مجتمع

كيف تُنهي الكوليرا حياة العشرات في نهر النيل؟

17 September 2024
Cholera.png
محمد حلفاويصحفي سوداني

بوضعه على سرير منزلي، وصل مرافق مصاب بالكوليرا إلى مستشفى ريفي في تخوم محلية الدامر بدلًا عن النقالة الطبية. وفي القرى الفقيرة شمال البلاد، بالكاد يحصلون على شاحنات تنقلهم إلى المدن في الولاية حيث أماكن العلاج، والتعليم، والتجارة، والأسواق، ومحطات الحافلات.

طبيب: تأخر وصول المصابين إلى مراكز الرعاية الصحية يؤدي إلى الوفاة بسبب فقدان الجسم للسوائل

حتى تتمكن الشاحنة من الوصول إلى المستشفى لتدارك الوضع الصحي لمريض الكوليرا، تتحرك لمسافة لا تقل عن (15) كيلومترًا، وفي بعض الأحيان (30) كيلومترًا على طرق ترابية. ويضطر السائق إلى التزود بوقود يباع بسعر باهظ في السوق الموازي يصل إلى (80) ألف جنيه. كل هذه العوامل تجعل عشرات المرضى يفقدون حياتهم سواء داخل المستشفى لتأخر التدخل الطبي أو الموت على الطرقات بحثًا عن مشافٍ قريبة.

ينهمك شبان وفتيات من الكوادر والمتطوعين الإنسانيين في المستشفى الرئيسي لإسعاف المصابين، وبينهم عشرات الأطفال بأجساد هزيلة لا تقوى على مصارعة مرض الكوليرا. في الفناء الخارجي، إلى حين إنشاء مركز العزل، تعمل الكوادر الطبية لساعات تتجاوز اليوم دون توقف لمتابعة حالة المصابين باستمرار.

مضاعفات تسبب الوفاة

قال كادر طبي تحدث لـ"الترا سودان" إن عشرات المصابين وُضعوا مؤقتًا في الفناء الخارجي للمستشفى في انتظار مركز لعزل المصابين، لأنه لا يمكن وضعهم في موقع قريب من المرضى المنومين بأمراض لا علاقة لها بالكوليرا.

ويرى أن المضاعفات الناتجة عن الكوليرا هي التي تسببت في وفاة العشرات من المواطنين، خاصة مع عدم الإلمام بالوقاية أو الإسعافات الأولية التي تتمثل في عدم إيصال جسم المصاب إلى مرحلة الجفاف مع فقدان مستمر بسبب القيء والإسهال الشديد.

تقول السلطات الصحية إنها تعمل على تتبع الوباء في القرى المنكوبة بولاية نهر النيل، وترجح أن مياه الشرب هي التي فاقمت الإصابات، خاصة مع شح معدات التنقية في غالبية المناطق لأسباب تتعلق بنقص الدعم الحكومي.

لم تنفك قرى محلية الدامر بولاية نهر النيل من مغادرة مأزق آثار الحرب والأزمة الاقتصادية، وانعدام الغذاء والرعاية الصحية، حتى فوجئت بوباء الكوليرا بإصابة أكثر من ألفي شخص في الولاية، أغلبها في هذه المحلية التي تضم عشرات القرى.

وباء يتجدد سنويًا

الكوليرا في السودان وباء يتجدد موسميًا خلال فصل الخريف، لأسباب متعلقة بتراجع الصرف على صحة البيئة، وعدم كفاءة مراقبة الأطعمة والأغذية والأسواق، حسب ناشطين في القضايا الصحية والاجتماعية.

وقالت وزارة الصحة بولاية نهر النيل في تحديث للتقرير اليومي الذي صدر قبل يومين إنها رصدت (177) حالة إصابة جديدة، أعلاها في محلية الدامر بواقع (120) حالة، تليها مدينة عطبرة (37) حالة، وبربر (19) حالة، وحالة واحدة في محلية أبو حمد، بينما بلغ عدد المنومين في مراكز العزل (333) حالة، ليرتفع العدد التراكمي إلى (2064) إصابة، بينها (55) حالة وفاة.

ناشطة: تعكس الكوليرا تدهور صحة البيئة في ولاية نهر النيل، خاصة محلية الدامر

وشهدت ولاية نهر النيل هذا العام أمطارًا غزيرة وسيولًا أدت إلى فقدان عشرات القرى بسبب المياه. ويقول المواطنون إن كوارث الخريف غير المعتادة خلقت فوضى من خلال فقدان الآلاف للمساحات الزراعية والمتاجر.

تعكس الكوليرا تدهور صحة البيئة في ولاية نهر النيل، خاصة محلية الدامر، وفق الناشطة الطوعية أمل السني، التي تشير إلى أن الولاية استقبلت مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في مراكز الإيواء والمجتمعات المستضيفة. وتقول إن تجمع الأشخاص في مواقع بعينها ومع عدم اتخاذ التدابير الفعالة لمكافحة الوبائيات، يجعلها قابلة للانتشار، لذلك افتك الكوليرا بالعشرات يوميًا في قرى الدامر.

غياب الاستعدادات الحكومية

ما هو علاج الكوليرا؟ يقول العاملون في المجال الطبي إن المحاليل الوريدية هي التي تؤدي إلى تخفيف الآثار الوخيمة للكوليرا، لأنها تعوض فقدان جسم المريض للسوائل. ويحتاج الشخص المصاب إلى ما لا يقل عن 6 زجاجات إذا وصل إلى قسم الطوارئ أو إنقاذه داخل مسكنه.

كيف تنتقل بكتيريا الكوليرا؟ تنتقل عن طريق الأغذية أو المياه الملوثة، أو من خلال ملامسة البراز أو القيء المتأتّي من الأشخاص المصابين بالمرض.

ويمكن أن تُسبّب الكوليرا إسهالاً شديدًا وتقيؤًا، فتتحوّل بسرعة إلى مرض قاتل في غضون ساعات إذا لم يتمّ علاجها.

ويعزو طبيب بولاية نهر النيل، تحدث مع "الترا سودان" مشترطًا حجب اسمه لتجنب الملاحقة الحكومية والأمنية، انتشار الكوليرا إلى غياب التخطيط الفعال في الولاية، التي لم تحتط للآثار المتوقعة من الفيضانات والأمطار، على الرغم من النشرات المتعلقة بالطقس التي تنبأت بموسم غير مسبوق للأمطار والسيول.

وأضاف: "استقبلت الولاية ما لا يقل عن مليون نازح من العاصمة الخرطوم، والجزيرة، وسنار، والأبيض، والقطينة، وإقليم دارفور. بالتالي، كان يجب ضمان بقائهم في مواقع إيوائية لديها قدر معقول من نظافة البيئة، وأن الوسائل المستخدمة في نقل الغذاء والمياه آمنة وصحية".

وأردف: "الوضع الصحي أكبر من طاقة وزارة الصحة الولائية والاتحادية، لأنهما مكبلتان بشح التمويل الحكومي من وزارة المالية، التي كانت تدفع قبل الحرب 1% من الموازنة لقطاع الصحة والتعليم مجتمعين".

وتابع: "أنا أعلم أن وزير الصحة الاتحادي ووزير الصحة بولاية نهر النيل يحاولان حل أزمة الكوليرا، لكن الأمور خارج سيطرتهم. هما يحتاجان إلى التمويل المالي لتنفيذ التدخلات الصحية الطارئة بإنشاء مراكز العزل والتنسيق مع المحليات لضمان نظافة البيئة وتجفيف المياه الملوثة في الشوارع والأسواق".

والأسبوع الماضي، أطلقت منظمات محلية دعوة لتعيين متطوعين في محلية الدامر للتوعية بمخاطر الكوليرا والتدابير اللازمة للوقاية من خلال التثقيف الصحي للمواطنين.

محاليل في السوق الموازي

ويعتمد مرضى الكوليرا على المحاليل الوريدية التي تباع بأسعار باهظة، خاصة في المناطق المنكوبة لظاهرة السوق الموازي، والتي تعرف بـ"تجارة الأزمات" في أوساط السودانيين.

وأقراص مثل مسكنات الألم تباع بسعر (500) جنيه للحبة الواحدة في بعض القرى، كما أن سعر قنينة من المحلول الذي يتكون من السكر والملح والماء تباع بنحو عشرة آلاف جنيه. فيما ينصح متطوعون السكان بصنع المحلول في المنزل من خلال تحضير الملح والسكر والماء لتفادي الأسعار الباهظة للأدوية.

خسر السودان عشرات المصانع وشركات الأدوية التي كانت تتركز في العاصمة الخرطوم

خسر السودان عشرات المصانع وشركات الأدوية التي كانت تتركز في العاصمة الخرطوم، بينها نحو (45) شركة دوائية ومصانع محلية بسبب الحرب وسيطرة قوات الدعم السريع على معظم المناطق التي تقع فيها المنشآت الحيوية.

من بين هذه المنشآت شركات استيراد المحاليل الوريدية، حيث لم يتمكن السودان من تأمين صناعتها داخليًا في السنوات الماضية. وفي العام 2014، جرت محاولة لتوطينها بإنشاء مصنع بقيمة (25) مليون دولار شرق الخرطوم، ولم ينجح لارتفاع تكلفة تنقية مياه المحاليل.

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert