في وداع "الوسيم القلبي رادو"
10 ديسمبر 2020
بعد مسيرةٍ طويلةٍ من التأليف الموسيقي، والتلحين، وتدريس الموسيقى، وقيادة الأوركستر، أغمض الموسيقار موسى محمد إبراهيم عينيه مرة أخيرة وإلى الأبد، بالولايات المتحدة الأمريكية. رحل موسى محمد إبراهيم في هدوءٍ مثل هدوئه الذي كان السمت الغالب على سيرته في العقود الثلاثة الأخيرة، بعد أنْ كان ملء السمع والبصر والموسيقى منذ الستينات.
ينتمي موسى محمد إبراهيم إلى قائمةٍ طويلةٍ من الموسيقيين العسكريين
ينتمي موسى محمد إبراهيم إلى قائمةٍ طويلةٍ من الموسيقيين العسكريين، أمثال أستاذه الموسيقار أحمد مرجان، ملحن النشيد الوطني، وجعفر فضل المولى، وعمر الشاعر. موسيقيون عسكريون ساهموا في وضع إضافاتٍ كبيرة ومبهرة في مناخات الموسيقى السودانية. في تأليفها، وتنفيذها، وكتابة نوتتها الموسيقية، وكذا في تدريسها، وإدارة المؤسسات الموسيقية العسكرية والمدنية.
اقرأ/ي أيضًا: نسخة ثالثة من "عشان بلدنا" تزامنًا مع ذكرى الثورة
بدأت علاقة موسى محمد إبراهيم مع الموسيقى منذ عقده الثاني، فهو من مواليد الديم بالخرطوم في 1943، حيث انتبه لمحبة الموسيقى، وانتبهت أسرته إلى ذلك. وهي أسرة ذات علاقة وطيدة بالموسيقى، فألحقوهُ بمدرسة الموسيقى العسكرية، فالتقى هناك بأستاذه أحمد مرجان، لينهل على يديه أولى دروس الموسيقى. ثم سريعًا أنشأ علاقة وانتماء مع عددٍ من الآلات الموسيقية، التي أجادها وهو في ذلك العمر الباكر. آلاتٌ مثل الأكورديون، والبيانو، والبيكلو. والأخيرة تحديدًا برع فيها واستحقّ لقب أول عازف لها.
كانت العلامة الفارقة في تاريخ موسى محمد إبراهيم، في إضراب الفنانين. أواخر الخمسينات، بسبب الأجور المتدنية التي تمنحها لهم الإذاعة السودانية نظير مشاركاتهم الفنية وحفلاتهم الغنائية، وعليه فقد توقفوا عن العمل. وشمل هذا الإضراب أيضًا عددًا من الموسيقيين، فما كان في يد الإذاعة السودانية من حلٍ لتستمر في برمجتها الغنائية، إلا التواصل مع الموسيقى العسكرية لتمدهم بعازفين جُدد لسد النقص الناتج عن إضراب الموسيقيين.
وفي المقابل أيضًا، تواصلت مع مغنين آخرين جُدد غير الذين شاركوا في الإضراب. كان من هؤلاء المغنيين: إبراهيم إدريس ودالمقرن، محجوب عثمان، رمضان حسن، عبدالحميد يوسف وآخرون. وبالقطع، كان مع موسى محمد إبراهيم، موسيقيين من المؤسسة العسكرية، دخلوا للإذاعة وحلّوا محل الموسيقيين القُدامى، أمثال: عثمان ألمو، أحد روّاد موسيقى الجاز في السودان.
وكانت أولى الأغنيات التي شارك الموسيقار موسى محمد إبراهيم في أدائها، وتسجيلها: الزهور صاحية وإنت نايم، للمغني رمضان حسن، وأغنية "غضبك جميل زي بسمتك"، للمغني عبدالحميد يُوسف. ومنها انطلق موسى محمد إبراهيم في اتجاهين: الأول جديدٌ بالنسبة له وهو التلحين والتوزيع الموسيقي وكتابة النوتة. والثاني هو قيادة الأوركسترا.
أما الأول، فقد أسهم فيه بسهم وافرٍ، حيث قدّم للمغني عثمان مصطفى، وهو في بداية تجربته الغنائية، لحنًا بديعًا لأغنية "ماضي الذكريات"، من تأليف الجيلي محمد صالح. وأيضًا: "عدى فات"، من كلمات إبراهيم الرشيد. فيما توزعت بقية ألحانه، على عددٍ آخر من الأغنيات لمغنين آخرين مثل: "تعتذر بعد إيه"، لعبد العزيز محمد داؤود، و"مهما أمري يهون عليك"، لبهاء الدين أبو شلّة. و"خاتم المنى"، للبلابل، و"سافر زمان"، لصلاح مصطفى.
وبمناسبة أبو شلّة، وهو أحد المغنيين الذين كانت لهم مشاركة مميزة في "ملحمة أكتوبر"، فقد كان نصيب موسى محمد إبراهيم، التوزيع الموسيقي للملحمة، وقيادة الفرقة الموسيقية. حيث يُعد موسى أحد الدارسين الأوائل والمتخصصين في قيادة الأوركسترا الموسيقية.
أما واحدة من أكثر الأغنيات التي اشتهر بها موسى محمد إبراهيم، وهي "الوسيم القلبي رادو"، من تأليف طه حمدتو، فقد انتشر في أوقات متكررةٍ أنّه من وضع اللحن لها، إلا أنّه وبحسب إفاداته، وإفادات الفنان أحمد المصطفى، أنّ الأخير عثر على أسطوانة موسيقية فيها جُمل موسيقية، تمّ الاعتماد عليها في وضع لحن أغنية "الوسيم القلبي رادو". لكن في كل الأحوال، فإسهام موسى محمد إبراهيم في أمرين: في توليد لحن للأغنية، اعتمادًا على المقطوعة الموسيقية التي تنتمي إلى أمريكا اللاتينية. والأمر الثاني، في توزيعها بالطريقة التي ظهرتْ بها. وفي المقدمة الموسيقية الأساسية بآلة البيكلو التي تبتدئ بها الأغنية. وهي من بنات إلهام وعبقرية موسى محمد إبراهيم الموسيقية.
من إبداعات الموسيقار موسى محمد إبراهيم، أنّه مجوّد لما يقوم من أعمال موسيقية، وفي التفاني في عزف الآلات الموسيقية التي اجترح عزفها، وساهمت نجاحاته فيها، في أنْ يحمل الراية من خلفه كثيرين في آلات جديدة على الأوركسترا السودانية، مثل آلة البيكلو.
اقرأ/ي أيضًا: "بلد النساء" في اعتصام القيادة
أيضًا للموسيقار موسى محمد إبراهيم جوانب أخرى بجانب التأليف الموسيقي واللحني، وهو تدريس الموسيقى، وتحديدًا آلتي البيانو والبيكلو، ومادة الصولفيج، وتدريس النوتة الموسيقية. الاندغام في مجال الأكاديميا الموسيقية، بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح عقب إنشائه، وكذا سلاح الموسيقى بعد إنشائه مستقلًا بداية السبعينات، هو ما وضع أرضيّة فيما بعد للموسيقار موسى محمد إبراهيم في تأليف المقطوعات الموسيقية، حيث ألّف أكثر من عشر مقطوعات موسيقية، أدخل فيها بشكلٍ احترافي آلات موسيقية جديدة وغير متعامل بها في أوركسترا الإذاعة.
موسى محمد إبراهيم محطة رئيسية في تاريخ الموسيقى والغناء في السودان
الآلات الموسيقية ومعرفتها، ودراستها، وتدريسها فيما بعد، ظهر جليًا في تجربة الموسيقار موسى محمد إبراهيم، وكذا تأليف الموسيقى، وتأليف الأغنيات، شكّل ومضةً مختلفةً في تجربته، للدرجة التي لا يصلح كتابة تاريخ الموسيقى والغناء في السودان، دون المرور بمحطةٍ اسمها: موسى محمد إبراهيم. وبالمقابل، فإنّ إضافاته في الموسيقى العسكرية، من مارشات وغيرها، لا يصلح كتابة تاريخ الموسيقى العسكرية في السودان، دون المرور بمحطةٍ اسمها: موسى محمد إبراهيم.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.