مجتمع

جدل التماثيل و"الأصنام" في السودان.. من حطم نصب شهيد الثورة؟

25 September 2019
image
تمثال الشهيد عبدالعظيم أبوبكر (فيسبوك)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

في شارع الأربعين، أحد أكبر وأعرق شوارع مدينة أم درمان في ولاية الخرطوم، تجمّع رهط من الثوار لنصب تمثال من الحديد والجبص، للشهيد عبدالعظيم أبوبكر وهو يشهر علامة النصر، عندما وثقت الكاميرات حينها مقتله بالرصاص.

رفض بعض الأهالي نصب تمثال لأحد شهداء الثورة السودانية بزعم أنه من مظاهر "الشِّرك" ما أثار جدلًا كبيرًا وردود فعل غاضبة

لكن أزمة اجتماعية ودينية نشبت على إثر ذلك، إذ رفض بعض أهالي الحي نصب التمثال، وتم تحطيم قاعدته بزعم أن التمثال من مظاهر الشِّرك، ما أثار ردود أفعال كبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: جداريات الثورة السودانية.. الخرطوم تحتفي بشهدائها

وانقسم أهالي حي العباسية الذي سقط فيه عبدالعظيم مضرجًا بدمائه أيام الاحتجاجات الأولى؛ ما بين مؤيد ورافض لنصب التمثال. وقال بيان صدر عن لجنة المقاومة بالحي، تلقى "الترا صوت" نسخة منه، إن "أحد تجار الدين استقطب قلة من ضعاف النفوس لمنع تنصيب التمثال، وأدخل الناس في فتنة"، على حد تعبير البيان، بينما ذرفت وزيرة الشباب والرياضة، ولاء البوشي، الدموع أمام التمثال الذي فشلت محاولات تنصيبه.

جدل التماثيل و"الأصنام"

وعلى الرغم من أن المجموعات السلفية لم تعلق على الحدث، إلا أن تتبع مشهد تحطيم القاعدة التي كان من المؤمل أن يرتفع عليها النصب، يعيد إلى الأذهان حقبة نظم الإنقاذ، وهي تنطلق من خلال مشروعها المعادي للفن -كما يردد معارضوها وخصومها السياسيون- بإزالة العديد من التماثيل والنصب من شوارع الخرطوم، إلى درجة منح وزارة الآثار والسياحة والحياة البرية، لجماعة أنصار السنة السلفية، لعشرات السنين.

وكان وزير السياحة والأثارالسابق، محمد عبدالكريم الهد، قد أدلى بشهادته أم محكمة سرقة آثار بالخرطوم، قائلًا إنه لم يزر المتحف القومي لأنه يحتوي على "أصنام": "لم تطأ قدمي أرض المتحف الوطني طوال فترة وجودي في الوزارة لأن المتحف يحوي أصنامًا"!

أزمة تمثال الأمير دقنة

حادثة رفض نصب تمثال الشهيد عبدالعظيم أبوبكر لم تكن الأولى، فقد سبقها، في مطلع الثمانينات، إزالة كل تماثيل شهداء ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1964، خاصة تمثالي الشهيدين أحمد القرشي طه، وبابكر عبد الحفيظ، اللذين كانا يزينان مدخل مكتبة جامعة الخرطوم.

وفي وقت لاحق، فوجئ سكان مدينة بورتسودان، على البحر الأحمر، باختفاء نصب الأمير عثمان دقنة، أحد أشهر قادة الدولة المهدية. واتُهمت مجموعات متشددة بتحطيمه. كما واجه تمثال بابكر البدري، رائد تعليم النساء في السودان، نفس المصير.

تمثال الأمير عثمان دقنة

تحطيم رمزية الاستعمار

توالت الأحداث المشابهة، من تحطيم التماثيل لأسباب مختلفة، مثل الاعتداء على تمثال المهاتما غاندي، الذي كان منتصبًا على ميدان شارع المهاتما غاندي بوسط أم درمان، بعد أن شيد على نفقة الجالية الهندية في البلاد.

وفي أول العهد الوطني بعد الاستقلال، رفضت الحكومة السودانية وجود تمثال للقائد العسكري البريطاني تشارلز جورج غوردن، ورُحّل التمثال إلى بريطانيا عام 1959.

لكن الدعوى في رفض تمثال غوردن، تختلف عن تلك التي تقف وراء الاعتداء وهدم التماثيل الآن، حيث عومل تمثال غوردن باعتباره رمزًا للحقبة الاستعمارية، فاحتج قادة المقاومة الوطنية آنذاك، على وجوده في شوارع العاصمة المحررة حديثًا.

وبنفس الطريقة، أقدمت السلطات السودانية إلى إزالة "سبيل السلاطين" الذي كان موجودًا منذ سنوات طويلة بالركن الجنوبي الغربي لمجلس بلدية أم درمان.

تثمال الشهيد عبدالعظيم
تمثال الشهيد عبدالعظيم أبوبكر

 وكان سلاطين باشا، الضابط النمساوي، برفقة تشارلز جورج غوردن. وقد عُيّن حاكمًا لدارفور سنة 1884، لكن لم يمضِ في منصبه هذا سوى القليل حتى اعتقلته جيوش الثورة المهدية، فبقي أسيرًا، رغم ادعائه الإسلام والإيمان بالمهدية، حتى عام 1895، وحينئذ فر إلى الجيش المصري، وكتب مخطوطته النادرة "السيف والنار" الذي يوثق فيها لحقبة مهمة من تاريخ السودان.

الخرطوم بلا تماثيل

لم تسلم كلية الفنون الجميلة، حيث قسم للنحت والتماثيل، من هجمات المجموعات المتشددة، حتى تحولت لكلية نظرية، ما اضطر كثيرًا من أساتذتها لاختيار طريق الهجرة.

باتت ولاية الخرطوم، بلا تماثيل، مع غياب أي دور رسمي يشجع على إبراز الفن في الشارع. وحتى التماثيل والنصب التي صمدت، تتعرض للإهمال، إلى درجة تحول فيها النصب التذكاري للجندي المجهول، والذي يقف قبالة جامعة الخرطوم، إلى مجرد لوحة إعلانات تجارية للحفلات الغنائية!

على مدار العقود الماضية، تحولت الخرطوم ومعظم مدن السودان إلى غابات إسمنتية، تتخللها السيارات، بلا علامة على جمال أو فن

بالجملة، واستنادًا إلى نفس هذه السياسات، تحولت الخرطوم، ومعظم المدن السودانية، على مدار عشرات السنوات الماضية، إلى غابات إسمنتية، تتخللها السيارات، بلا علامة على جمال أو فن.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يقوض قطاع السياحة في السودان؟

حريق القصر الرئاسي.. الإهمال يطارد ذاكرة السودان

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert