الاعتداء على ندوة "قحت".. تفاصيل ومعنى ما حدث

حالة من الهرج سادت ميدان الرابطة في شمبات بمدينة بحري، مساء أمس الجمعة. بعد إطلاق مجموعة مجهولة لعبوات الغاز المسيل للدموع على الجماهير. وجاءت الحادثة عقب بدء ندوة لقوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي.

وأصدرت قوى الحرية والتغيير بيانًا اطلع "الترا سودان" عليه، اتهمت فيه جماعات تنتمي لـ"الانقلابيين" بالهجوم، وأدانت الاعتداء على الجماهير وأجهزة الإعلام بالقنابل المسيلة للدموع "البمبان"، وتحطيم المعدات وترويع جماهير الندوة.

بعد عامين في السلطة استنشقت قوى الحرية والتغيير "البمبان" بالأمس؛ فماذا حدث؟ وما الدلالات السياسية لذلك؟

وكان من المتوقع أن يتحدث في الندوة المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء ياسر عرمان، وعضو لجنة إزالة التمكين السابق محمد الفكي سليمان، والوزير السابق خالد عمر يوسف. 

بعد عامين في السلطة، استنشقت قوى الحرية والتغيير البمبان بالأمس، فماذا حدث؟ وما الدلالات السياسية خلف ندوة الجمعة؟ أسئلة مختلفة نناقشها في المساحة التالية.

خطوة مهمة

وكان وزير شؤون مجلس الوزراء والقيادي بالحرية والتغيير خالد عمر يوسف، تقدم باعتذار للشعب السوداني عن أي تقصير تخلل الفترة الانتقالية قبل أحداث 25 تشرين الثاني/نوفمبر. وغرد قائلًا عقب أحداث ندوة الجمعة "سواء اعتدوا علينا بالبمبان أو الرصاص، لن يخرسوا ألسنتنا طالما فينا قلب ينبض، سنهزم الانقلاب وسيسترد الشعب حريته".

معمر موسى: الشارع يحتاج لعمل سياسي يترجم الشعارات الثورية إلى أرض الواقع

ووصف عضو تيار المستقبل معمر موسى، تعليق خالد عمر بالخطوة المهمة. وعلل بأن الاعتذار جاء بعد تجربة عامين في السلطة، مضيفًا أن قوى الحرية والتغيير تعبر عن قوى سياسية واجتماعية جاءت بها لموقع السلطة، وقال "الاعتذار ثقافة مفقودة في أدبيات العمل السياسي السوداني".

ويقرأ موسى ندوة الجمعة، بأنها استئناف لنشاط قوى الحرية والتغيير، مؤكدًا أن الشارع يعج بالشعارات، في وقتٍ يحتاج فيه الشارع لعمل سياسي يترجم الشعارات الثورية إلى أرض الواقع. ويضيف: "يتطلب الاحتجاج ترجمة للغة قابلة للنقاش والتداول، بدلًا عن تحويل الفضاء العام لحلول أمنية وهتافات"، على حد قوله.

اقرأ/ي أيضًا: قوى الحرية والتغيير تتهم "الانقلابيين" بالهجوم على ندوتها

وجدد موسى دعمه لندوة قوى الحرية والتغيير بقوله، إن المنتظر هو طرح رؤية عملية تترجم لإجراءات سياسية، تكون بديلة عن حالة استنزاف الجماهير. ودلل على حديثه بإن المظاهرات والاحتجاجات يمكن أن تتحول إلى أحداث مكررة.

دعوة للمراجعة

في السياق، لا ينظر الصحفي السوداني عباس محمد، لأحداث ندوة قوى الحرية والتغيير بعيدًا عن المحاولات المستمرة لتجريف الحياة السياسية. وبين قائلًا في حديث لـ"الترا سودان": "استخدم أكثر من تكتيك للهجوم عبر شبكات التواصل الاجتماعي على القوى السياسية وشيطنتها، ومحاولة فصلها عن المجتمع، وصولًا إلى العنف المباشر الأخير". وأوضح محمد أن التكتيكات تجيء ضمن مخطط الانقلاب العسكري. واصفًا إياه باستنساخ للتجربة المصرية.

صحفي سوداني: الكتل الشبابية تخوض صراع إصلاحي مرتكز على كفاح الثوار ولجان المقاومة في المدن والأرياف

وبحسب الصحفي السياسي عباس محمد، فإن الواقع السوداني مغاير، لأن الحركة السياسية عميقة، ما يجعل الانقلاب بلا سيقان. ودعا لمراجعة تجربة أكبر تحالف سياسي في السودان، وقال: "المراجعة مطلوبة وهي موقف مجمع عليه داخل هذه القوى"، ونبه في ذات الوقت لمواقف مجموعات وأفراد مرتبطين بالانقلاب، ومتدثرين برداء الثورة، من تحويل دعوات المراجعة لمقصلة لتفريغ الحياة السياسية. وطرح سؤالًا حول من يبذل كل هذا الجهد؟ وأجاب "تمكين للانقلاب". 

وأردف محمد: "الحرية والتغيير والمجموعات المصطفة في معسكر التحول المدني الديمقراطي المضاد للانقلاب، لديها قابلية للتعلم"، موضحًا أن الكتل الشبابية تخوض صراعًا إصلاحيًا يرتكز على كفاح الثوار ولجان المقاومة في المدن والأرياف. داعيًا هذه المجموعات للانتباه لمن يقف بجانب الثورة ويعمل على بذر التفرقة، يقول عباس: "أنبه للتحرك لمربع مواجهة خطاب شيطنة الأحزاب وفضحه دون تردد".

انقلاب قديم

وبعد عامين من الحكم، عادت قوى الحرية والتغيير لمخاطبة الشارع جماهيريًا. وينظر كثير من الخبراء للحادثة بأنها عودة للحاضنة الأصلية وهي جماهير الشعب السوداني، في حين تعالت الأصوات التي تطالب قوى الحرية والتغيير بتقديم نقد ذاتي وموضوعي خلال فترة الحكم السابقة، للخروج بنتائج تسهم في الارتقاء بتجربة أكبر تحالف سياسي مرَ على التاريخ السوداني.

قانوني: قوى الحرية والتغيير تباطأت في إزالة الدولة العميقة

من جانبه، يقول القانوني والمدافع عن حقوق الإنسان المعز حضرة، إن قوى الحرية والتغيير لا بد لها من العودة للشارع، لأن العمل السياسي لا يتم في المكاتب المغلقة. وتابع بأن الشارع هو من يحدد مسارات العمل ويحتكم بأمره أكبر تحالف سياسي في السودان. مبينًا أهمية مراجعة ونقد تجربة قوى الحرية والتغيير وتبيان الإيجابيات والسلبيات.

اقرأ/ي أيضًا: والدة الشهيد "جوية" تروي التفاصيل الأخيرة قبل وفاته

ومضى حضرة بالقول: "الجانب الأكبر من تاريخ الأحزاب السياسية انقضى في المعارضة، لأن (82)% من تاريخ السودان كان حكمًا ديكتاتوريًا". 

وبحسب حضرة، فإن قوى الحرية والتغيير تباطأت في إزالة الدولة العميقة. يقول لـ"الترا سودان" الانقلاب يعد حدثًا قديمًا، بدأ قبيل فض الاعتصام عبر تعطيل التفاوض والاجتماعات، وما حدث في 25 تشرين الثاني/نوفمبر مرحلة أخيرة من الانقلاب".

حالة إنكار للواقع

وجدير بالذكر أن ندوة قوى الحرية والتغيير جاءت قبيل يومين من الدعوة لمليونية 19 كانون الأول/ديسمبر. فما الرسائل التي كانت قوى الحرية والتغيير تحملها للجماهير ولم تنجح في إيصالها؟ يجيب المحلل السياسي عبدالرحمن أبوخريص، في الإفادة التالية ويقرأ الدلالات السياسية للندوة.

يشير أبوخريص لأن قوى الحرية والتغيير بعد فقدان السلطة لجأت للشارع لإيصال رسالتها، بعد فقدان المنابر. وذكر بالبرامج التلفزيونية للجنة إزالة التمكين الأسبوعية، قال: "كان منبرًا لإدارة الرأي العام". وأوضح إنها بعد فقدان كثير من الصلاحيات، فإن قوى الحرية والتغيير في حاجة لتغيير السلطة لصالحها.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الخارجية الروسي: روسيا تؤيد الاتفاق السياسي

ونبه لانتقاء الزمان والمكان، قائلًا "كان يمكن أن تقام الندوة بميدان الخليفة، أو أي مكان آخر" وعلل اختيار ميدان الرابطة بشمبات بمدينة بحري لحشد الجماهير، ولفت النظر الدولي لمليونية 19 كانون الأول/ ديسمبر. كما يقول عبدالرحمن أبوخريص.

محلل سياسي:  قوى الحرية والتغيير لم تنجح في قراءة الوضع الداخلي

إذن هل نجحت مساعي قوى الحرية والتغيير؟ وفقًا لأبوخريص فإن قوى الحرية والتغيير لم تنجح في قراءة الوضع الداخلي، بالإضافة لغياب الوضوح والشفافية عن وجود انشقاقات داخلها، تزامنا مع صعود الخلافات الداخلية.

وأشار أبوخريص للاحتجاجات الأخيرة حيث كان الهتاف يعلو ضد قوى الحرية والتغيير "قحاتة باعو الدم" ولا يبرئ أبوخريص الأجهزة الأمنية من مسؤولية إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع "البمبان" إلا إنه يعود ويقول إن على قوى الحرية والتغيير أن تبحث عن المعارضين داخلها ومن ثم تنظر للأعداء من الخارج.

من المؤكد إن حادثة إطلاق البمبان على ندوة قوى الحرية والتغيير لها ما بعدها، وبحسب متابعين فالعنف لايولد إلا العنف. فهل تنجح قوى الحرية في تقديم نقد لتجربة الحكم، ومواكبة نبض الشارع، الذي ظل متفوقا ومتقدما بخطوات على القوى السياسية.

اقرأ/ي أيضًا

البرهان يشدد على ميثاق للتوافق يضم كل الطيف السياسي ما عدا المؤتمر الوطني

قصي همرور: الحشد وحده لا يكفي لتحقيق مكاسب للثورة