لماذا شجّع السودانيون الجزائر؟
28 أكتوبر 2015
منذ ليل الأربعاء الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2009، لم تعد العلاقة بين الشعبين المصري والسوداني كما كانت. إذ شكلت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر للتأهل إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010، النقطة التي أتخمت إناء التوتر بين الشعبين ففاض، وأسهم الهجوم الإعلامي المصري على السودان، عقب المباراة، في تغذية خلافٍ ترك أثرًا لا أظنه يُمحى قريبًا من نفوس السودانيين.
العلاقة بين السودان ومصر، على المستوى الشعبي، معقدة للغاية، وليس كما تصوّرها بسطحية، الدعاية الرسمية في البلدين
في المبارة التي أهّلت الجزائر إلى المونديال بهدف عنتر يحيى، شجّع سودانيون كثر الجزائر، وهو عكس ما كانت تتوقعه مصر وهي تختار السودان كأرض محايدة لإقامة المباراة، في حين اختارت الجزائر تونس. ومن قبل المباراة ثم لأيام طويلة بعد انتهاء الحدث، ظلت أعلام الجزائر معلقة على السيارات والركشات "التوك توك" وأسطح بعض المنازل. لقد أخرجت المباراة ما كان دفينًا في علاقة شعبين كان يُظن فيهما الأخوّة.
لكن، لماذا شجع السودانيون –خلا قلة- الجزائر؟ وهل لو لعب ثعالب الصحراء ضد فريق آخر كانت ستجد هذا التشجيع الواسع؟ دارت الأسئلة بذهني وأنا أجلس، على وقع كوبي شاي، إلى صديقي المتوشّح بعلم الجزائر يوم المباراة، وهو يخبرني أن أكثر "دولة" يكرهها صراحةً هي إسرائيل "لكن لو لعبت ضد مصر فسأشجعها"!
إن العلاقة بين السودان ومصر، على المستوى الشعبي، معقدة للغاية، وليس كما تصوّرها، بسطحية، الدعاية الرسمية في البلدين، وهي تنثر بين طياتها عبارات "الأخوَّة، المصير المشترك، العلاقات الأزلية، النيل... إلخ"، فالأمر أعمق غورًا بكثير، وربما يعود في جزء كبير منه إلى ما رسخته فترة الحكم المصري للسودان (1821-1885) حين قادت الرغبة في امتلاك النيل حتى منبعه، محمد علي باشا، إلى احتلال السودان، وهي الرغبة التي أدت إلى أن ينظر الغزاة إلى السودانيين كفائض غير مهم إلا في حدود ما يمكن أن يدفعوه من ضرائب شاب تحصيلها سوء معاملة اختزنته الذاكرة الشعبية ونقلته الروايات الشفاهية جيلًا بعد جيل.
اليوم، وبفعل إعلام "خفيف"، يظن كثيرون في مصر أن السودان جزء من بلادهم "انفصل" قبل ستين عامًا عنها! لكن الحقيقة التي يدرسها كل سوداني منذ الابتدائية، هي أن مصر "دولة مستعمرة" احتلت بلادهم قبل قرنين تقريبًا، محطِّمة دولة سودانية حكمت أرض النيلين ثلاثة قرون متصلة، وفي ما عدا فترة استقلال قصيرة (1885 -1898) ظلت مصر تحتل السودان حتى استقلاله (1956) وإن ظلت تُحكم السيطرة على كنزها الأول في السودان، المياه، حتى بداية التسعينيات حين تمت تصفية "مكاتب الري المصري في السودان".
إن الأجيال الناجية من السيطرة الثقافية لمصر، بسبب أزمات التسعينيات بين البلدين، جاء منها مشجعو كرة القدم الذين حملوا أعلام الجزائر، وباعوا تذاكرهم للجزائريين ليصبح عددهم في المدرجات أكبر. هي أجيال منقطعة ثقافيًا عن مصر، فلا مسلسلات مصرية، ولا "بوجي وطمطم"، ولا مطبوعات "دار الهلال" كانت أمامهم وهم ينشؤون. هم الجيل الذي تابع الدراما السورية، وشاهد مدبلجات الكرتون الأردنية، واستمع لمغنين من العراق ولبنان وأمريكا، وقرأ الترجمات والروايات القادمة من المغرب العربي، والواحد منهم ممن يقع اهتمامه خارج كل هذا، لم يجد شيئًا مصريًا أمامه غير موروثات سلبية، وحكايات معاصرة تشيطن الآخر المصري، وقضايا عالقة "مثل حلايب" ينفخ فيها الإعلام المحلي لتقوية النزعة القومية.
في مباراة مصر والجزائر قبل ست سنوات، ربما اكتشف المصريون أن السوداني ليس "طيبًا جدًا" ولا تابعًا أعمى لمصر ومصالحها
إن ثمة رغبة تاريخية مختزنة في رد الصاع لما يُعدُّ شعبيًا "إهانات مصرية" بدءًا من قسوة القرن التاسع عشر وانتهاء بقضية حلايب وشلاتين، انفجرت هذه الرغبة أولاً في تشجيع الجزائر يومها، ثم بعدها بقليل في الموقف من أزمة مياه النيل المستمرة حتى اليوم.
في مباراة مصر والجزائر قبل ست سنوات، ربما اكتشف المصريون أن السوداني ليس "طيبًا جدًا" ولا تابعًا أعمى لمصر ومصالحها. واليوم، في ما عدا ولاء الجماعات الإسلامية لمصر وللإخوان المسلمين تحديدًا، لا تجد مصر تعاطفًا ذا بال في الشارع السوداني.
هل هناك حاجة لتقييم العلاقة بين الشعبين الجارين خارج إطار الصورة النمطية لكل منهما عن الآخر؟ من الواضح أن هذا مطلوب، لكن يظل في رأيي الانفكاك من ثقل التاريخ وتراكمات قرون من سوء الفهم، أو سوء النيَّة، صعبًا وبحاجة إلى حوار شجاع لا تتوافر له البيئة الملائمة في البلدين الآن. وإلى ذلك الحين، تظل الأحداث مثل المباراة الفاصلة، متنفسًا يمكن النظر منه أيضًا لاستكشاف ما يحدث حقًا بين "أبناء النيل".
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.