غناء "الراب" في السودان.. ألحان على إيقاع الثورة
9 يناير 2020
صار عاديًا أنْ تسمع عبر صفحات التواصل الاجتماعي، أو الفضائيات المحلية، لأغنيات من نوع الراب. وهو ما كان محصورًا في الفترة الماضية في نطاقات ضيّقة، وفي مجموعات اجتماعية ضيقة. والشاهد أنّ غناء الراب وجد مساحةً واسعة من الذيوع والانتشار، ضمن أنماط فنية أخرى، في ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018، بدءًا من الترويج للمواكب والفعاليات الاحتجاجية، وليس وانتهاءً باعتصام القيادة العامة، في نيسان/أبريل 2018. فما هو سبب هذا الذيوع؟
بدأ الراب في السودان، في التسعينيات، عبر شباب تأثروا بمغنيّي الراب حول العالم، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية
عبد القادر إبراهيم، المشهور بـ"قدّورة"، والمتأثر بمغني الراب الأمريكي (Eminem) ، أحد مغني الراب الشباب السودانيين، ويجمع بين غناء الراب ومهنة الطب، قال بأن الراب في السودان، بدأ في التسعينيات، عبر شباب تأثروا بمغنيّ الراب حول العالم، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، وتدور موضوعاته- في غالبها- عن معاناة الشباب السوداني، اجتماعيًا وسياسيًا، وكان الاهتمام به في نطاق محدود، ربما لحاجز اللغة، أو النمط.
اقرأ/ي أيضًا: فرصة حمدوك التاريخية لقيادة تحول ديمقراطي راسخ
ويُعرف الراب أو الرايمينج، بأنه أحد فروع ثقافة الهيب هوب، وهو التحدث وترديد الأغنية بقافية معينة، وتسليم القوافي والتلاعب بالألفاظ، حتى تتماشى مع القافية دون الالتزام بلحن معين. وانتشر في بداية السبعينيات في حي برونكس بولاية نيويورك، على أيدي الأمريكيين الأفارقة، كما انتشر عالميًا منذ بداية التسعينيات.
كما إن للراب عناصر يقوم عليها، مثل: منسق الأغاني، وهو ما يُطلق عليه الدي جي (DJ)، ومغني الراب، وراقص البريك (Break Dancer)، والرسم على الجدران، وهو ما شاع باسم الجرافيتي.
ويرى قدورة في حديثه لـ"الترا سودان"، أنّ المنصة الاحتجاجية، هي ما اعتمد عليها الراب السوداني في ذيوعه إبّان الاحتجاجات في السودان، منذ أيلول/سبتمبر 2013، وما قبلها، والتي أفضت مستقبلًا لثورة كانون الأول/ديسمبر. حيث أخذ الراب سمة الاحتجاج التي نشأ عليها، و"كان أحد الوسائل الملهمة للاحتجاج، خاصة عند فئة الشباب" يقول قدورة.
ويقول قدورة أن أغاني الراب كان لها التأثير الإيجابي الكبير في التوعية بحال البلد، خصوصًا فترة الثورة، ويضرب في ذلك المثل بأغاني "(جنجويد رباطة) لمغني الراب الأشهر أيمن ماو، و(سودان بدون كيزان)، لمغني الراب السوداني AG." يضيف قدورة.
ويذكر المهتمون بأغنيات الراب، أنّ أول فرقة أدت الراب كان اسمها (BORN IN BLACK)، وبعدها ظهرت العديد من الفرق مثل: (The Circle)، وفرقة (K-town Rappers)، التي كان قدورة في عضويتها، وأصدرت عددًا من الأغنيات، واشتركتْ في عدد من المهرجانات.
العديد ممن شاركوا في الثورة السودانية يذكرون الاستقبال الحافل، للمغني أيمن ماو، في ميدان اعتصام القيادة العامة، عقب عودته السودان. والاحتفاء الكبير الذي قُوبل به، وترديد الآلاف لأغنياته معه.
اقرأ/ي أيضًا: ستموت في العشرين "غريبًا"
محمد غُلامابي، المهتم بالفنون السودانية، يشير إلى أنّ الراب بالأساس هو حالةٌ احتجاجية، وبالتالي مفهومٌ كل ما يأتي من أشكاله، في الموسيقى والأداء، وحتى العبارات والألفاظ المستخدمة. ويضيف غلامابي في حديثه لـ"الترا سودان": "الراب في السودان، كان مدخله بذات الحالة الاحتجاجية، كان ذلك للاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية، أو السياسية".
ويستمر غلامابي: "ذيوع الراب في السودان في الفترة الأخيرة، ليس مرتبطًا فقط بثورة كانون الأول/ديسمبر، وإنّما بالجيل الذي ساهم في صناعتها، وهو نفس الجيل الذي انفتح على الراب، ويستمع له، ويُتابع المشهورين منه، مثل: أيمن ماو".
والجديد في حالة ذيوع الراب عند السودانيين، بحسب غلامابي، أنّه بدأ وسط الشباب من الطبقات الشعبية، وفي ذات الوقت عند الطبقات السودانية المرفّهة، بسبب نشأتهم أو مولدهم في البلدان الأوربية وأمريكا، أو العربية النفطية.
ويربط المهتمون انتشار غناء الراب في السودان، بالفترة التي سبقت انفصال جنوب السودان عام 2011، بقليل. وهي ذات الفترة التي شهدتْ انفتاحًا في العمل السياسي، عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا 2005)، وكذلك تصاعد العمل المدني، والذي تبلور بعد سنوات بحركات الاحتجاج التي قادتْ ما عُرف بانتفاضة أيلول/سبتمبر 2013. وهي ذات الفترة التي ظهرت فيها أغنيات على نمط الراي، لعدد من المغنين مثل: نووي، أبو النيز، وعثمان سيف، مغني الراب الأكثر شعبية في تلك الفترة.
وقبل تلك الفترة بقليل بدأتْ تجربة قدّورة مع غناء الراب، حيث بدأ وقتها كتابة الأغنيات، وأنتج فيها ألبومه الأول، وكانت أغنياته تدور حول مشكلاته الشخصية، وكيفية التعايش مع كونه طبيبًا ومؤدي راب في ذات الوقت، بالإضافة لقضايا المجتمع السوداني، وتأثيرات السياسة عليه، مثل: (She Broke my Rib)، و(Moods). ويذكر قدورة بعض الفتيات، المؤديات لغناء الراب، مثل: سارة، ورنا بدر الدين، ومروة.
افردت المجموعات السياسية مساحةً للراب في أنشطتها. وكذلك الشركات التجارية، التي صارت تُصمم إعلاناتها التي تُروّج لمنتجاتها عبر أغنيات الراب، أو تستخدم صورًا لمغنيي الراب
ويقول غلامابي أن الراب وجد مساحات واسعة من الانتشار والتقبل، حد أن المجموعات السياسية، والشركات التجارية، انتبهت له وأخذت تتوسّل عبره للترويج لنفسها. وفي ذلك صار مفهومًا أنْ تُفرد المجموعات السياسية مساحةً للراب في أنشطتها. وكذلك الشركات التجارية، التي صارت تُصمم إعلاناتها التي تُروّج لمنتجاتها عبر أغنيات الراب، أو تستخدم صورًا لمغنيي الراب، وأصحاب التجارب الغنائية الحديثة للترويج لمنتجاتها، كما في حالة المغني أحمد أمين، الذي ذاع صيته في الفترة الأخيرة، بأغنياته التي انفعلتْ بثورة كانون الأول/ديسمبر، وفي أحداثها اللاحقة.
وكما أنّ الهيب هوب، والراب، ظهرا باعتبارهما وسيلةً احتجاجية، ورد فعل وسط السود من الأمريكيين، لما تعرضوا له من عنصرية، ومشكلات مجتمعية مثل الفقر والظلم والتمييز، وبعدها صار فنًا وثقافة عالمية؛ نشأ في السودان لذات الأسباب السابقة، وتم استخدامه كوسيلة ومُعبّر عن الاحتجاج، والثورة فيما بعد.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.