راصد

صحف السودان.. ما يريده الأمن!

1 September 2015
2_7.jpg
إعلان في الخرطوم (الترا صوت)
محفوظ بشرى
محفوظ بشرىكاتب وصحفي من السودان

في أيار/مايو الماضي، أقدم جهاز الأمن السوداني، على طباعة وتوزيع عدد قديم، من صحيفة "الميدان" لسان الحزب الشيوعي، "من أجل إيهام القراء بأنها لم تلتزم بقرار الإضراب" المعلن منها احتجاجًا على القيود الأمنية المفروضة على الصحف، وفقًا للصحيفة.

قام الأمن السوداني بطباعة وتوزيع عدد قديم من "الميدان" للإيهام بأن الصحيفة لم تلتزم بالإضراب

كان ذلك المشهد العبثي، ذروة مسرحية متعددة الفصول عنوانها "علاقة جهاز الأمن بالصحف في السودان"، فبعد حرية قصيرة عقب توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، استعاد جهاز الأمن قبضته على صحف السودان مع تداعيات إصدار المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال بحق الرئيس البشير 2009، ثم زادت تلك القبضة إحكامًا بعد انفصال جنوب السودان 2011.

اليوم، يبدو وكأن جهاز الأمن السوداني "يدير" الصحف، فهو السلطة الأعلى في السودان عليها، وليس "مجلس الصحافة"، إذ إن الأمن يصادر، ويوقف، ويغلق الصحف دون الحاجة لتبرير كل ذلك، وهو من يمنع الكتاب، ويقاضيهم.

وفوق ذلك، يضغط الجهاز على الصحف لنشر أخبار "مفبركة"، مأخوذة من واجهات إعلامية ووكالات أنباء وهمية يديرها، مستفيدًا من الثقة النسبية التي يوليها القارئ للصحف المستقلة، "للطعن في أعداء الحكومة وتشويه صورتهم، وإثارة البلبلة في تنظيماتهم" بحسب ما يعدِّد حسن حميدة، رئيس قسم الأخبار في صحيفة "اليوم التالي" السودانية، من أسباب لجوء الأمن لهذا المسلك. ويضيف حميدة، الذي تعرض للمساءلة الأمنية بسبب إفصاحه صراحة في خبر منشور عن علاقة إحدى الوكالات بجهاز الأمن؛ أن "طمأنة المواطنين حال نشوب أزمات اقتصادية" تقع، كذلك، ضمن أهداف نشر هذا النوع من الأخبار.

ويدل على تغلغل الأمن في مشهد الصحافة الورقية في السودان، ممارسة عدد من أفراده الكتابة الراتبة في الصحف، بوصفهم "صحفيين"! في حالة يصفها الكاتب الصحفي، عثمان شبونة، بأنها "تتجاوز مرحلة الانتحال إلى الصفاقة"، إذ إن رسالة رجل الأمن، بحسبه، غير رسالة الكاتب، كون جهاز الأمن "ألد أعداء الحرية والحقيقة". ويصف شبونة، الذي ظل يتعرض للملاحقة الأمنية بسبب كتاباته، بعض أفراد الأمن الذين يكتبون في الصحف بأنهم "متطفلون على المهنة وأصحاب أغراض لا تمت للمصلحة العامة"، ويشرح ذلك بأن "الكتابة تحتاج إلى ذات تؤمن برسالتها لصالح البشرية وهو ما لا يتوافر لأفراد الأمن"، الذين نعتهم بـ"أعداء الكتابة والحقيقة والإنسانية والرب".

ما الذي يريده جهاز الأمن، وخلفه الحكومة، من الصحف؟ هو لا يريدها ناطقة باسمه صراحةً كما هو واضح، وتجاوزت، في السودان على الأقل، مرحلة العداء الكلاسيكي بينهما بحسبان أنهما، الصحافة والأمن، يمضيان في خطين متوازيين عندما يتعلق الأمر بمفاهيم السلطات القابضة ونظرتها لفعل التنوير.

في رأي الفاتح وديدي، الذي عمل محرراً أوَّل بعدد من الصحف، تبدو الوصفة الناجعة بالنسبة للسلطة كي ترضى عن صحيفة ما، هي أن تكون "مهادنة، مدجنة، انصرافية، غير مشاغبة، صفراء، مثيرة للجدل ولكن بحذر"، إذ يرى وديدي أن الشمولية في السودان "ذات فرادة"، كونها "تجمع بين الاستبداد والشعارات الدينية"، وهو ما يحجِّم برأيه من فرص "الصحافة الصفراء الفاقعة على غرار الباباراتزي" لأن المطلوب "هو ما يجمله الناشرون في وصفة الجيمات الثلاث، جريمة وجنس وجن، لكن.. بحذر".

بين المناوشات المستمرة من الأمن للصحفيين والتضييق عليهم، وضغطه اقتصاديًا على الصحف التي لا يديرها مقربون إليه، في ظل ارتفاع تكاليف صناعتها، لا يبدو أن ثمة صحفًا ترغب في إغضاب المؤسسة الأمنية القوية وهي تنظر إلى ما حاق بصحف "خرجت عن الطوع" من ضيق يكاد يحيلها إلى الإغلاق التام، ومصادرات توشك على إخرجها من السوق، كحال صحيفتي "الأيام" المستقلة، و"الميدان" الشيوعية. ففي النهاية لا يخرج عمل الصحافة لدى اكثر الناشرين من خانة "البيزنس"، وهو ما يجعل الأصوات المحتجة لبعض الصحفيين تتلاشى تحت ضغط الواقع.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الشارع السوداني لإعلامه.. أين المؤامرة؟!

صحافة السودان.. آه يا أمن

 

 

الكلمات المفتاحية

احتفالات المواطنين.png

السودان.. احتفالات واسعة باستعادة سيطرة الجيش على مدني

صخب كبير سيطر على معظم مدن السودان جراء تمكن الجيش السوداني والقوى المتحالفة معه، اليوم السبت، من بسط سيطرته على مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة


الفنان الراحل آدم الشين.png

الفنان "آدم الشين".. ورحل صوت الفاشر العذب

نعى مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي الفنان الشاب آدم عبدالله يحيى، الشهير بـ "آدم الشين"، الذي كان يتغنى بالتراث الدارفوري الأصيل


السودان على مواقع التواصل 2024.png

تريند السودان 2024.. ذاكرة المأساة على مواقع التواصل

عندما ابتلعت مياه الفيضان في طوكر معالم المدينة، ووصلت المياه إلى مستويات عالية لا تسمح للمارة بالسير، قطع الطبيب مدثر أحمد طريقه إلى المشفى سباحة


دينق قوج.jpg

في رحيله.. محبة دينق قوج توحد السودانيين والجنوب سودانيين

مع اندلاع الحرب في السودان وبداية لجوء السودانيين إلى جنوب السودان، كان دينق قوج من أبرز القادة الجنوب سودانيين الذين عملوا على تيسير وصول اللاجئين من الحرب في السودان إلى مناطق آمنة في البلد الشقيق

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert