ثقافة وفنون

جداريات الثورة السودانية.. الخرطوم تحتفي بشهدائها

26 مايو 2019
59525141_2431013880277298_1935087353320177664_n.jpg
من جداريات الخرطوم
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

في مدخل مقر الاعتصام قبالة وزارة الدفاع السودانية، كانت سارة طالبة الفنون الجميلة تتنقل بين الخطوط والألوان بخفة متناهية، تبدو منهمكة في وضع اللمسات الأخيرة لآخر أعمالها. عانت سارة كثيرًا في رسم وجه الشهيد عبد العظيم، أحد أبرز شهداء الثورة السودانية، دون أن يخالط تفكيرها بأن ثمة لوحة تستعصي على الإلهام، وإنما كانت تحاول استعادة موته بمؤثرات أجوائها الإنسانية والبطولية.

بعد شهرين من سقوط نظام البشير، باتت أسوار وحيطان قيادة الجيش والمباني المجاورة مزدانة بالرسوم والكتابات

المكان داخل ساحة الاعتصام أشبه بمعرض على قارعة الطريق، مفتوح على مرأى الجميع وهو يغص بوجوه الشهداء، وخيبات الثورة وانتصاراتها، وعلى الجدران البيضاء صور وكتابات بكافة أنواع فن الجرافيتي، تتدرج وفق التقويم الزماني لشعارات الثورة "تسقط بس، سقطت تاني، لم تسقط بعد"، وأخرى معلقة عليها صور الرئيس المخلوع عمر البشير، يبدو كما لو أنه مصاص دماء، وتحته مباشرة عبارة "لن ترتاح يا سفاح".

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة في السودان.. وزارة مهملة وقبيلة ضائعة

قالت سارة لـ"ألترا صوت" إنها تخشى أن تغادر المكان وعندما تعود الصباح لا تجد هذه اللوحات التي تجسد يوميات الثورة السودانية في مكانها، وهي تأمل أن يضع فريق التفاوض مع المجلس العسكري الحفاظ على اللوحات من الدمار والضياع في أجندة الحوار، بحيث يصبح معرضًا دائمًا للزوار، لا تتم إزالته، أو يكون عرضة لتقلبات الطبيعة. بينما كانت ثمة صورة أيضًا طافحة في اللون الأخضر للنقيب حامد، الذي تصدى للقوات الأمنية عندما حاولت فض الاعتصام، فأصابته رصاصة على كتفه الأيمن، وأصبح أيقونة للثورة، ورمزًا للضباط الذين انحازوا باكرًا للإرادة الشعبية.

بعد شهرين من سقوط نظام البشير، باتت أسوار وحيطان قيادة الجيش والمباني المجاورة مزدانة بالرسوم والكتابات، التي تجسّد أشعار وحكاوي ودماء الثورة المسفوحة على الإسفلت، منطقة هائلة من الجمال المرئي، وتمكن التشكيلون من كافة الأعمار من وضع مواهبهم قيد دهشة الزوار.

بينما جلس الأطفال أيضًا وهو يستعرضون ولعهم بالرسم والألوان والكتابة بالبخاخات على الحيطان، فاقتسم ساحة الاعتصام هواة ومحترفون، وحدت بينهم الرغبة في توثيق اللحظات الأكثر وطنية، وكان للكنداكات نصيب وافر من هذا العرض الدائم، أبرزهم آلاء صلاح، التي اشتهرت عالميًا كأيقونة للثورة، وفتاة ضاحية شمبات، رفقة عبد الرحمن، الشهيرة بـ"صائدة عبوات الغاز المسيل للدموع" بجانب عشرات القصص والشوارع، وأبطال النفق، وكذلك حُرّاس المتاريس، الذين يمنعون تسلل القتلى خلسة إلى ساحة الاعتصام.

منذ أيام يعكف التشكيليون في ساحة الاعتصام على رسم لوحة جدارية من القماش يبلغ طولها ثلاثة آلاف متر، كأطول لوحة في العالم، للعبور إلى موسوعة "غينيس" تجسد التضحيات التي منحت الشعب السوداني الخلاص، ومن المؤمل أن تتضمن اللوحة، المرسومة من ألوان إكيريليك تفاصيل أوفى عن مطالب الثورة، دون أن تتجاوز أحلام الرجال والنساء، بطن يسع الجميع، علاوة على أنها تضم توقيعات على دفتر الحضور الثواري.

ثمة جدارية عالية تعرضت للمسح في إحدى الليالي، مما أثار قلق المهتمون بالفن التشكيلي داخل ساحة الاعتصام، وأبدى الفنان عمار جمال مخاوفه من ضياع تلك الجداريات، أو ضياح الحقوق الأدبية لأصحابها، فكتب تدوينة على صفحته بالفيسبوك قائلًا: "نحن بحاجة أن نستغل فرصة النقاش حول الجدارية التي تعرضت للمسح، ونقوم بتسجل الجداريات والغرافيتي، باسم أصحابها في الملكية الفكرية"، مبررًا الخطوة بمنع التغول عليها باسم نظافة الفضاء العام.

يعكف التشكيليون في ساحة الاعتصام على رسم لوحة جدارية من القماش يبلغ طولها ثلاثة آلاف متر، كأطول لوحة في العالم

وأضاف عمار: "الملكية العامة للفضاء العام والتشاركية في استخدامها واحدة من المؤشرات الحيوية للحضارة في مستواها الروحي والمادي".

اقرأ/ي أيضًا: تآكل المسرح السوداني.. مسرحية "ملف سري" في مواجهة السُلطة

ليست ساحة الاعتصام فقط، وإنما انتشر الفنانون التشكيليون ليزينوا كافة شوارع وجسور العاصمة الخرطوم باللوحات، وأحيانًا بالألوان والكتابات الحالمة، في محاولة للانتصار على القبح وإشاعة الجمال، وبدت الخرطوم في كامل زينتها منذ بداية شهر رمضان، مما خلق إرثًا بصريًا للانتفاضة المستمرة، تتحسه بمجرد العبور، على النحو الذي وجد تفاعلًا وتشجيعًا من الجميع.

اقرأ/ي أيضًا:

فن الشارع.. سؤال الهيمنة المضادة

فن الشارع... صوت اليمن على جدرانه

الكلمات المفتاحية

مسلسل اقنعة الموت.jpg

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"

تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.


معرض كتاب القاهرة ومشاركة دور نشر سودانية فيه.png

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة

أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17"  من شهر رمضان المكرم.


غلاف مذكرات جثة منتفخة بالحياة.jpg

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب

عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.


ثلاث روايات سودانية .jpg

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان

الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert