تقلص "المدن الخضراء" يدفع النازحين للعودة إلى الخرطوم

تشهد العاصمة الخرطوم عودة طوعية لمئات المواطنين الذين نزحوا إلى الولايات منذ اندلاع الحرب منتصف نيسان/الماضي، وتدفع أسباب متفاوتة هؤلاء الذين فضلوا العودة إلى منازلهم في شتى أنحاء العاصمة.

من الأسباب التي دفعت "العائدين إلى الخرطوم" طوعًا، رغم استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع، ارتفاع أسعار الإيجارات في الولايات واقتراب الحرب من تلك الولايات التي فروا إليها.

عائد إلى الخرطوم: توصلنا إلى قناعة واحدة أن الخرطوم أفضل خيار في الوقت الحالي، خاصة مع تهديدات اقتراب الحرب من الولايات القريبة نسبيًا من العاصمة. كما أن العودة جعلتنا نتخلص من فاتورة إيجار المنزل

عاصم، أحد الذين عادوا إلى حي المعمورة شرق العاصمة الخرطوم، قال في حديث لـ"الترا سودان" إن عائلته قررت العودة من ولاية نهر النيل، حيث مكثوا نحو سبعة أشهر في منزل إيجار بلغت قيمته (700) ألف جنيه شهريًا.

وأضاف: "توصلنا إلى قناعة واحدة أن الخرطوم أفضل خيار في الوقت الحالي، خاصة مع تهديدات اقتراب الحرب من الولايات القريبة نسبيًا من العاصمة. كما أن العودة جعلتنا نتخلص من فاتورة إيجار المنزل".

أدت الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في منتصف نيسان/أبريل الماضي إلى نزوح (7.4) مليون شخص داخليًا وخارجيًا، حيث لجأوا إلى الولايات البعيدة نسبيًا عن القتال.

عندما هاجمت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة وعاصمتها ودمدني في 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي، قررت رباب وهي أم لطفلين العودة إلى المنزل جنوب الخرطوم، تاركة مركز الإيواء وسط ودمدني حيث قضت العائلة هناك حوالي ستة أشهر، وفقًا لحديثها لـ"الترا سودان".

تضيف رباب: "حاليًا نحن في حي الأزهري جنوب العاصمة، الكهرباء متوفرة، والأسواق تعمل، وحتى أصوات المدافع والغارات الجوية لا تثير خوفنا، طالما أننا اعتدنا على أجواء الحرب".

سوق الكلاكلة اللفة جنوب العاصمة الخرطوم، يعمل كالمعتاد يوميًا بعرض الخضروات والفواكه واللحوم، وحتى خدمات رصيد الشحن في الهواتف إلى جانب حركة المواصلات بين بعض مناطق الخرطوم.

يتوافد يوميًا على هذا السوق آلاف المواطنين، رغم انتشار مسلحي قوات الدعم السريع في المنطقة، التي تخضع لسيطرة هذه القوات. ولكن هذه المخاطر أصبحت جزءًا واقعيًا من حياة المواطنين، وفقًا لمشاهدات أحد سكان الحي.

يعكس أحد مرتادي هذا السوق لـ"الترا سودان" طبيعة عمل السوق يوميًا من بيع الخضروات والفواكه واللحوم ومواد البقالة. ولكن خلال الشهرين الماضيين، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، متأثرة بإغلاق الطرق جنوب العاصمة، وفقًا لشهادته.

وتابع: "الشيء الوحيد المفقود هنا هو الوقود، وحتى السيارات التي تخص المواطنين لا نراها، إما أنها نهبت أو يخشى المواطنون تعرضها للنهب على يد مسلحي الدعم السريع".

وأخذت الحرب في السودان أبعادًا أخرى منذ سيطرة قوات الدعم السريع الشهر الماضي على أجزاء من ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض.

وقال المستشار السابق في منظمة دولية، علي الحاج أحمد، في حديث لـ"الترا سودان"، إن تقلص "المدن الخضراء" الواقعة تحت سيطرة الجيش، زاد من رغبة النازحين في العودة إلى الخرطوم، لأن الوضع هناك لم يعد يختلف كثيرًا عن العاصمة، وقد يكون الوضع في الولايات والمدن التي تخضع لسيطرة الدعم السريع أكثر رعبًا بالنسبة للمدنيين النازحين.

خبير: الانتهاكات في الولايات التي وصلتها الحرب، أكثر من الخرطوم، لأن المجموعات المسلحة تعتقد أنها مناطق بعيدة عن أنظار المجتمع الدولي والمحلي

ويرى الحاج أن الانتهاكات في الولايات التي وصلتها الحرب، أكثر من الخرطوم، لأن المجموعات المسلحة تعتقد أنها مناطق بعيدة عن أنظار المجتمع الدولي والمحلي.

ويعتقد الحاج أن النازحين سيضطرون إلى التكيف مع الحرب إذا استمرت لشهور أخرى، وسيعودون إلى المنازل التي تركوها في العاصمة والمدن الأخرى في حالة تحقيق "اتفاق غير معلن" مع أي قوة عسكرية تسيطر على مناطقهم الأصلية.