ثقافة وفنون

نور الهدى و"دار عزة".. ثلاثة أولاد و579 كتابًا

6 مارس 2020
cms-image-000021753.jpg
نور الهدى في مكتبة دار عزة (النيلين)
موسى حامد
موسى حامدصحفي من السودان

ما سألته عن إحساسه، و"دار عزة" تُصدر الكتاب رقم "579"،وهو أعلى عدد إصدارات كتب من دار نشرٍ سودانية واحدة. بدأتْ بـ "ليل المغنين" لعمر الدوش، وتنتهي بـ "السودان وفشل المشروع الإسلامي". أجاب نور الهدى مباشرةً، بأنّه: فخور جدًا بما حقّقه، "قالها بالانجليزية".

أكثر الاتهاماتْ التي نلاحق دار عزّة، أنّها تنشرُ فقط للكُتّاب اليساريين، و تأسستْ من مال الحزب الشيوعي، لكن  نور الهدييُ يقسم على بطلان الاتهام

ويستدرك بأنّ هذا الفخر ليس له لوحده، وإنّما يُشاركه فيه جميع أفراد الشعب السوداني، فهو لا يعتبر الدار ملكًا له، وإنّما هي رد لجمائل الشعب السوداني. وحكى بأنّ أي كتاب يصدر عن دار عزة يأخذ النسخة الأولى منه من المطبعة مباشرةً، ويضعها في إرشيفهِ الخاص، بعد أنْ يُنادي على أبنائه الثلاثة مبشرًا أنهم زادوا واحدًا. فالكتاب بالنسبة لـنور الهدى، مثله مثل الطفل الوليد، فهو يُتابع، ويُعاني كل مراحله، من الوحم وآلام المخاض، وصولًا الى الولادة.

اقرأ/ي أيضًا: فضيلي جمّاع.. المشي على حبل الكتابةِ المشدود

عند سؤاله عن بداية علاقته بالكتاب، رجع نور الهدى محمد، صاحب دار عزة للنشر، بظهره إلى مسند كرسي الجلوس، ذو المساند المترهّلة، والمطبّقة، من كثرة الجلوس والاستناد عليها. واضعًا يده على شعره الأشيب، ثم مررها على ذقنه الحليقة، ثم أجابني: بأنّ علاقته بالكتاب ترجعُ إلى أيام الدراسة الأولى، عبر مكتبةٍ خشبيةٍ، موضوعة في مكتبة المدرسة.

 

قرأ وقتها كتبًا مثل: "بلال مؤذن الرسول"، "بقرة اليتامى" وغيرها من كتب الأطفال. لكنه يتذكّر أنّ أول كتاب اشتراه، كان من مكتبة الفجر لصاحبها محمد سيد أحمد، بشلوخه المميزة، بمدينة ود مدني، كان ذلك في العام 1967. أما الكتاب فهو "الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني". اشتراه بالتقسيط بمبلغ "12" جنيهًا، دفع القسط الأول "3" جنيهات، من أول راتب تسلّمه من عمله؛ موظفًا بحسابات المديرية مدني.

واستمرتْ معه "لعنة الكتاب"- كما وصفها د. عبد الله علي إبراهيم- حتى في أحلك سني حياته عقب اعتقاله غقب انقلاب 1971 الشيوعي الفاشل. مرورًا بعمله بالجامعة الإسلامية، وجامعة الخرطوم، التي قال أنّه مستعدٌ للعمل فيها مجانًا، تقديرًا منه ووفاء لأياديها البيضاء عليه، وانتهاءً بدارعزة للنشر والتوزيع.

"لعنة الكتاب" التي أصابته منذ وقتٍ مبكرٍ في حياته، يراها نور الهدى هواية، ومحبة وعشقٍ. تحوّل بمرور الوقت إلى احترافٍ، ومهنةٍ يعتاش منها، ويُعيلُ منها العيال. وبالرغم من كونها مهنة متعبة، ومنهكة، وتأخذ جل وقته، بل وتراها زوجته بمثابة "الضُرّة" بالنسبة لها. إلا أنّ نور الهدى يراها غير ذلك، فهي بالنسبة إليه: مهنة جميلة، وسّعتْ من محيط معرفته بالناس، وعرّفته بخُلاصة المجتمع، من العلماء، والأدباء، والمبدعين، والسياسيين والمفكّرين وغيرهم.

ويضحك نور الهدى، مواصلًا: وبجانب هؤلاء أيضًا جمعته بالذين يستوقفونه بالشارع، منتصف النهارات الحارقة، ليُسمعوه قصيدةً. ويسألوه من بعد: هل تصلح هي وأخريات للنشر أم لا؟ أو في حالة المجنون الذي جاءه يومًا بمكتبه، وبيده اليمنى هاتف جوال به "51" ديوان شعر، يُريد نشرهم جميعًا. نور الهدى يقول بأنّه يحتمل أمثال هؤلاء، بذات القدر الذي يتشرّف فيه بخدمة مَنْ سمّاهم بـ "خُلاصة المجتمع".

جناح دار عزة بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب 2019 (Facebook)

نور الهدى يُطلق على سجن كوبر "جامعة كوبر للعلوم السياسية"، في إشارةٍ منه إلى رموز العمل السياسي السوداني، وأساتذة الجامعات الذين التقى بهم هناك. بل وتتلمذ على أيدي كثيرين منهم كما يقول ويُشير بفخر: "الناس ديل علّمونا معنى الرجالة في السجن".

وبالرغم من أنّ أول مرةٍ يدخل فيها السجن لم يتجاوز العشرين إلا بعامٍ واحدٍ، لكنه التقى برموز في العمل السياسي، مثل عبد الكريم ميرغني، وصلاح مازري، وعبد الله علي إبراهيم، ومحجوب شريف، وغيرهم. إلا أنّ الكتاب ظلّ هو الرفيق بالنسبة لنور الهدى، ففي الوقت الذي كان فيه المساجين السياسيون بسجن كوبر، مشغولين بتهريبِ السجائر، والتمباك، والبسكويت، وورق الكوتشينة، كان نور الهدى مشغولًا بتهريب الكتب. وعبر الكتاب توثقتْ علاقاته بالكثير من الأصدقاء، منذ تلك السنوات، وحتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: ماركيز في ضيافة كاواباتا

مكتبه بشارع الجامعة، يعجُ يوميًا بالكُتّاب، يمينهم، ويسارهم، ولا منتميهم. يخدمهم نور الهدى حافيًا، يُعدُ بنفسه القهوة، والشاي، ويعجنُ لهم الكسرة بالماء والطماطم. سألته عن أول كتابٍ صدر عن دار عزة، فأجاب بأنّ عزة كلها صنعها الكُتّاب السودانيون، صنعوها بإبداعهم، وفكرهم. وقبل ذلك صنعوها بإيمانهم بفكرة الكتاب. ويُقسمُ نور الهدى بأنّ أكثر من 90% من الكُتّاب والمؤلفين الذين نشر لهم، لم يتقاضوا أجرًا نظير الطباعة. ويحكي عن قصة أول كتاب صدر عن دار عزّة، وهو ديوان "ليل المغنين"، للشاعر الراحل عمر الطيب الدوش. كان شرط الدوش الأول والأخير أنْ يُطبع الديوان كما هو، بلا حذفٍ، أو إضافةٍ، أو أيةٍ تدخلاتٍ أخرى. وقد كان.

وهنا يُصر نور الهدى أنْ يُضيف بأنّ ذات الأمر حدث مع الكتاب الثاني الذي أصدرته دار عزة، وهو "السنبلاية"، للشاعر محجوب شريف. حيث رفض الأخير تقاضي أي مليمٍ نظير ديوانه. ويواصل نور الهدى "بالرغم من حاجة محجوب شريف لمقابل مادي لما يُنتجه من إبداع، إلا أنّه يرفض تقاضي أي أجر نظير قصيدةٍ نُشرتْ له، أو تغنى بها أحد الفنانين".

شاعر الشعب، محجوب شريف (Sudaneseonline)

أكثر الاتهاماتْ التي ظلّتْ ملاحقةً لنور الهدى، ودار عزّة، أنّها تنشرُ للكُتّاب والمؤلفين اليساريين، وأنّها تأسستْ من مال الحزب الشيوعي، لكنه يُقسمُ أنه لا الحزب الشيوعي، ولا غيره دفع قرشًا واحدًا. وأنّ دار عزّة نشرت لجميع الطيف الفكري والثقافي والسياسي السوداني. فتضم إصدارت عزّة مؤلفات لمحمد إبراهيم نُقُد الشيوعي، ولحسن مكّي الإسلامي.

كان يهرب الى الكتاب، قارئًا له، عندما يتجه رفقائه الى جلسات الأنس، والقعدات. لدرجة عدم قدرته على النوم ليلًا، إنْ لم يقرأ كتابًا، أو بعض كتاب

الكتاب بالنسبة لنور الهدى أيضًا إلفة، وصداقة، وعلاقة إنسانية مستمرةٍ منذ الطفولة الأولى، وحتى لحظة حديثه، ظهر الأسبوع الفائت. فقد كان يهرب الى الكتاب، قارئًا، عندما يتجه رفقائه إلى جلسات الأنس، والقعدات. حتى صار لا يقدر على النوم ليلًا، إنْ لم يقرأ كتابًا، أو بعض كتاب.

فرح نور الهدى بالنجاح الذي حققته دار عزة، وبقبول الناس لها، يراه نجاحًا للجميع، ونجاحًا للكتاب، الذي رفع ابن عامل اليومية البسيط، الى ناشر سوداني يُشار إليه بالبنان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فتحي باردوس.. براءة "الأبيض والأسود" تلوح بالوداع

ربما أكون مهووسًا بالتغيير

الكلمات المفتاحية

مسلسل اقنعة الموت.jpg

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"

تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.


معرض كتاب القاهرة ومشاركة دور نشر سودانية فيه.png

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة

أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17"  من شهر رمضان المكرم.


غلاف مذكرات جثة منتفخة بالحياة.jpg

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب

عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.


ثلاث روايات سودانية .jpg

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان

الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert