رأي

الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول

8 September 2016
الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول.jpg
رجال من جنوب السودان يرقصون ويغنون Photo credit should read ROBERTO SCHMIDT/AFP/Getty Images
محفوظ بشرى
محفوظ بشرىكاتب وصحفي من السودان

التراث الغنائي السوداني غني وثري حتى لا يكاد يُسبر، ولا أظن أحدًا يستطيع الادعاء أنه سمع كل الأغنيات. لكن الخصيصة الأبرز في الأغنية السائدة، هي أن الغناء ذكوري بامتياز، وحُصرت المرأة المغنية في أدوار أخرى مثل الحماسة، المناحة "الرثاء"، إلا أن ما يُسمى بالغناء الحديث، ما يعرف بأغنية أم درمان تحديدًا، وبناتها اللاتي أنجبتهن؛ ذكوري يتحدث دائمًا عن "حبيبة" يتغزل فيها المغني، أو يشكو هجرها، أو يطلب وصالها... إلخ.

هناك ما أسميه "غناء الأطراف"، والذي يكاد يكون حصرًا على المغنيات النساء، اللاتي يَعبُرنَ بجرأة تامة إلى الغزل في الذكور. لكن ثمة ميل اجتماعي إلى اعتباره غناء "هابطًا"

ما الأثر الواقع على النساء من كون أكثر الغناء يجعل المرأة موضوعًا؟ في الحافلة وأنا أستمع لأغنية محمد ود الرضي (1884-1982)، "أنا في التمني"، وهي من أغنيات "الحقيبة"؛ عظم وهيكل وأساس أغنية الوسط الحديثة في السودان؛ ويصف فيها ود الرضي مقاييس جمال المحبوبة الفيزيائية؛ نظرت حولي إلى المنصتات، محاولًا قراءة إجابة لتساؤلي: هل يا ترى تقيس كل واحدة منهن مكانها بين الأخريات بمدى ما حصدته من ميزات تعددها الأغنية؟ ثم أين غناء وغزل المغنيات في الرجال؟ حسنًا، هذا صعب بالتأكيد، فالسودانيون محافظون تقليديون كما يقال، ولو جرؤت إحداهن على التشبيب بحبيبها، لعد ذلك "قلة أدب" اجتماعية، بينما يعتبر تشبيب الرجل المغني، فنًا مُطربًا مسموحًا به.

اقرأ/ي أيضًا: صباح سنهوري: ستغمر المحبة العالم

هناك مغنيات بالطبع، لكن الغالب على ما يغنينه هو الغزل في "المحبوبة"، لكون شاعر الأغنية رجلًا، أما حين يغنين عن الرجال فإنهن يلتزمن المحاذير الاجتماعية، فلا يذكرن اسم الرجل، بل يشرن إليه ضمنًا، ويكون الغناء عنه "مدحًا" بصفات الجود والكرم وغيرها من معايير الرجولة التقليدية، أكثر من كونه غزلًا. أما خارج أغنية الوسط المسيطرة، فيمكننا أن نجد في المجتمعات السودانية الأكثر انفتاحًا، تشبيبًا صريحًا بالمحبوب الذكر، ولنأخذ أغنية "أندريا" مثلًا التي كتبتها شاعرة ريفية "حكَّامة" من بادية كردفان. لكن في الوسط، ظل المغنون يعدون "صعاليك وقليلي تربية"، فما بالك بالمغنيات؟

أيضًا، هناك ما أسميه "غناء الأطراف"، الذي يكاد يكون حصرًا على المغنيات النساء، اللاتي يَعبُرنَ بجرأة تامة إلى الغزل في الذكور. لكن ثمة ميل اجتماعي إلى اعتباره غناء "هابطًا" على الرغم من أنه تعبير غير متكلِّف عن الحياة العاطفية في أطراف المدينة، ببساطة لا تأبه للمعايير الرسمية. هو وجه لثقافة منتشرة إلا أنها غير مسموح بها، ولا تنال اعترافًا تامًا، إلا أن ثمة منافذ أخرى تتنفس منها، أوسعها "اليوتيوب" وحفلات "الحناء" النسائية، حتى في قلب المدينة.

وبالعودة إلى رد الفعل النفسي لدى النساء حين سماعهن الغزل المغنَّى في بنات جنسهن؛ لا يزال ينتابني الفضول كلما رأيت إحداهن طربةً لأغنية، إن كانت من مغنٍّ أم مغنية، وأنا أخمِّن أن تأثير هذه الأغاني قد يتجاوز تشكيله لجانب كبير من "ثقافة الأنوثة"؛ إلى كونه حقلًا للحرث من قبل "النسوية"، إذ لا يمكنني إلا التفكير كثيرًا في نوع القيود التي تضعها مثل هذه الثقافة على نحت الأنثى لمسارات حياتها.

هل الغزل الكثيف في المرأة مغنىً ومسموعًا منها، يشتغل في بعض تمثلاته على حبسها في قالب الجمال الذكوري المحض؟ بالنسبة إليَّ الإجابة نعم. إن الأغنيات نموذج يستمد قوة من تعبيره عن حالات مشتركة تصيب الجميع، لكن ما الذي ستفعله امرأة تطرب للغزل فيها وفي أوصاف يحبها لأجلها الرجل؟ ما الأثر عليها من كونها دائمًا "محبوبة" وليست "مُحبَّة" في كامل التعبير الشعري والصوتي؟ أين ستذهب محبتها/رد الفعل تلك كلها، طالما لا تقال؟

اقرأ/ي أيضًا:
الفريق الأوليمبي الذي لا علم له
"الدَّكْوَة".. زينة المائدة السودانية

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert