حنين الخرطوم
23 مايو 2018
في كانون الثاني من عام 2010، سافر صالح إلى الخرطوم وفي حقيبته هدايا رمزية، عربونًا لطيبة السودانيين. في أم درمان، استنشق صالح رائحة الضيافة بمصراعيها، أين وجد صديقه منصور بعباءته السودانية الناصعة ينتظره في بهو المطار الدولي. كم هو جميل لقاء الأحبة بعد عام من الفراق.
- أهلا بالصديق الجزائري صالح! النيلان الأزرق والأبيض يرحبان بك.
- السلام عليك يا أخي منصور! اشتقت إليكَ وإلى تربة السودان.
أقلَّتهما سيارة أجرة إلى بيت منصور المتواجد في "شارع الموردة".
أثلجت بسمات أبناء منصور الثلاثة صدر صالح حين دلف منزل المضيف، الذي بدا له بسيطًا، مريحًا وواسعًا. منزل متكون من أربع غرف وقاعة ضيافة ومطبخ. كان منصور قد جهَّز حجرة صالح قبيل مجيئه بأسبوع. بقي على موعد الغذاء ساعتان، فاستراح صالح في غرفته، مستلقيًا على فراش ناعم وُضع على الأرض. بدأت روائح الطهي الشهية تَرِدُهُ إلى مبيته، ولكن لا صوت يُسمع لربة البيت! بين الفينة والأخرى، يسمع دعابات أولاد منصور (طفلان وطفلة) القادمة من الفناء...
خرج منصور لشراء أغراض منزلية. عطش صالح ونادى على مضيفه طلبًا للماء. وبعد برهة من الزمن، دخلت إلى غرفته زوجة منصور بكوب من الماء.
- زوجي غائب، تفضل سيدي.
أخذ صالح الكوب فالتقت نظراته مع عينيها عند انحنائها ثم استرق نظرة إلى صدرها المكتنز الذي تدلى كعناقيد العنب من الكرمة!
ارتبك لجمالها، فشكرها على عجل، ثم عادت إلى المطبخ، محرجة إلى أبعد الحدود. أما الأولاد فكانوا يمرحون خارج المنزل مع بقية أطفال الجيران.
بعد أربعين دقيقة، عاد منصور من "سوق الموردة" العتيق مشيًا على الأقدام نظرًا لقربه، متفاديًا امتطاء "الطرماج". وَضَعَ منصور خضروات مزارع "توتى" الطازجة في المطبخ ثم أطلّ على ضيفه صالح، حيث وجده شارد الذهن.
- هل ارتحت من سفرك يا الأخ صالح؟ ما بك؟
- لا شيء. تذكرت مبارة كرة القدم العام الماضي بين الجزائر ومصر.
- لقد قمتم بإنزال جوي في أم درمان! حتى أنكم أرعبتم إسرائيل!
-الجزائريون ممتنون لكرم السودانيين.
بَرَقَتْ صورة زوجة منصور في مخيلة صالح لربع ثانية، نادمًا في أعماقه على طلب الماء في أرض الطيب صالح! اعتبر رؤية ثديَي زوجة مضيّفه الطيب خيانة كبيرة، ولو عن غير قصد، فالتفاحة هوت على فمه بسبب قانون جاذبية الأرض لنيوتن!
احتار منصور من سلوك صاحبه الذي بدا غير طبيعي، فلم يتركه هكذا. "هل تضايق من شيء ما؟" تساءل في نفسه. لرفع الحرج عن ضيفه، قال له:
- اليوم ستتذوق المأكولات السودانية: "الضلع" و"عصيدة الدخن" و"شوربة الكوارع".
- هذا خير كثير أخي منصور. وقوفكم إلى جانب الجزائريين شرف لكم.
- أتعرف يا صالح، حمى التوريث "المُبَارَكِي" في أم الدنيا كانت سبب الاعتداء على وفدكم الرياضي الأعزل في القاهرة. أهناك عار أكثر خزيًا من هذا؟
مرة أخرى، راودت فِكر صالح صورة حرم منصور، فأضمر لنفسه عارًا أكبر من كسر زجاج حافلة وقطرات دم! فقميص صالح قُدَّ من قُبل! ولكن ما بوسعه أن يفعل في لحظة غواية مفاجئة. صبّر نفسه أنّه لم يمسسها، أما العين فلم تقاوم ثديين على طبق!
- ما أظن نظام مبارك باق إلى الأبد، قال صالح بعد هبوطه من غيوم التيه المؤقت.
- جليد الطغيان سيذوب يوما ما تحت أشعة الحق. حسنًا، هل تزوجت أم ليس بعد يا صالح؟
ابتسم الشاب الجزائري، مازحا إياه:
- لم أجد بعد المرأة المناسبة في الجزائر. فقلب المرأة يعشق الذهب قبل الحبيب!
- فاتخذها سُودانية، فحبها من ذهب! داعبه منصور.
فكّر صالح مليًا في الأمر، مستذكرًا حسناء البيت. لعله سيظفر بمثيلاتها. ثم أردف:
- وأين سأجدها في السودان؟
- سأعرض على أخت زوجتي حاجتك يا رجل!
انتاب صالح سرور داخلي حتى فاض على وجهه. الزواج نصفه قَدَرٌ ونصفه الأخر عَجَلٌ!
- هذا يشرفني أن أصاهر البلد الطيب السودان. آه، ماذا يفعل الجلد المنفوخ بالأقدار!
ملأ الابتهاج منصور لقبول اقتراحه. نهض وصاح بصوت جهور:
- عجِّلي بالطعام يا امرأة. صهرنا صالح جائع!
تبادل صالح ومنصور القهقهة، ثم دخلا إلى قاعة الضيافة لتناول الغذاء السوداني الشهي رفقة العائلة الصغيرة...
وفي غضون أسبوع التقى صالح بالمرأة التي اختارها له منصور، شقيقة زوجته، اسمها أم كلثوم، وهي في مقتبل العشرينات تدرس الأدب العربي. كانت في غاية الجمال، سمراء البشرة. التهب وجدان صالح حين رآها لأول مرة في بيت منصور.
مكث صالح شهرًا كاملًا في أم درمان، وكأنه لبث فيها يومًا واحدًا لكثرة ملازمته لأم كلثوم. تعرف عليها أكثر، وأطلعته على يوميات السودان العريق وتقاليده. في المطار، ذرف صالح وأم كلثوم الدموع على الفراق، واعدًا إياها بالعودة في شباط لعقد قران الزواج في السودان.
وعند وصوله إلى الجزائر، صُدم عندما علم من أحد أصدقائه أن خطيبته الجزائرية حامل في شهرها الثاني! فأمرت العدالة بالزواج منها لكونه الأب الحقيقي للجنين! كانت الفضيحة في انتظاره في الجزائر. وماذا عن حسناء أم درمان؟ هل من خبر يقين؟
الهدهد دوَّن في تقريره السوداني:" انتحار شابة عزباء وحامل في شارع الموردة بأم درمان مطلع 2011".
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.