حوار | حاتم إلياس.. ثورة على تراث البوليس الثقافي
18 يناير 2025
منذ تعيينه في العاشر من شباط/فبراير الماضي، في منصب الأمين العام لمجلس حماية حق المؤلف، والحقوق المجاورة، والمصنفات الفنية والأدبية، وحتى الخميس الماضي، أصدر حاتم إلياس، عددًا من القرارات.
كان الحظر يتم بطرائق مضحكة في أحايين كثيرة. الحظر يبدأ من العنوان. هل تتخيّل أن كتابًا يتم حظره فقط لأن عنوانه: موعدٌ في المساء
أكثرها لفتًا لاهتمام المهتمين بالتأليف والكتابة والتفكير في السودان، قراراتٍ ثلاثة: إلغاء حظر جميع الأعمال السردية السودانية، التي تمّ حظرها في عهد الإنقاذ المخلوع. وثانيًا: السماح بتداول ونشر مؤلفات محمود محمد طه، زعيم الحزب الجمهوري الذي أعدمه الرئيس المخلوع الأسبق جعفر النميري (أيار/مايو 1969 – نيسان/أبريل 1985) في أواخر أيام حكمه، قبل خلعه. وثالثًا: حل اللجان التي كان يستعين بها مجلس المصنفات الفنية والأدبية في حظر الكتب.
اقرأ/ي أيضًا: نور الهدى و"دار عزة".. ثلاثة أولاد و579 كتابًا
وقالت الأمانة العامة لمجلس المصنفات الأدبية والفنية في بيانٍ لها بأنّ حظر الأعمال اعتمد على إسقاطٍ سياسي على المؤلفات أو كاتبيها، واعتمدت على مواقف لا علاقة لها بالمعايير الإبداعية وشروطها، وفي ذلك مخالفة صريحة لقانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة والمصنفات الأدبية والفنية لسنة 2013. المؤلفات التي تمّ حظرها طوال الثلاثين عامًا هي سنوات حكم الإنقاذ، تجاوزت العشرات إلى المئات. ويصفها حاتم إلياس بالكثيرة جدًا، ويقول لـ "ألترا سودان": "الكتب التي وجدتها محظورة امتلأ بها مخزن المجلس الكبير عن آخره. ويغلب على المحظور السياسي أكثر من الأدبي".
يضيف حاتم إلياس، مدللًا على أنّ حظر الكتب والمؤلفات كان لأسباب فيها من الغرابة ما فيها: "الحظر يتم بطرائق مضحكة في أحايين كثيرة. الحظر يبدأ من العنوان. هل تتخيّل أن كتابًا يتم حظره فقط لأن عنوانه: موعدٌ في المساء". يعتقد حاتم إلياس أنّ مجلس المصنفات الفنية والأدبية كان طوال حكم الإنقاذ أداة قمعٍ غير واعية، وأنّ الإنقاذ استخدمت المثقفين ضد بعضهم البعض. وإنّ تقارير حظر الكتب ما كان يقوم بها موظفو الدولة، بل المثقفون أنفسهم. يفسّر حاتم: "المثقفون هم من قاموا بهذه المجازر، وليس الموظفين. وللأسف مثقفون بطشوا بمثقفين". ويصف حاتم إلياس هؤلاء المثقفين الذين تعاونوا مع الانقاذ بأنّهم: "أعلنوا أنفسهم تعبيرًا سلطويًا مباشرًا للثقافة. وكانوا ممثلين للسلطة".
فك الحظر عن مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه، قابله العديدون باحتفاء جيد. بسبب كونها واحدة من الكتب التي لم يختلف حالها عن صاحبها وحزبه السياسي من بعده، لكنها وبعد منعٍ وحظرٍ تجاوز الثلاثين عامًا تجد طريقًا للسماح. وبرأي حاتم إلياس، الأمين العام الجديد، لمجلس المصنفات الفنية والأدبية: "السماح لكتب محمود محمد طه، من أكبر انتصارات الثورة، ومن انتصارات الدولة المدنية الحديثة، في الوقت الذي يُعاد فيه طرحه ضمن المجددين في الفلسفة الإسلامية في الأردن والمغرب عبر المدارسات والندوات. مثلًا سمير أمين الماركسي المصري أشار إلى محمود محمد طه".
اقرأ/ي أيضًا: فرانسيس دينق.. خمسة عقود في ملاحقة سؤالات الهُوية
ويتوغّل حاتم إلياس في تفسير قمع الإنقاذ كنظام سياسي للكتابة والتفكير والتأليف، بكون الإنقاذ نفسها غير مثقفة. ولم تكن مشروعًا ثقافيًا. بل إنّ ما أسمته الإنقاذ مشروعًا حضاريًا بحسبه، "ليس مشروعًا ثقافيًا، وإنما كان استثمارًا في الخطاب الديني، لدرجة تكريه الناس في الدين نفسه".
وشهدت الأوساط الفنية والثقافية والفكرية السودانية، طوال حكم الإنقاذ الذي امتدّ لثلاثة عقود، أسوةً بأوساط الفاعلين السياسيين، قمعًا ممنهجًا، وعنفًا ليس له مماثلٌ في تاريخ الدولة السودانية الحديثة. وشهدت بدايات التسعينات وما بعدها نزيفًا حادًا للمبدعين السودانيين، وكذا هجراتٍ محمومةٍ لمئات الأسماء التي كانت فاعلةً في مشاهد الأدب والتفكير والسياسة. لكن حاتم إلياس يُقرّر بأنّ معاداة الإنقاذ للمثقفين وأصحاب التفكير وقمعهم هو ذاته السبب الكبير الذي أدى فيما بعد لسقوطها. "المثقفون هم من قاد المظاهرات، وهم من سعّر جذوتها بالهُتاف. فالخطاب الذي كان محرّضًا للثورة كان ثقافيًا، ولم يكن سياسيًا محضًا".
يُخطط حاتم إلياس، فيما تبقى من الفترة الانتقالية لحكومة ما بعد الثورة، أنْ يُعيد تشكيل اللجان التي تعمل بمجلس المصنفات الفنية والأدبية، بجانب صياغة قانونٍ جديدٍ للمصنفات. ويقطعُ بأنّ أي مؤلّفٍ وكتاب مسموحٌ له بالنشر، وليس من سببٍ يُبرّر الحظر، إلا إثارة الكراهية والعنصرية والدعوة للعنف.
حاتم إلياس: من العيب على الثورة أن تظل كتب محمود محمد طه مطاردة وممنوعة من أخذ الصفة القانونية
ويمضي بأنّ المصنفات "يجب أن تشجع الدعوة للكتابة والتأليف والفكر، وأن تكون حامية له، ولحق المؤلف ماديًا وأدبيًا. وألا تتحوّل إلى بوليس ثقافي". ويعتقد حاتم إلياس بأنّ أي شخص إذا رأى في الأفكار التي يحويها كتاب أو مصنّف أنها لا تتوافق معه أو تهدده فالأفضل أن يذهب إلى المحاكم والقضاء، وليس إلى مجلس المصنفات الفنية والأدبية، ذات الطابع الإجرائي. ويختم: "من العيب على الثورة أن تظل كتب محمود محمد طه مطاردة وممنوعة من أخذ الصفة القانونية".
اقرأ/ي أيضًا:
محمد جمال الدين.. رجّ المقدّس في غناء الحقيبة
فضيلي جمّاع.. المشي على حبل الكتابةِ المشدود
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.