مسلسل دكين.. ذروة الدراما السودانية في رمضان

تحول شهر رمضان المكرم مع مرور الوقت إلى موسم سنوي للدراما العربية، تتنافس خلاله شركات الإنتاج الكبرى، لاسيما المصرية والسورية، في تقديم أبرز أعمالها وأفضل المسلسلات المطولة التي قد تمتد إلى ثلاثين حلقة، بعدد أيام الشهر الفضيل.

السر السيد: المسلسل قدم ما يمكن وصفه بـ"البطل الشعبي" في ظرف معقد جدًا فهو قاتل مجرم لكن إلى حد كبير لديه لمسات إنسانية

في السودان نادرًا ما تدخل الدراما السودانية في حلبة التنافس السنوي هذه، وحتى على مستوى العروض المحلية تظل الدراما المصرية والسورية، وأحيانًا التركية، هي المتسيدة للمشهد الداخلي، وللمتابعة المكثفة، عدا إِشراقات نادرة هنا وهناك للإنتاج المحلي السوداني، وصلت ذروتها في حقبة التسعينيات إبان تولي الأستاذ السر السيد إدارة قسم الدراما في التلفزيون.

قفزة دكين

شكل مسلسل دكين، للمخرج المعروف محمد نعيم سعيد، أحد مؤسسي فرقة الأصدقاء المسرحية، وتأليف الرائد المسرحي عثمان حميدة "تور الجر"، قفزة نوعية في الدراما السودانية، من حيث نسبة عدد المشاهدة والمتابعة، وبالطبع من حيث الجودة البصرية والأدائية وأسلوبي الإخراج والإنتاج.

تدور أحداث المسلسل في أواخر أربعينيات القرن الماضي، في فترة الحكم الاستعماري، ما بين صحراء شمال السودان ومناطق البطانة في شرق البلاد، ويحكي المسلسل قصة القاتل دكين "أداء الهادي صديق"، وهو همباتي – قاطع طرق – تمرد على النظام الاجتماعي وقتها وتورط في سلسلة من عمليات القتل البشعة طالت مواطنين ورجال سلطة "البوليس". وتم تصوير حلقات المسلسل فعليًا ما بين شرق السودان وشماله، في بيئة مقاربة من حيث المكون البشري والطبيعي للزمن الحقيقي للأحداث المروية.

نجاح دكين

يقول السر السيد، المدير الأسبق للدراما في التلفزيون لـ"الترا سودان" إن عوامل كثيرة أسهمت في نجاح مسلسل دكين، ففي فترة التسعينيات حدث ما يمكن وصفه بـ"الانفجار الدرامي"، إذ انتجت خلال هذه الفترة مجموعة كبيرة جدًا من الأعمال الدرامية والمسلسلات المميزة، والقفزة النوعية كانت ما بين عامي 1995 و2004، وهي الفترة التي أنتج فيه مسلسل دكين.

وعن رحلة إنتاج المسلسل يضيف السيد: "مسلسل دكين هو قصة للفنان الكبير عثمان حميدة، سلمها لفرقة الأصدقاء المسرحية، فاتجهت الفرقة إلى إدارة الدراما في ذلك الوقت وتم تشكيل ورشة كتابة من المخرج الراحل مجدي النور، والكاتب الراحل جعفر سعيد، والمخرج محمد نعيم سعد، وبقية مجموعة الأصدقاء مثل الكاتب مصطفى أحمد الخليفة".

ويضيف مدير الدارما في التسعينيات: "عرض مسلسل دكين في التلفزيون القومي سنة 1997، وتميز هذا العمل بأشياء كثيرة، أولها فريق العمل، إذ توفر لهذا المسلسل ممثلين قديرين، في مقدمتهم الفنان الهادي صديق "دكين"، والفنان الكبير أحمد عبدالكريم، والممثلة الكبيرة حياة طلسم، ودكتور صالح عبدالقادر، ومجموعة كبيرة جدًا من الممثلين المميزين. أما الميزة الثانية للمسلسل فهي إنه تحرك جغرافيًا، تم تصويره في كسلا – شرق السودان، في مناطق البطانة، ومناطق الفاو حيث الجبال الشاهقة بجمالها وغموضها".

البطل دكين

ويواصل السر السيد: "الميزة الثالثة للمسلسل إنه قدم ما يمكن وصفه بـ"البطل الشعبي" في ظرف معقد جدًا، فهو بطل قاتل مجرم، لكن إلى حد كبير لديه لمسات إنسانية، فكلما قتل كلما وقع في منازعات نفسية وروحية حادة، وكأن المسلسل يقول لنا لا تنظروا إلى المجرم كمجرم فقط ولكن انظروا أيضًا إلى أبعاد إنسانية أخرى تكتنف المجرم في لحظاته الخاصة والوجودية".

ويرى السر السيد، وهو شاهد متابع لرحلة إنتاج المسلسل، إن المخرج محمد نعيم سعد وفق جدًا في اختيار الممثل الهادي صديق لأداء دور دكين، فالهادي صديق في تجربته الدرامية معروف بأنه "نجم الرومانسية"، سواء كان على مستوى الدراما الإذاعية التي كان لديه فيها باع طويل، أو الدراما التلفزيونية، وهو النجم الأوحد الذي صنعه التلفزيون، فلم يكن هناك من ينافس الهادي صديق، فهو منذ البدايات الأولى كان ضالعًا في الأعمال التي يقدمها التلفزيون.

ويزيد السر السيد: "فشخص بهذه الطاقة الرومانسية، وصاحب قدرات فريدة في تلوين الصوت في الدراما الإذاعية، وتعابير الوجه في التلفزيونية، ممثل بمثل بهذه المواصفات كان من الصعب قبوله - وفقًا للتنميط العادي - لأداء دور قاتل".

ويزيد السر: "فهذه من الجوانب المعقدة والذكية في اختيار المخرج محمد نعيم سعد للهادي صديق، وبالفعل حقق الهادي نجاحًا كبيرًا في أداء هذه الشخصية، بل منحها أبعادًا غريبة، وقربها من المشاهد، من خلال قدرته على خلط القسوة بالرقة والعنف في الشفقة، وكل ذلك أداء بتعابير الوجه وسكنات الجسد ورعشات الصوت".

في رأي السر السيد إن فكرة ورشة الكتابة كانت عاملًا حاسمًا في نجاح مسلسل دكين، وأبرز ما فيها وأحدث حينها، مسألة الاستناد على نص – قصة، وبناء كتابة درامية على أساسه. ويضيف: "أيضًا التنقل الجغرافي والإبل والصحراء والبادية والجبال، جميعها كانت ذات أبعاد ثقافية سياحية ظهرت في هذا المسلسل بشكل مختلف، إضافة إلى الموسيقى والأزياء وطرائق الأداء، كلها عوامل جعلت دكين في موقع متقدم في خريطة الدراما السودانية".

لم يحظ مسلسل دكين بنسبة مشاهدة عالية داخل السودان فحسب بل وجد رواجًا ملفتًا في الدول المجاورة

ويختم السر السيد إفادته لـ"الترا سودان" بقوله: لا ننسى أيضًا أن صاحب قصة المسلسل أحد رواد الدراما في السودان، فعثمان حميدة أو تور الجر، ممثل مثقف، واستناد فكرة المجايلة في هذا العمل في حد ذاتها ميزة. أخيرًا الشيء المهم حول هذا المسلسل هي اختلافه عن الدراما التلفزيونية التي كانت سائدة، ذات الطابع البوليسي والاجتماعي، أما دكين فحقق اختلافه من خلال بطل فرد، وبطل متلبس بأبعاد إنسانية فهذا في حد ذاته كان شيئًا جديدًا.

لم يحظ مسلسل دكين بنسبة مشاهدة عالية داخل السودان فحسب، بل وجد رواجًا ملفتًا في الدول المجاورة للسودان، إذ كان من أهم الأعمال الدرامية المشاهدة في دولة تشاد، كما ظل لسنوات طويلة العمل الدرامي الأول في دولتي إثيوبيا وإرتريا، يعاد عرضه وتقديمه إلى سنوات قريبة.