مجتمع

بعد الحرب.. هل يقترن النيلان في الخرطوم؟

11 يوليو 2023
الخرطوم - دخان - اشتباكات.jpg
شهدت الخرطوم اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع (Getty)
محمد حلفاويصحفي سوداني

كما لو أن الجسر الحديدي الذي شيده الاستعمار البريطاني في خمسينات القرن الماضي سيبقى إلى الأبد، يقف "كبري الحديد" شامخًا على ضفاف النيل الأزرق رابطًا مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري شمال العاصمة، ولن تدمره حرب منتصف نيسان/أبريل 2023 التي تستعر في الخرطوم.

إذ دمرت أجزاء من الخرطوم، فهناك شعور وسط سكانها بأن استعادة المدينة من بقايا الحطام ممكنة قبل فوات الأوان بحل سلمي أو حسم عسكري

وإذ دمرت أجزاء من الخرطوم، فهناك شعور وسط السودانيين بأن استعادة المدينة من "بقايا الحطام" ممكنة قبل فوات الأوان، لذلك يتعجلون خياران لا ثالث لهما، إما حلًا سلميًا جذريًا ينهي الاقتتال في السودان أو حسمًا عسكريًا لصالح الجيش.

يشعر سكان الخرطوم بالقلق لهشاشة بنيتها التحتية، حين يسمعون دوي الانفجارات والإطاحة بأعمدة الكهرباء والأشجار وحتى تلك المباني في وسط الخرطوم التي ترسم شكلها المعماري "المتطرف" حسب ما يصفها خبراء المعمار.

https://t.me/ultrasudan

في صباح شديد الحرارة وبعد انتصاف شهر الصيام بين العاشر من نيسان/أبريل والثاني عشر من الشهر نفسه، وقبيل الحرب، عبرت مدرعات وقطع حربية جسرًا رئيسيًا من شمال العاصمة إلى الخرطوم. كان الغرض منها تحصينات عسكرية إضافية للجيش في القصر وسلاح المدرعات جنوب المدينة، لكن السكان ومن تداولوا الصور على شبكات التواصل الاجتماعي كانوا يطردون "شياطين الحرب" من مخيلتهم عندما شاهدوا الصور، وكأنهم يرددون "لن تندلع حرب في الخرطوم". وما دفعهم إلى هذا الاعتقاد تكميم المعلومات من مصادرها حتى نضبت وكالات الأنباء من معلومة تُذكر.

أحيطت الترتيبات المسبقة لشن "حرب منتصف نيسان/أبريل" في الخرطوم بسرية شديدة فيما يتعلق بقرارها النهائي الذي قضى بإطلاق الرصاص من البنادق صبيحة السبت قرب ملعب المدينة الرياضية جنوب الخرطوم في تمام الساعة التاسعة صباحًا بالتوقيت المحلي.

في ميلاد الرصاصة الأولى للحرب في هذه المدينة، كان الشعور السائد لدى السكان أنها قابلة للتوقف، عدا البعثات الدبلوماسية التي كانت تحزم الحقائب وتتخلص من الملفات غير المهمة، وكأنها توقعت حربًا تقضي على الأخضر واليابس واقتحامات عسكرية للمباني والبعثات والقنصليات.

آثار الحرب في الخرطوم
تضررت الكثير من المباني السكنية في الخرطوم جراء الحرب (Getty)

يتداول من تمكنوا من الحصول على معلومات قد تبدو شحيحة في هذا الوقت كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من إجلاء طاقم سفارتها في الخرطوم والموظفين الدبلوماسيين بعد مرور نحو أسبوعين على الحرب بمروحيات وصلت إلى العاصمة في دجى الظلام وأصوات البنادق صامتة في تلك الليلة على غير عادتها في تلك الأيام؛ فهل طلبوا من الطرفين الصمت قليلًا إلى حين مغادرة طواقم الغربيين؟

عندما تم إجلاء الرعايا الغربيين والبعثات الدولية بترتيب شديد ومتقن في مدينة مثل الخرطوم تفتقر إلى البنية التحتية والمطارات البديلة، لم يدر بخلد السودانيين ممن كانوا على مرمى نيران المدافع أن الحرب ستستمر شهورًا وقد تلفظهم إلى خارج العاصمة بحثًا عن "الأمان فقط" تاركين المباني التي وصلت أسعارها إلى مليوني دولار لتصبح الخرطوم المدينة الأغلى بين مدن العالم في تناقض قد لن تندهش حياله من اندلاع الحرب.

"العاصمة المثلثة"، حسب ما يطلقون عليها أحيانًا كونها تضم ثلاث مدن هي الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان؛ هل تركتها الحرب على ما كانت عليه بعد مرور نحو ثلاثة أشهر؟ ففي حين ترى بعض الصور ومقاطع الفيديو التي يسجلها ناشطون أو حتى جنود يخوضون الحرب ويتلقطون الصور بالهواتف الذكية - ترى معالم العاصمة كما هي دون أضرار كبيرة، لكن –في الوقت نفسه– يقول مواطنون لم يغادروا ديارهم إن الخرطوم أصبحت "مدينة أشباح".

ظلام في الشوارع وجدران مخترقة بالرصاصات السميكة من أسلحة "الدوشكا" الاسم الشعبي لهذا السلاح الفتاك الأوسع استخدامًا لدى قوات الدعم السريع لطبيعة انتقالاتها السريعة وتحركاتها أثناء القتال والعمليات العسكرية على عكس الجيش الذي يعتمد على المدرعات والمدافع الأرضية والطيران الحربي.

أصوات مدافع ورصاص بعيدة وأخرى قريبة تقطع صمت الخرطوم ليلًا في تلك الأحياء التي فرّ معظم سكانها نحو الولايات بحثًا عن الأمن والحماية من المعارك الحربية بعد أن نضبت آمالهم في العيش بأمان في الخرطوم.

لم يعد هناك ما يشعرهم بتوقف قريب للقتال سوى مقاطع فيديو تنشر على الشبكات الاجتماعية عن سيطرة الجيش على بعض الأحياء من الدعم السريع، والأخيرة تحتل قواتها العديد من المنازل وتتمركز في قلب الأحياء مركباتها العسكرية ذات الدفع الرباعي مزودة بالرشاشات تقف خلف الأشجار وفناء المنازل تجنبًا للضربات الجوية من سلاح الطيران عندما تكون في العراء.

ستبقى جسور العاصمة الخرطوم التي تربط بين مدن الخرطوم حتى وإن دمرت المدينة، هذا الإحساس يراود الفارين من الحرب، فهم لا يطرحون الأسئلة بشأن طرق العودة، لكنهم يتساءلون: هل سنجد بيوتنا منهوبة وخالية من الأثاث؟

حرب الخرطوم إن جاز الوصف يمكن توصيفها بأنها حرب شعواء لا سقوف حيالها في الضحايا والدمار، وإذا استمرت طويلًا فقد توصف أيضًا بأنها حرب فوضوية قابلة لابتلاع طرفي القتال ضمن تحولات تعرف بها حروب هذه القارة السمراء المتداخلة ما بين القضايا الإثنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومع ذلك، فإن حرب الخرطوم قد تكون فرصة جيدة لولادة سودان جديد، مهما كان حجم الدمار، فقد تجبر هذه التجربة السودانيين على تقديم الأمن والمواطنة والعدالة على كل شيء باعتبارها استحقاقات بناء الدولة.

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert