الفن السوداني في مواجهة العنف.. جسر للتنوع ومكافحة خطاب الكراهية
13 فبراير 2025
أخطر ما تواجهه الحياة الاجتماعية في السودان هذه الفترة، وربما الفترات القادمة، هو خطاب الكراهية والعنف الذي غمر وسائط التواصل الاجتماعي كنتيجة حتمية لحالة الاصطفاف خلف حرب 15 أبريل، والتي قسمت السودانيين إلى قسمين: مناصرين للجيش والدولة، ومناصرين لقوات الدعم السريع، وبينهما يحاول البعض الإمساك بخيط حياد مستحيل، لأن حالة الاستقطاب الحادة لا تترك مكانًا لمحايد، وقسوة ما تفعله الحرب في نفوس الناس لا تستبقي مكانًا للرحمة والغفران.
في هذه اللحظة الفارقة من عمر السودان، تتجه القلوب والأنظار إلى الفن والفنانين: ماذا يمكنهم أن يفعلوا لمكافحة خطاب الكراهية والعنف؟
في هذه اللحظة الفارقة من عمر السودان، تتجه القلوب والأنظار إلى الفن والفنانين: ماذا يمكنهم أن يفعلوا لمكافحة خطاب الكراهية والعنف؟ وكيف يستطيع الفن أن يقلل من حجم القسوة ويكبح جماح التطرف في كراهية الآخر والرغبة في محوه؟ الآخر الذي كان حتى الأمس أخًا، صديقًا، جارًا، زميلًا، فإذا به عدوٌ حميم.
مكافحة خطاب الكراهية
الفنان التشكيلي والكاتب تاج السر الملك يذهب في حديثه لـ"الترا سودان" إلى التأكيد على دور الفنانين في مكافحة خطاب الكراهية والعنف، قائلًا: "أنا دائمًا ما أستشهد بحركة الحقوق المدنية الأميركية، فالفنانون لهم قصب السبق في تذويب الحواجز الاجتماعية والفوارق الطبقية ونبذ العنف، بصورة فعالة أكثر من السياسيين، لأن الفنان يدخل القلوب والوجدان، ويصبح منتجًا عائليًا لكل فئات المجتمع، يصبح مُلكًا للجميع مما يسهل عليه إيصال رسالته الإنسانية".
الموسيقي عماد الدين محيي بدا محبطًا وهو يقول لـ"الترا سودان" إنه يفكِّر في سؤال دور الفن تارةً، ويذهب إلى ذلك الفيديو الذي يعذِّب فيه أحد المسلحين صديقة والدته، ثم ينظر إلى السؤال مرة أخرى، ولا يجد إجابة تكفي للرد على هذا.
من جانبه، يقول أستاذ الدراما بقصر الشباب والأطفال، الممثل والكاتب والفنان الكبير عبدالرحيم قرني: "على الدوام كان الفنانون السودانيون فاعلين في كل الحراك الاجتماعي، منذ وجود الدولة السودانية، وكافحوا منذ الاستعمار، وكفاحهم ما زال مستمرًا في الحصول على الحقوق الأساسية: الحرية والديمقراطية والإخاء ووحدة الوطن. كل الثورات التي قامت في السودان وهدفت إلى إنجاز هذه الآمال كان يقودها الفنانون السودانيون".
عبدالمجيد عفيفي: في الراهن السوداني، يمكن للفن أن يعمل على التخفيف من آثار النزوح واللجوء، مع محاولة تقديم عمل إنساني يقطع الطريق على ترند الكراهية الذي يحاول السيطرة على الفضاء الإسفيري
ويضيف: في فترة الاستعمار، ظل الفنانون السودانيون في كل ضروب الإبداع يقودون مواكب التحرير، مثل بابكر بدري، العطبراوي، خليل فرح، الذي قدم أعمالًا عظيمة ظلت خالدة، لدرجة أنه حتى ثورة ديسمبر كان حداءها الأساسي من أعماله "عزة في هواك". كما قدم عدد كبير من الفنانين، مثل محمد وردي، محمد الأمين، عقد الجلاد، أغنيات دافعة. كنت أقول للشباب إن عزة في هواك التي يتم التغني بها في الاعتصام لها أكثر من مائة عام، وهذا يؤكد أن الفنان السوداني له رؤية ثاقبة ومتجاوزة.
تجسير سؤال التنوع
يقول الفنان التشكيلي عبدالمجيد عفيفي لـ"الترا سودان": "إن الفن عمومًا يعمل ضد الكراهية في خطابه الطبيعي، وتحديدًا الفنون التشكيلية التي تستفيد من التنوع. في الراهن السوداني، يمكن للفن أن يعمل على التخفيف من آثار النزوح واللجوء، مع محاولة تقديم عمل إنساني يقطع الطريق على تريند الكراهية الذي يحاول السيطرة على الفضاء الإسفيري. فقط بانحياز الإعلام، يمكن للفنون أن تجسِّر سؤال التنوع وتتخطى به خطاب الكراهية".
يواصل الأستاذ محمد عبدالرحيم قرني تأكيده على الدور المتعاظم للفن والفنانين بقوله: "يستطيع الفنان أن يفعل الكثير، ولطالما قلت إن الفنان السوداني هو حائط الصد الأول لكل الإكراهات. هناك أمثلة كثيرة لذلك، ولم يتنازل الفنانون عن هذا الدور، بل هي راية يسلمها الجيل القديم للجيل الجديد. الآن نستعد لتسليم هذه الراية التي تحمل الكثير من المضامين، أهمها وحدة الوطن، والعيش الكريم، والمساواة".
ويضيف: "أعتقد أن هذا دور مهم لم يتوقف حتى أثناء الحرب، فستجد أن مجموعة كبيرة من الفنانين، دراميين ومغنين ومسرحيين، ظلوا يقدمون أعمالهم، حتى في مناطق إيواء النازحين".
يستدرك قرني قائلًا: "بل إننا نشهد الآن صحوة على مستوى السينما، التي غابت طويلًا، عبر عدد من الأعمال السينمائية السودانية التي تعالج قضايا سودانية، مثل فيلم ستموت في العشرين، وجاء بعده فيلم وداعًا جوليا، وحتى بالأمس القريب شهدنا في مهرجان الأقصر فيلم جوابات، وهو إنتاج سوداني. إضافة إلى عدد من الورش التدريبية التي تُقام في مصر والخليج، وفي داخل السودان ينتشر عدد كبير من الفنانين السودانيين يقدمون أعمالهم للجمهور عامةً وللنازحين خصوصًا في دور الإيواء. هذا دور كبير يعضد قولنا إن الفنان السوداني ظل دومًا على الموعد".
يستدعي المسرحي المخضرم وأستاذ الدراما محمد عبدالرحيم قرني شواهده على دور الفن السوداني كونه مناصرًا للوحدة
وفي السياق، يستدعي المسرحي المخضرم وأستاذ الدراما محمد عبدالرحيم قرني شواهده على دور الفن السوداني كونه مناصرًا للوحدة، قائلًا: "أذكر تلك المسرحية التي قُدمت في ثلاثينيت القرن المنصرم، التي كتبها الشاعر الكبير إبراهيم العبادي بعنوان المك نمر، وكان المقصود بها وحدة الوطن، حيث ورد فيها:
جعلي وشايقي إيه فايداني
غير أسباب خلاف خلت أخوي عاداني
خلّوا نبانا يسري مع البعيد والداني
يكفي النيل أبونا والجنس سوداني
هذه المقولة كانت خطيرة جدًا في ذلك الوقت، ودفعت الإنجليز للانتباه إلى هذه القوة الدرامية. هذه الجملة العميقة تقدم رسالة قد يعجز السياسي عن تقديمها.
هذه المسرحية تم الطواف بها في السودان ووصلت إلى الكثير من المواطنين وأحدثت قدرًا كبيرًا من التماسك وصوبت مقاصد هذا العمل نحو الوحدة، مؤكدة أن القبلية لا تنفع. كان هذا العمل يكتب لصالح الفنان السوداني ووعيه المتجاوز وتركيزه على القضايا الأساسية.
ولا ننسى أن الشيخ بابكر بدري هو أيضًا الذي نادى بتعليم المرأة وكافح طوال عمره (94 عامًا) ليبني مدرسة للبنات في رفاعة، من مدرسة صغيرة إلى أن وصلت إلى جامعة الأحفاد الآن. هذا أيضًا من المفاهيم الاستراتيجية.
الفنان السوداني لديه مقدرة على العمل والبناء، ولديه رؤية ثاقبة منذ وقت مبكر، وهذه نماذج بسيطة. وإذا نظرت إلى الأغاني، حتى أغاني الحقيبة. ومن ثم جاء فنانون طوروا هذه المفاهيم وحدثوها.
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.