مجتمع

"حفرة الموية".. الخرطوم تعود مائة عام إلى الوراء

13 فبراير 2025
العاصمة القومية الخرطوم.png
العاصمة الخرطوم
محمد حلفاويصحفي سوداني

يطلق مدنيون عالقون بين نيران الحرب في أحياء الديوم الشرقية والغربية وسط العاصمة الخرطوم، على موقع يوفر مياه الشرب بشكل يومي "حفرة الموية". تقع "حفرة الموية" تحت أسفل بناية، والسبب في ذلك يعود إلى أن المواطنين الذين يعيشون بين نيران المعارك والمناطق الساخنة، خاصة الخرطوم، يحصلون بشق الأنفس على المياه، وقادتهم الصدفة إلى اكتشاف المكان الذي وفر الحل للمئات من سكان الحي.

انقطعت المياه والكهرباء عن الخرطوم منذ عام ونصف، ويعيش المدنيون الحياة بشق الأنفس

انقطعت المياه والكهرباء عن الخرطوم منذ عام ونصف، ويعيش المدنيون الحياة بشق الأنفس، ولحقت بهما شبكة الاتصالات في شباط/فبراير 2024، لذلك يضطر المواطنون إلى تدبير شؤونهم بالاعتماد على القليل المتاح من هذه الخدمات، وسط مناطق تنتشر فيها قوات الدعم السريع الشهيرة بالبطش.

 تروي سوزان التي بقيت في منزلها في الخرطوم لعام ونصف، مع استمرار الحرب، قصة "حفرة الموية" في أحياء الديوم، بحيث اعتادت على تدبير شؤون عائلتها بجلب المياه في الصباح الباكر من هذا الموقع، أو الشراء من العربات التقليدية "الكارو".

تقع "حفرة الموية" أسفل عمارة في حي الديم، اكتشفها المواطنون عن طريق الصدفة، حيث شاهدوا المياه ترتفع من أسفل إلى أعلى من خطوط أنابيب قديمة للشبكة التي تقدم الخدمة، وفق سوزان. لا أحد يعرف مصدر المياه، لكنهم من يستفيدون من الخدمة المجانية، يقولون إنها تنساب عبر الشبكة القديمة التي تقع في العمق، الأمر الذي يساعد على انحدار المياه من منطقة إلى أخرى، حتى تصل إلى موقع "حفرة الموية".

تحول تقاطع باشدار في أحياء الديوم، والذي اشتهر بتوافد الشبان والفتيات لبداية حركة المواكب الاحتجاجية نحو القصر الرئاسي في قلب الخرطوم، قبيل اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، إلى سوق يرتاده المدنيون لشراء الخضروات والخبز، وتبادل المحافظ الإلكترونية مقابل النقود، بخصم يصل إلى 30%. أي بيع مائة ألف جنيه مودعة في المحفظة الإلكترونية بقيمة 70 ألف جنيه. ويضطر المواطنون لذلك، لأن هناك أزمة سيولة نقدية في الخرطوم، وأصبح السوق الموازي ينمو بقوة، مستغلًا غياب البنوك وقلة حركة الأموال المتداولة.

أما في محل تقديم خدمات الإنترنت عبر "ستارلينك"، فيقف المواطنون في بعض الأحيان في الطابور لتصفح الإنترنت مقابل ثلاثة آلاف جنيه للساعة الواحدة، ويتواصلون خلالها مع العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء، أو مجرد معرفة أخبار المعارك، وعما إذا كانت الحرب قد اقتربت على النهاية.

يتجنب مرتادو محلات الإنترنت الفضائي الخوض في أخبار المعارك العسكرية أو أخبار قوات الدعم السريع، لأن جنود حميدتي ينتشرون قرب المحال التجارية، وأغلبهم يعمل في هذا السوق بشكل أو بآخر، حتى بيع السيولة النقدية يتم تحت إشرافهم وتغذية الأسواق العاملة بالأوراق النقدية.

أزمة السيولة النقدية تعود إلى توقف البنوك في الخرطوم منذ عام ونصف، وعدم وجود حركة مصرفية منظمة لضخها في الأسواق، إلى جانب عدم وجود معايير بشأن الاقتصاد في مناطق سيطرة الدعم السريع، التي تعثرت في إنشاء سلطة سياسية واقتصادية.

من شوارع كانت تضج بحركة السيارات والمواطنين، إلى منطقة بالكاد يصل إليها المئات خلال اليوم لشراء الضروريات والاحتياجات، هكذا بدت مناطق الديوم والصحافة بعد (18) شهرًا من الحرب، وسيطرة قوات الدعم السريع على غالبية مساحة مدينة الخرطوم.

يمتد الشارع الرئيسي من الصحافة قرب الميناء حتى عتبة القصر الرئاسي، وتسيطر قوات الدعم السريع على هذه المسافة بالكامل، بحيث تنتشر فيها مع تقدم طفيف للجيش من ناحية القيادة العامة.

المحلات المزدهرة والمخابز والشركات والعيادات العلاجية، توقفت عن العمل منذ الأسبوع الأول للقتال منتصف نيسان/أبريل 2023، ولا توجد آمال في عودتها قريبًا مع انتشار قوات حميدتي، حيث يشك المدنيون في نواياها طيلة الوقت، ولا يمكن الحصول على ضمانات بعدم تعرضها للمواطنين. تقول سوزان، وهي تعبر عن حزنها لتوقف الحياة في الخرطوم، المدينة التي ترعرعت فيها منذ طفولتها.

تعكس روايات سوزان تحول حياتها في مدينة كان السخط الشعبي يتصاعد فيها عند انقطاع الكهرباء، واليوم تذهب إلى سوق صغير لشراء بضعة شموع للحصول على الإنارة في الظلام مع انعدام الكهرباء، والمطالبة بها نوع من الترف في هذا الوقت

المرة الأولى التي شاهد فيها سكان هذه الأحياء توقف حركة الشارع كانت صباح الثالث من حزيران/يونيو 2019، حينما انتشرت قوات الدعم السريع بالتزامن مع فض اعتصام القيادة العامة، الذي أدى إلى مقتل مئات المتظاهرين السلميين. شكل حميدتي تحالفًا مع قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في ذلك، قبل أن يتحولا إلى خصمين لدودين منذ عام ونصف.

تقول سوزان: "في ذلك اليوم شعرنا بالرعب مع انتشار قوات الدعم السريع وعناصرها المدججة بالسلاح تضرب المواطنين بالسياط، وتطلق الرصاص على المارة في الشارع في وقت مبكر من الصباح. لم نكن نعتقد أن ما حدث كان مقدمة للحرب التي أفرغت العاصمة من الحياة".

تعكس روايات سوزان تحول حياتها في مدينة كان السخط الشعبي يتصاعد فيها عند انقطاع الكهرباء، واليوم تذهب إلى سوق صغير لشراء بضعة شموع للحصول على الإنارة في الظلام مع انعدام الكهرباء، والمطالبة بها نوع من الترف في هذا الوقت. "نحن عندما نحصل على مياه الشرب لا نتمنى أكثر من ذلك"، تضيف هذه الفتاة.

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert