رأي

نظرة إلى المستقبل من شرفة الماضي

17 نوفمبر 2020
931787644b166c7c02551d2052857904.jpg
(تويتر)
ندى نور الدائم
ندى نور الدائمخبيرة لغويّة بمعجم الدوحة التاريخيّ للغة العربيّة

كيف ننهض بأمَّتنا؟ سؤال الأرِق المهموم المكبَّل بالشعور بالعجز والرهق؛ سؤال الإقرار بالسقوط، بل بالانهيار! لكن الأرَق لا يمنح أذهاننا صفاء يعين على الجواب، بل السؤال يقود إلى سؤال: من (نحن) المتدثرون بالضمير (نا)، نشد ألفه غطاء، ونتَّخِذ نونه وسادة؟ لم أجد اسمًا يجمعنا غير ضمير المتكلمين المتجرِّد من العِرق والدِّين والجغرافيا، ذلك الضمير ممتلئ بالاتحاد، المتعاظم بالتَّاريخ. فأنا من إفريقيا السمراء، من عمق خط الاستواء، وبلدي عربي اللسان بأغلبية مسلمة محافظة على المذهب المالكي، وزميلي الكازخستاني شيعيُّ المذهب يرى أنه ضمن (نحن) هذه بملامحه المختلفة جدًا عن ملامحي وعن ملامح زميلتنا البحرينية السُّنية -الداخلة تحت الضمير (نحن)، نحن الثلاثة لنا صديق من نجد يتحدث عربية لا تشبه عربيتنا، وصديقنا اليمني المسيحي له عادات تذكرنا بفروسية امرئ القيس، ولنا صديقة مغاربية شجاعة مصادمة عربيتها تمتزج بالفرنسية مُعجما وتنغيمًا وثقافة.

لنعرف عن أي إسلام نتحدث، وحتى لا ندخل في تعقيدات الإسلام السياسي، نعود بالذاكرة إلى الإسلام منذ بعثة محمد وحتى الدولة العباسية الأولى

من "نحن"؟ نحن الذين -على تباين لهجاتنا، وأحيانًا لغاتنا، وعلى تباين عقائدنا ومذاهبنا، وعلى تباين ألواننا وملامحنا، واتفاق أزيائنا تارة واختلافها تارات، وعلى اختلاف جغرافيَّة مناطقنا جبالًا وسهولًا، صحارٍ وغابات، سواحل بحار ومحيطات، وطمي أنهار وفيضانات- احتضنت أجدادنا ذات يوم دولة راشدة تحت راية الإسلام. عن أي إسلام أتحدَّث؟ كي لا أدخل في تعقيدات الإسلام السياسي، أعود بذاكرة القارئ إلى الإسلام منذ بعثة رسوله الكريم حتى الدولة العباسية الأولى.

اقرأ/ي أيضًا: إثيوبيا.. حرب أهلية أم إقليمية؟

تعال معي لنعبُر بوابة الزمن، لنترك ضجيج المدن الشرسة، والشاشات الذكية، الآن لنعد إلى سماء صافية، نهارًا تضيئوها الشمس، وليلًا يهتدي القوم بنجومها، يتبادلون السمر، والنكات الذكية، أدمغتهم مدربة على سرعة البديهة، وأجسادهم تجيد مراوغة الموت، وربما هناك سراج منير في مكان ما، ونار الشواء أشد منه نورًا.

في تلك البدائية، أنشأ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم دولة المدينة المدنيّة، أرسى قواعد الحكم الإسلامي الرشيد، الذي وسِع الجميع ذات يوم. الإسلام ليس دين فرائض على معتنقيه وعقوبات على مخالفيه، الإسلام -في رأيي الشخصي- ليس طقوسا لكنه معتقد قائم على احترام الإنسان، وحفظ حقوقه الفردية، مع ضمان التكامل والتضامن الاجتماعي.

في دولة المدينة حُطِّمت العنصرية، فبلال الحبشي مؤذن النبي العربي (للأفارقة أصوات نديِّة- وإني أعزي أهلي في السودان وسائر أهل القرآن في القارئ الشيخ نورين وصحبه الكرام، رحمهم الله)، وسلمان الفارسي مستشار النبي العربي (الفُرس أهل دراية بالحرب والسياسة) وزينب بنت جحش زوجة لزيد بن ثابت ولها حق في خلعه، والخزرجي له أخ أوسي، وكل هؤلاء يحترمون جارهم غير المسلم، يبتاعون منه ويستدينون. هذا النموذج هو الذي جعل ثقافة الإسلام تبسط نفوذها على أكثر بلاد الدنيا، إنها ثقافة احترام الآخر لا التوحُّد معه. أما التضامن فكان في أن للفقير نصيبًا من مال الغني يحميه من الجوع والمرض ويعينه على الحياة، وعلى غير المسلمين ضريبة مقابل الحماية والأمن لضمان حقهم في المواطنة، وفي حال فقرهم لهم من بيت مال المسلمين ما للفقير المسلم (قاس ذلك سيدنا عمر بن الخطاب، قائلا إنّ الجزية تؤخذ منهم عند قدرتهم عليها، ويُنفق عليهم من بيت مال المسلمين حال عجزهم لمرض أو فقر)، أليس هذا التضامن الاجتماعي الذي تحاوله الآن دول العالم الأول؟

هنا أعود لسؤال الأرق الأول، كيف ننهض؟ كيف نتَّحد؟ كيف نعيد أمجاد أجدادنا؟ شِقُّ الإجابة النظري، أن نقرأ تاريخنا، ليس الأمر سهلا فكُتب التاريخ مليئة بالأساطير والأكاذيب، لذا علينا أن نقرأها بتفحُّص وذكاء وبروح تبحث عن الحقيقة. ثم نبدأ في دراسة معطيات واقعنا لنعد رؤية واضحة لمستقبل أمتنا، فالمستقبل ابن الماضي، والحاضر ماضٍ في القريب.

أما شقّ الإجابة العملي، فله عدة جوانب، منها الجانب الأخلاقي للحاكم والمحكوم، كلٌّ على حدة، ثم في إطار العلاقة بينهما، الكلمة المحمدية غاية في الدقة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؛ إذ الرعاية هي العناية والحماية، كلنا مسؤول، عن نفسه، وعن إتقانه عمله، عن حفظه لحقوق غيره، عن تربية أبنائه، ومراعاة حق إخوانه، كلنا راع مسؤول عن بناء جزء من الوطن، حتى لو لم يتعدَ هذا الجزء نفسه، فليصلحها ويرعاها حتى لا تفسد بناء البقية.

وهناك جانب آخر، وهو متصل بالمبدأ العام للاتحاد؛ إنّ مفهوم الاتّحاد قائم على الاتفاق مع مراعاة الاختلاف، لذلك –في رؤيتي المتواضعة- أرى أن الاتحاد الذي سيجمع لغاتنا وأعراقنا وثقافاتنا المجتمعية المختلفة لا بد أن يكون اتحادًا فدراليًا، شبيهًا بنموذج الاتحاد الأوربي مع معالجة علّاته والنظر إلى خصوصية حالاتنا.

أخيرًا لا بد من التنبُّه إلى صعوبة التعويل على النُّخب السياسية المتصارعة مثل تلك التي في السودان واليمن والصومال وليبيا والعراق وسوريا.. إلخ، إذ هي نخب- أثبتت فشلها وعقمها وعجزها عن التفكير والخروج بدويلاتها ومجتمعاتها من مستنقعات الحرب والفقر، بل وأهدرت موارد طبيعية وبشرية لا يمكن أن تتكرر، وما زلت أنتظر أن تكشف المحن المتوالية والمصائب المتعاقبة على أوطاننا عن نُخب قيادية سياسية جديدة ربما يعوَّل عليها في فكرة الاتحاد التاريخي المشتهَى.

نهوض الأمم يتطلب التخلص من الاختلالات الأخلاقية التي ولدت الفقر والظلم والحروب التي أهدرت الأرواح والثروات

تفشل الأمم إذا أصابها خلل أخلاقي يجعل القوي يستحل مال الضعيف ودمه، فيعمَّ الفقر والذل والظلم، وتبدأ الحرب في حصد الأرواح وإهدار الثروات، لكي ننهض لا بد أن نتخلص من هذه الأمراض التي أوهنت جسد أمتنا.

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

اقرأ/ي أيضًا

التطبيع.. هل كان بالضرورة؟

الحرية والتغيير.. حاضنة أم حارقة سياسية

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert