مجتمع

"حضانة للبيض فقط".. لعنة التمييز العنصري في لبنان تطارد طفلًا سودانيًا

23 يونيو 2018
ن_0.jpg
تعرض طفل سوداني لتمييز عنصري في لبنان أثار ردود فعل غاضبة (مواقع التواصل الاجتماعي)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

لا يكاد يعادل ممارسة العنصرية ضد السودانيين عمومًا في الوطن العربي، إلا شكواهم منها، فهي وببشاعة تلاحقهم عند غربتهم كثيرًا، وتسخر من أشكالهم وطبيعة الأعمال التي يقومون بها، إلى درجة مسيئة وجارحة. بينما ظلت لبنان تحديدًا تحت مرمى نيران السخط تلك، إزاء نظرتها للسودانيين، سواءً كان ذلك في درجة التقدير الرسمي أو المعاملة بصورة عامة.

رفضت حضانة في لبنان قبول طفل سوداني بسبب اعتراض بعض ولاة الأمور على إلحاق الطفل بسبب لون بشرته!

ولكن، هل لبنان بالفعل كذلك؟ تاريخيًا كانت بعض مواقف لبنان السياسية تجاه الخرطوم مثيرة للقلق، كونها الدولة الوحيدة التي رفضت انضمام السودان لجامعة الدول العربية آنذاك، أم أنها فرية لا أساس لها من الصحة؟ وحتى لا نقع في فخ التعميم: هل بعض، أو أغلبية سكان لبنان ينظرون للسودانيين نظرة استعلائية، أم أن السودانيين عمومًا يتعاملون مع الآخر بحساسية زائدة ويحسبون كل صيحة عليهم؟

اقرأ/ي أيضًا: متلازمات عنصرية الدراما العربية.. تنميط وإساءة للسودانيين

ثمة حادثة وقعت خلال الأسبوع الماضي في لبنان، أثارت ردود أفعال واسعة، كواحدة من حالات التمييز العنصري؛ إنها حكاية "رزق"، الطفل السوداني الذي يعيش مع والديه في لبنان، فبعد أن ذهبوا به إلى حضانة منطقة كسروان بجبل لبنان، فوجئوا برفض الحضانة استقبال صغيرهم بحجة لون بشرته، فما كان من والدته إلا أن عادت به وهي مكسورة الخاطر. 

انفجرت القصة الخبرية بعد طلب والدة رزق إلحاقه بتلك الحضانة القريبة من المنزل، فقامت إحدى أمهات الأبناء المحتضنين بالاعتراض، وتهديد إدارة الحضانة بالانسحاب الجماعي في حال قبول ودمج رزق مع بقية أطفالهم.

صاحبة الحضانة قامت على الفور بطرد الطفل السوداني دون ذنب جناه، ربما خشية من أن تفقد ولاة الأمور، وتتكبد خسائر مالية. ليس هنالك دافع قوي، على الأقل، يجعلها تضحي باستقرار حضانتها نظير موقف إنساني لا يعني لها شيئاً، كما يبدو.

لبنان الذي لجأ إليه والد الطفل رزق، لم يعد مؤخرًا يصلح مكانًا للعيش له ولأمثاله على ما يبدو، ومع ذلك وجد في مواساة زملائه بالعمل بعض السلوى، ما جعله يتخفف بعض الشيء من وطأة الشعور بالدونية، وقد وجد بالفعل ملاذًا لابنه في حضانة أخرى، علّها تخفف معانتهم الأسرية.

وبعد تصاعد ألسنة الدخان حول الحادثة، أصدرت وزارة الصحة اللبنانية بيانًا وجهت فيه إنذارًا خطيًا للحضانة، إثر "مخالفتها أبسط قواعد حقوق الإنسان والطفل"، وفقاً للبيان، الذي ذكّر الحضانات بضرورة احترام شرعة حقوق الطفل ورفض كل أنواع التمييز العنصري، ووضعها تحت طائلة الملاحقة القانونية. 

وقالت الوزارة إنها بصدد إجراء دورات توعية ضد العنصرية للأهالي الذين رفضوا دخول الطفل السوداني إلى الحضانة، فضلاً عن مساعدة عائلة الطفل لتخفيف معاناتها النفسية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية.

أثارت حادثة العنصرية ضد الطفل السوداني في لبنان ردود فعل على السوشيال ميديا، غاضبة من حالات التمييز العنصري المنتشرة في لبنان

لكن الأزمة لم تنته عند ذلك الحد، فقد تحولت قصة الطفل السوداني زرق إلى قضية رأي عام، سُكب حولها مداد كثيف، ونجمت عنها ردود أفعال شعبية ورسمية، بعضها حاول عزل تلك القضية باعتبارها لا تمت بصلة لأخلاق اللبنانيين واحترامهم وتقديرهم لبقية الشعوب، لكن أصوات أخرى، أشارت إلى حوادث كثيرة مسكوت عنها، لاحقت اللاجئيين من بعض البلدان الأفريقية بالتمييز العنصري .

اقرأ/ي أيضًا: العنصرية.. محنة الإنسانية المتجددة

فيما أخذت حادثة الطفل رزق منحى تصاعديًا، ودشن سودانيون وسم/هاشتاغ لقيَ رواجًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وحمل الوسم اسم "#طفل_سوداني_يتعرض_للعنصرية". ووجدت الحادثة رفضًا في محاولة لاستنكار مثل تلك التصرفات، وردها إلى الجهل بحقيقة الشعوب الأخرى، مع الخشية من أن تنتقل من حالات فردية إلى ظاهرة عامة، كما يحدث لبعض اللاجئيين السوريين في لبنان أيضًا وعواصم عربية أخرى.

سفارة السودان في لبنان خرجت عن صمتها بعد انتشار الموضوع إعلاميًا، وأصدرت بيانًا قالت فيه إنها تواصلت مع والد الطفل الذي أكّد الحادثة، معربةً عن أسفها لحدوث مثل تلك الممارسات في القرن الـ21، على حد وصف البيان المقتضب. وأدانت السفارة السودانية في لبنان ما وصفته بـ"المسلك العنصري المؤسف"، مطالبةً الجهات المعنية بالدولة اللبنانية، باتخاذ ما يلزم في مواجهة من تسبب في شرخ نفسي لأسرة الطفل.

وقفة أمام السفارة اللبنانية في الخرطوم، احتجاجاً على اعتداء عنصري بحق سودانيين في لبنان
وقفة أمام السفارة اللبنانية في الخرطوم، احتجاجاً على اعتداء عنصري بحق سودانيين في لبنان

وفي منتصف عام 2010، كان سودانيون مقيمون بصفة شرعية بلبنان، يقيمون احتفالاً خيرياً لمساعدة أحد الأطفال المصابين بالسرطان في بيروت، عندما اقتحمت مجموعة من رجال الأمن اللبناني دون سابق إنذار، مكان الاحتفال، واعتدت عليهم بالضرب والإهانة وتوجيه عبارات عنصرية، ومن ثم احتجازهم في سجن الأمن العام الكائن تحت الأرض عند جسر العدلية ببيروت. كادت تلك الواقعة أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين، حيث نظم النشطاء وقتها وقفة أمام السفارة اللبنانية في الخرطوم احتجاجًا على المعاملة الإساءة العنصرية للسودانيين في بيروت.

السفير اللبناني في الخرطوم وقتها، أحمد الشماط، حاول أن يعتذر بطريقة جلبت عليه الغضب بشدة، قائلاً، إن "الراهب كسوته سوداء وهي دليل وقار واحترام، وإن كسوة الكعبة سوداء وهي دليل الرهبة والإجلال، ولولا السواد ما سطع نجم ولا ظهر بدر في السماء، ولولا السواد لا سكون ولا سكينة وما حبة البركة السوداء إلا وهي أصل الدواء"! 

في 2010 تعرض سودانيون لحادثة اعتداء عنصري عليهم من قبل رجال أمن لبنانيين، الأمر الذي كاد أن يحدث أزمة دبلوماسية بين البلدين

ورغم أنه لا تتوفر إحصائية رسمية عن أعداد السودانيين في لبنان، إلى أن أغلبهم يعبرونها في طريقهم إلى أوروبا أو أستراليا بحثاً عن الخلاص، ومسارات الهجرة غير المنظمة.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. "مرصد العنصرية" يرصد ما تغفله الدولة

العنصرية في السودان.. قبائل بهويات تائهة

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert