سياسة

الثورة السودانية.. طبقة قديمة تُعرقل طموحات أجيال صاعدة

8 أغسطس 2022
Sudan-1.jpg
لم تنقطع الاحتجاجات الشبابية على الرغم من حملة القمع التي أسفرت عن العشرات من الشهداء (AFP)
محمد حلفاويصحفي سوداني

بدأ الصباح كعادته بالذهاب إلى متجر لشراء عُلبة "البسكويت" لشرب الشاي، وهي عادة محببة عند السودانيين تزايدت وسط الأجيال الناشئة نتيجة تنوع عرض المصانع المحلية وحتى المنتجات المستوردة.

بالنسبة للأجيال الناشئة والتي ترعرعت لبعض الوقت تحت "قبضة نظام البشير البائد"، لا تعنيهم الأسئلة عن اقتصاد السوق والنيوليبرالية أو الاشتراكية المدعومة من المجموعات اليسارية بقدر رغبتهم في "بلاد تشبه أحلامهم".

فشل حمدوك في تحويل "الدعم السخي" للجان المقاومة إلى كرت سياسي لسحق طموحات العسكريين في السلطة

أحمد الذي يبلغ من العمر (22) عامًا ويقيم بشرق العاصمة السودانية الخرطوم، يتابع جميع التقليعات الحديثة مثل اعتمار القبعة المميزة للشباب، أو الذهاب إلى صالون الحلاقة وطلب قصة شعر عصرية ضمن أنماط للسلوك والمظهر لطالما واجهها رجال الدين المتشددين بالانتقادات وإطلاق أوصاف متعددة بحق هؤلاء الفتيان من منابرهم بالمساجد ومؤخرًا مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.

عندما جاءت ثورة ديسمبر كان العديد من هؤلاء الفتيان بعيدين نسبيًا عن  التفاصيل السياسية للبلاد أو حتى مجرد التفكير في الإطاحة بنظام البشير، لكن على ما يبدو فإن مجزرة القيادة العامة في الثالث من حزيران/يونيو 2019 شكلت وجدانهم السياسي وباتوا في الصفوف الأولى لمقاومة الحكم العسكري في البلاد.

حينما انقشع غبار التخلص من البشير كان يتعين على هذه الأجيال العمل جنبًا إلى جنب مع "طلائع الثورة" على مقاومة النظام العسكري الذي طرح نفسه وقتها بديلًا سياسيًا لنظام المؤتمر الوطني.

وقد تكون هناك "حالة إنكار" في أوساط الأجيال السابقة لطموحات هؤلاء الفتيان الذين يتركزون في أحياء العاصمة والمدن الكبيرة والمراكز الحضرية في البلاد، حيث يحلم الشباب بإحداث تغييرات جذرية في بلادهم، وهذا الصراع مكتوم، لكنه يصعد إلى السطح كلما اقتربت مطالبهم من تحقيق نصر ولو مؤقت.

ربما لم تشعر الأجيال السابقة بـ"الحزن العميق" جراء مجزرة القيادة العامة التي مزقت قلوب هؤلاء الفتيان حيث فقدوا فيها زملاءهم ورفاقهم بالإضافة لآمالهم المعقودة على الثورة المنتصرة للتو، ومنذ ذلك الوقت يضع سياسيون كوابح أمام طموحات هؤلاء الشبان والفتيات بطرح أنفسهم "حاضنة سياسية" لشكل الحكم والسلطة القديم المتجدد في السودان.

مراسل "الترا سودان" طرح سؤالًا على أحمد الذي يشارك في الاحتجاجات بانتظام من حي أركويت شرق العاصمة عن رؤيته حول الثورة ومطالبها، ليجيب بأن اليأس لا يعرف طريقًا إليهم قائلًا إنهم ليسوا على عجالة لتحقيق المطالب. وكان من المفاجئ كيف أن هذا الفتى لا يكترث لصعوبة مقاومة ترسانة عسكرية مسلحة ومدربة تقف في طريقهم للوصول إلى القصر الرئاسي الذي أصبح وجهة الاحتجاجات الشبابية المفضلة والعصية في الآونة الأخيرة.

https://t.me/ultrasudan

  يمكن تسمية العلاقة بين الأجيال الصاعدة حديثًا والتي تقود الحراك السلمي الطامح لدولة جديدة وبين الأجيال السابقة بـ"البون الشاسع"، لجهة عدم وجود أرضية مشتركة بين هذين الفريقين.

من تحميل الفيديوهات على منصة الـ"تيك توك" إلى نشر الصور على "إنستغرام" وحتى إنتاج مقاطع فيديو قصيرة من التظاهرات إلى العزف على "الجيتار"، جميع هذه الوسائل مُستخدمة بين الأجيال المناوئة للعسكريين، بينما تجلس الأجيال التي عاصرت ثلاثة انقلابات عسكرية ونظامًا عسكريًا آيديولوجيًا بزعامة البشير لفترة ثلاثين عامًا على "تلال" هذه الفترات فقط.

وكثيرًا ما جاهر خطباء المساجد برفضهم للأنماط الحديثة لهؤلاء الشبان، في "حرب كلامية" بين بعض رجال الدين والأجيال الصاعدة حديثًا في السودان، ولكن بالنسبة للأسواق الجديدة فإن هذه الأجيال تعتبر أرضًا خصبة لمنتاجتها الحديثة، والمفارقة أن نفس هذه  الأسواق تعد قبلة لرجال الدين أيضًا لاقتناء الهواتف النقالة الذكية والسيارات الحديثة.

في فترة حكومة عبد الله حمدوك التي أطاح بها قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي كانت المطالب الرئيسية للحركات الشبابية الصاعدة حديثًا تحقيق العدالة للشهداء الذين قتلوا في فض اعتصام القيادة العامة وشهور ما قبل الإطاحة بنظام البشير، ورغم "الدعم السخي" من هؤلاء الفتيان والفتيات للحكومة المدنية برئاسة المسؤول السابق في منظمات الأمم المتحدة السابق عبد الله حمدوك، لكن الأخير لم يتمكن من تحويل هذا الدعم إلى "كرت سياسي لسحق طموحات العسكريين".

من خلال هذا السياق يمكننا أن نفهم أن مطالب الشباب لم تكن ذات صبغة سياسية بقدر ما هي مطالب مباشرة تتمثل في العدالة، بالتالي يصبح "إجراء تفاهمات" بين هذه المجموعات الشبابية والطبقة السياسية التي يسيطر عليها زعماء تقليديون وأبناء الطوائف ورجال الدين وملاك الشركات ورجال الأعمال "ضربًا من المستحيل".

وحتى إذا سعى السياسيون لعملية "تجسير الهوة" بين الحركات الشبابية من لجان المقاومة التي عمادها آلاف الشبان والفتيات، فإن هذا الأمر صعب التحقق في ظل عدم رغبة "الطبقة القديمة" في استيعاب تطلعات هذه الحركات المدنية الصاعدة بقوة إلى الملعب السياسي لتفرض معادلة جديدة جعلت الطبقة السياسية والعسكريين يفشلون في تكوين حكومة جديدة لتسعة أشهر منذ الانقلاب استمرت فيها الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني في السودان، والتي قدم فيها الشباب العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والمصابين والمفقودين في حملة القمع المصاحبة التي أطلقتها السلطات عقب الانقلاب.

إذا سعى السياسيون لتجسير الهوة مع لجان المقاومة لا يمكن وضعها في إطار الطبقة القديمة  

من يتظاهرون في الحراك السلمي المستمر منذ ثلاث سنوات في السودان لا ينتمون إلى طبقة اقتصادية واحدة بل هم أشبه بـ"الأخوية" في نوع الترابط بينهم، وفي ذات الوقت لا يطرحون "رؤية سياسية أحادية" بل يطلبون العدالة وتأسيس دولة جديدة تستوعب طموحاتهم.

على الجانب الآخر يود الزعماء الأهليون ورجال الأعمال والطبقة العسكرية وكبار الضباط المتقاعدين وبعض الأحزاب السياسية المضي قدمًا في إعادة إنتاج الدولة القديمة بأزماتها، وبين المعسكرين في "صراع أبدي" في السودان لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.

الكلمات المفتاحية

oil_sudan.jpg

جنوب السودان.. مأزق قطرة النفط وصراع السلطة الحاكمة

يقول باحث سياسي إن السودان، أحد ضامني اتفاق السلام في جنوب السودان، لم يعد قادرًا على لعب دور جديد؛ لأنه غارق في صراع مسلح


قاعة كنياتا التي استضافت اجتماعات قوات الدعم السريع.jpg

الحكومة الموازية.. توسع دائرة الرفض الإقليمي والدولي

اصطدمت فكرة الحكومة الموازية التي تنوي قوات الدعم السريع، إعلانها في مناطق سيطرتها بموجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، وعد الأمر بأنه نواة لتقسيم السودان، فيمَا وقفت دول أخرى موقف الحياد.


جنود كولومبيون.jpg

صحيفة كولومبية تروي تفاصيل رحلات المرتزقة من أبوظبي إلى الفاشر

وصف جنود كولومبيون كانوا يشاركون كمرتزقة في حرب السودان، في صفوف الدعم السريع، النزاع الدائر بالجحيم الممتلئ بالطائرات المسيّرة وقذائف الهاون


من غلاف كتاب أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.jpg

أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان.. كتاب جديد يرصد وقائع سقوط الإنقاذ

يقفز الكاتب عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه "أسباب سقوط حكم الإسلاميين في السودان"، إلى رصد المواقف السياسية لقيادات الصف الأول في الحاءات الثلاث: حكومة، وحزب، وحركة

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert