع في البلاد، والذي قدمته إلى مجلس الأمن الأربعاء الماضي.

يستمر القتال الضاري في العاصمة الخرطوم ونيالا وزالنجي والجنينة والأبيض وكادوقلي وبعض المناطق في شمال كردفان، مسفرًا عن نزوح أكثر من خمسة ملايين شخص بمعدل مليون شخص شهريًا

يستمر القتال الضاري في العاصمة الخرطوم ونيالا وزالنجي والجنينة والأبيض وكادوقلي وبعض المناطق في شمال كردفان، مسفرًا عن نزوح أكثر من خمسة ملايين شخص بمعدل مليون شخص شهريًا، ولجوء مليون شخص عبر الحدود إلى دول الجوار.

وخلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية رافقتها "هدن هشة" خرجت (80)% من المرافق الصحية عن الخدمة، وأصبح الحصول على مستشفى في الخرطوم على سبيل المثال، من "المستحيلات"، إلى جانب انعدام الممرات الإنسانية وسط تأكيدات من المنظمات الدولية أن الطرفين لم يلتزما بتنفيذ اتفاق جدة لحماية المدنيين والأعيان المدنية والصحية رغم توقيعهما عليه في 11 أيار/مايو الماضي في منبر جدة.

توقيع اتفاق الالتزام بحماية المدنيين بين ممثل الجيش وممثل الدعم السريع مع حضور وزير الخارجية السعودي والأمريكي
وقع الجيش والدعم السريع على اتفاق للالتزام بحماية المدنيين في جدة ومجموعة من الهدن الهشة (أرشيفية)

حتى تلك الولايات التي فر إليها نحو خمسة ملايين شخص لم تتمكن من امتصاص الحاجة الماسة إنسانيًا وخدميًا، مع توقف صرف الرواتب للعاملين في القطاع العام، وتسريح بعض العمال في القطاع الخاص جراء توقف الحياة الاقتصادية في العاصمة الخرطوم، والتي أفرزت أكبر عدد من النازحين.

تطور القتال أيضًا لرغبة كلا الطرفين في زيادة رقعة مساحات سيطرتهما، خاصة في العاصمة الخرطوم، وربما لترجيح الكفة في المفاوضات التي ترعاها السعودية والولايات المتحدة، والتي تم تجميدها في تموز/يوليو الماضي ولا يعلم أوان عودتها مرة أخرى.

عسكريًا تمكن الجيش خلال هذه الفترة من امتصاص هجمات الدعم السريع وتوافد عشرات الآلاف من مقاتليه إلى العاصمة عبر الحدود -كما تقول بعثة السودان في الأمم المتحدة في آخر تقرير لها- وفي ذات الوقت لم يتمكن الجيش من استعادة الأجزاء الكاملة للقصر ووسط الخرطوم وبعض المناطق الحيوية، بينما تسعى قوات الدعم السريع لتضييق الخناق على مقار الجيش المنتشرة في العاصمة وتُحيط بها الأحياء السكنية في بعض المناطق، ووجدت نفسها في قلب المعارك العسكرية، وتقريبًا أصبحت خالية من المواطنين.

منذ ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام البشير، لعبت لجان المقاومة والقوى المدنية المؤيدة للحكم الديمقراطي دورًا بارزًا في تصدر المشهد السياسي، واليوم عقب دخول الشهر السادس من النزاع المسلح، تجد هذه القوى نفسها هي الأخرى في مفترق طرق، ما بين مؤيد للجيش في استعادة الدولة ومؤسساتها الشرعية، وما بين الوقوف على الحياد وسط اتهامات لبعضها بالوقوف مع الدعم السريع، وانعكس هذا الانقسام البائن على استحالة بناء جبهة مدنية مناهضة للحرب، وقد يستمر التعثر طويلًا نظرًا للوضع في السودان في الوقت الراهن.

في نفس الوقت وكجزء من التأثير على الصراع والمشهد السياسي، يستميت أنصار نظام البشير لإيجاد موطئ قدم في أي معادلة جديدة للحكم في السودان، حتى وإن اضطروا إلى تقديم بعض التنازلات للجيش، وذلك بالنسبة لهم أفضل من عودة فترة ما بعد 11 نيسان/أبريل 2019.

وانطلقت الحملات المكثفة في تخوين كل من لا يساند الجيش، بينما يخشى سياسيون مدنيون ونشطاء من أن يؤدي الانقسام إلى تفتيت السودان إلى دويلات، حيث بدأت إرهاصاتها بالتهديدات الصادرة عن الجنرال محمد حمدان دقلو بتكوين حكومة في العاصمة إذا مضى البرهان في تكوين حكومة البحر الأحمر.

دولتان تخوضان صراعًا مسلحًا قابلتان لتحويل النزاع المسلح إلى حرب أهلية شاملة وفق مخاوف الأمم المتحدة، وذلك إذا ما ترك الجنرالان دون ضغوط دولية هائلة وجدية لحملهما إلى طاولة التفاوض في منبر جدة الذي قد يكون أساسًا لوقف إطلاق النار المستدام.

غادر الملايين منازلهم فرارًا من الحرب منذ اندلاع الاشتباكات في العاصمة الخرطوم وبعض المدن (Getty)

ورويدًا رويدًا مع الأزمة الإنسانية والخوف من المجهول وتمدد رقعة الحرب، ترتفع المطالب الشعبية من وقف القتال سواء بالحسم العسكري أو الحل السلمي عبر التفاوض، بينما يرمي "الراديكاليون" المؤيدون للقتال والحل العسكري بثقلهم في الأزمة، مطالبين بعدم اليأس من القتال، ويساعدهم على ذلك ضعف المدنيين المناهضين للحرب في بلورة المطالب وتكوين جبهة موسعة بسبب الخلافات السياسية.

من الناحية الإنسانية الأزمة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من "فترات الحرب" فالجوع الذي كان تحذيرًا أمميًا أصبح واقعًا، كما أن العائلات التي نزحت إلى الولايات لم تعد قادرة على سداد إيجار المنازل الذي تجاوز مليون جنيه سوداني، كما أن انعدام اليقين لديهم بشأن نهاية هذه المأساة يتزايد يومًا بعد يوم.

لا يمكن التكهن بنهاية حرب المدن التي اشتعلت في العاصمة الخرطوم وبعض المدن

ولا يمكن التكهن بنهاية حرب المدن التي اشتعلت في العاصمة الخرطوم وبعض المدن، وذلك على العكس من الحروب التي استعرت في السودان من قبل، لعوامل فنية وعسكرية قد تحول دون إنهائها في فترة وجيزة.

لم يبذل المجتمع الدولي المطلوب منه لإنهاء القتال، وتتكالب الأزمات على السودانيين بشكل غير مسبوق وسط مؤشرات الانقسام وتفكك السودان، الأمر الذي قد يصبح واقعًا يومًا ما، فالحسابات تتبدل مع تمدد الحرب بالتنازل عن الوحدة لصالح "استقرار متوهم"، كما إن قواعد اللعبة العسكرية قد تتغير في أي لحظة، في بلد متعدد الأزمات ويواجه تعقيدات تحطم جميع الحلول الممكنة.

https://t.me/ultrasudan

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert