رأي

مرحبًا بك أيتها العصور الهمجية.. لقد وصلنا

16 مارس 2016
GettyImages-513974816.jpg
جنازة حسن البشير 2016 (Getty)
محفوظ بشرى
محفوظ بشرىكاتب وصحفي من السودان

لم أجد لنفسي، رغم المحاولة، رغبة في مجاراة النقاش الدائر في مواقع التواصل الاجتماعي، حول أخبار يختلط خيالها بواقعها، عن التشهير علنًا بمتهم باغتصاب طفلة في السابعة. قبلها انطفأ اهتمامي، فجأة، بموت زعيم الإسلاميين وعرَّابهم، حسن الترابي، في الخامس من هذا الشهر. 

موت الترابي أشبه بإزاحة ستارٍ عن أن التسامح السوداني في حضور الموت، يكاد يموت

ثمة حدَّة لم أعد أحتمل أشواكها، تنبتُ حين تداول المواضيع، وتغري بمزيد من التطرف مِنِّي إن لم أتروَّ. أنا متطرف، أعترف، مثما يتطرف أكثر مناقشي موت الترابي، سعيدهم وحزينهم وشامتهم، ومؤيدو ومعارضو التشهير بمتَّهم لم تدنه المحكمة بعد.

اقرأ/ي أيضًا: أن تكون عربيًا في السودان

ما قرأته من الحدثين، لا يدعو إلى التفاؤل. لا اتفاق على مشترك إنساني بين "نخبة" السودانيين، كما لا يبدو أن مقولات الحقوق "النظريَّة" ثبَّتت أوتادها جيدًا في رمال الوعي الجمعي "إن وجد" لشريحة المتواصلين إلكترونيًا، العريضة، في السودان. ففي حين تجد البعض ينظر إلى السياق القانوني ووجوب احترامه؛ نرى آخرين تجرفهم العاطفة وتدفعهم للقفز خارج حظيرة التعقّل، من وجهة نظري.

قبل يومين، في حفل تكريمه، وصف المفكر والسياسي السوداني، منصور خالد، الساسة السودانيين، بمن فيهم شخصه، بأنهم "مستهبلين". حسنًا، لديَّ رغبة جامحة لإسقاط الوصف نفسه علينا، نحن المتصدين لقضايا حقوق الإنسان النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأضيف إليه وصف الانزلاق إلى "اللا تعقل"، خلا قلّة تعرف كيف تزن مواقفها بين تغليبها الخير العام وكيفية تحقيقه. هذا ليس "جلد ذات"، ولا حفرًا وراء الدفين من المثالب التي تناقض الأقنعة اللامعة فوق وجوه كثيرين، بل هو إرجاعُ نظرٍ، وإن كان يشوبه التشويش، في حالٍ تُنذر بالسقوط في الظلام. 

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. هي هجرة أخرى

إن كان موت الترابي أشبه بإزاحة ستارٍ عن غبن حمله الكثيرون للرجل، فشمتوا وذكَّروا الباكين بقتلى ومعذبين وضعوا وزرهم على الرجل؛ فإنه أرانا، أيضًا، أن التسامح السوداني الأسطوري الأعمى في حضور الموت، يكاد يموت. رأينا كيف استل الكثيرون خناجرهم وكيف تمايزت صفوفهم. بل حتى الأصوات التي حاولت التساند على إرث سوداني في الترحم على الرجل أو إيكال أمره إلى ربه، نالها شيء من العاصفة.

إن المشكلة ليست في الإسلاميين، فهم لم يأتونا من كوكب زحل!

بإمكاني اختيار الطريق السهل، وإلقاء اللوم كله في التحولات التي تضربنا على الإسلاميين وحكمهم، واستبطان أن كل شيء قبل مجيئهم كان نقيضًا لحاله اليوم. لكن لن أفعل هذا. بل سأقول، من جديد، إن المشكلة ليست في الإسلاميين، فهم لم يأتونا من كوكب زحل! هناك "وحش" ما يسكن الإنسان فينا، كلما مرت السنوات وتغيرت معادلات اللعبة، تصبح قدرتنا على ضبطه أضعف. إن ما تريني إياه سلسلة طويلة من ردود الأفعال تجاه أحداث، وإن كانت متباعدة، هو أننا ننجرُّ بسرعة أكبر باتجاه ذواتنا "النيجاتيف". يمكننا التعثر كل يوم بالعنصرية، "الدَّرْوَشة"، النفاق، الشوفينية... إلخ، فهل توقفنا ونفضنا عنا بعض غبارها؟

إن تعليق الشاعر المغيرة حسين، الموضوع عنوانًا لهذا المقال "مرحبًا بك أيتها العصور الهمجية.. لقد وصلنا"؛ يتراءى لي كنبوءة، هذا إن افترضنا أنني مثل الغالبية، أؤمن بأننا كنا أفضل حالًا، نفسيًا، من قبل، وليس فقط أننا كنا نغطي القبح فينا بأغطية كثيفة تساقطت آناء ركضنا، رفقة الحياة، إلى المستقبل.

في النهاية، دعونا لا ننسى أن هذا مقال رأي، وأنني أول المتمنين أن لا يكون شيء مما فيه حقيقة، إذ حينها سنكون وصلنا، حقًا. 

اقرأ/ي أيضًا:

أكتوبر 1964.. حين فشلت ثورة السودان

أقباط السودان.. تعايش حذر

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert