بركة ساكن يستعد لإطلاق الجزء الثاني من رواية الأشوس

أكمل الروائي السوداني عبدالعزيز بركة ساكن الجزء الثاني المكمل لروايته التي صدرت قبل أشهر تحت عنوان "الأشوس الذي حلَّقتْ أحلامُه مثلَ طائرةٍ مُسيَّرة"، وتحمل الرواية الجديدة مسمى "الدم الأبيض".

بركة ساكن: تناول الجنجويد تناول لظاهرة أي نتيجة فحسب وهو ليس الأخير ما لم تتم معالجة الجذور

وفي تصريح خص به "الترا سودان"، قال الروائي بركة ساكن، من المتوقع صدور الرواية الجديدة قريبًا، مشيرًا إلى أنها متممة لروايته السابقة "الأشوس"، من حيث موضوعها وأسلوبها البنائي وإثارتها للأسئلة النقدية المتعلقة بالحالة السودانية.

رواية الأشوس

قبل صدورها أثارت رواية الأشوس، لبركة ساكن، الكثير من الجدل على المستوى النقدي وبين القراء عامة ومتابعي تقلبات الأوضاع في السودان، إذ أحال الجميع عنوان الرواية للحرب الدائرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، ومعروف أن قوات الدعم السريع تُطلق على عناصرها من المقاتلين "الأشاوس"، والفرد منهم "الأشوس"، لذا توقع الجميع وعلى نحو ما أن تكون الرواية امتدادًا لموقف الروائي المعلن من قوات الدعم السريع، وبالتالي "هجاءً سرديًا" لهذه القوات.

تتناول رواية "الأشوس" الصادرة عن داري عندليب للنشر وفاصلة للنشر في العام 2024، حكاية قائد في الدعم السريع اسمه (الأشوس اللواء أركان حرب وردان وَدِ الفيل)، وتبدأ أحداث الرواية بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتستعرض في شكل ساخر مراحل تطور شخصية القائد الأشوس اللواء أركان حرب وردان وَدِ الفيل؛ بداية من امتلاكه قصر أحد الأشخاص من مواطني ودمدني ثم قتله لهذا الشخص بعد رفضه ترك زوجته ضمن ملحقات القصر لصالح الأشوس وردان.

تقدم رواية "الأشوس" ما يمكنه وصفه بـ"الأحداث الواقعية المعاشة"، فكل الأحداث والتوصيفات والأفعال المنسوبة إلى أفراد قوات الدعم السريع داخل المتن الروائي تتطابق إلى حد كبير مع وقائع حقيقية حدثت بعد اندلاع الحرب في السودان، وهذا لا ينفي بالطبع الاشتغال التخييلي الماتع لبركة ساكن في بناء الشخوص وإضفاء شيء من السحرية السردية على أحداث الرواية.

الأشوس.. الدم الأبيض

يقول بركة ساكن لـ"الترا سودان": "الروايتان الأشوش والدم الأبيض هما رواية واحدة بجزئين تحت اسم حجر الصياح. والروايتان تشتغلان على فكرة واحدة، وإن اختلفتا وتشعبتا من حيث المواضيع المناقشة، فهما تفككان جذور العنف في السودان، وأقصد به العنف السوداني – سوداني".

ويضيف: "اعتمدت في تحليل العنف على الفيلسوفة حنة آرنت، إذ تقول (إن العنف في الغالب ليس مقصودًا، ولكنه نتيجة لضعف المقدرة على التفكير السليم). فالعنف الآن ظاهر، أي هو الجزء الأعلى للشجرة، والجذور عميقة ومخفية ومنسية وتحتاج لوعي لادراكها".

ويردف: "في رواية الأشوس هناك تمثيل لحالة العنف الحاضرة (حرب الجنجويد)، أما الرواية الثانية (الدم الأبيض) فتتحدث عن جذور العنف في السودان، وبينما تكتفي الأولى بعرض ملمح ذي ارتباط وثيق بمآلات الحرب الدائرة الآن، تنقب الرواية الثانية في جذور العنف السوداني، وتحاول مساءلة عنف الدولة في مختلف مراحل تطورها ليس من ما بعد الاستقلال فقط، بل منذ الدويلات القديمة في المكان الذي سمي لاحقًا بالسودان، حيث بدأت التنقيب منذ سلطنة الداجو في القرن الأول الميلادي، مرورًا بحريق سوبا، ثم مجازر محمود ود أحمد ضد الجعليين في المهدية، إلى عنبر جودة بعد الاستقلال، ومذبحة الضعين وإعدام الأستاذ محمود محمد طه في الثمانينيات، وحريق جنوب السودان.. إلخ".

ويتابع بركة: "بدأت في البحث عن جذور العنف منذ التكوينات الأولى للممالك في أرض السودان، مرورًا بكل أزمنة العنف إلى أن انتهيت بحكومة الثورة التي أسقطتها انقلاب الجنجويد في ١٥ أبريل".

أما عن تناول الجنجويد في الرواية يوضح بركة ساكن قائلًا: "تناول الجنجويد هنا تناول لظاهرة، أي نتيجة فحسب، وهو ليس الأخير، ما لم تتم معالجة الجذور؛ إذ بعد كل حالة عنف كان هناك تبرير من الفاعلين، وهروب من المحاسبة أو عدم طرحها في الأصل".

الأشوس ومسيح دارفور

قبل نشر رواية الأشوس بسنوات أصدر بركة ساكن روايته الشهيرة، المترجمة إلى عدة لغات عالمية، والمعنونة باسم "مسيح دارفور"، إذ بحسب النقاد والقراء هي العمل الروائي الأول لبركة ساكن، الذي يبين موقفه الأيديولوجي والسردي من المليشيات المقاتلة في غرب السودان – دارفور، المعروفة بـ"الجنجويد"، التي تطورت لاحقًا إلى ما يعرف الآن بـ"قوات الدعم السريع".

 في مسيح دارفور، التي عدها الكثير من النقاد هجاء لاذعًا لمليشيات الجنجويد، بذر بركة ساكن بذرة موقفه المناهض لهذه المليشيات وضد العنف في السودان عامة، بكافة أشكاله وتطوراته، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح في روايتيه الأخيرتين.

بركة ساكن: بدأت في البحث عن جذور العنف منذ التكوينات الأولى للممالك في أرض السودان

عبد العزيز بركة ساكن أحد أشهر الروائيين السودانيين في عصرنا الحالي، أصدر حتى الآن 15 كتابًا في الرواية والقصة القصيرة والأنطولوجيا، وحاز على عدة جوائز محلية وعالمية أهمها جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي - محليًا عن روايته "الجنقو مسامير الأرض"، وجائزة الأدب العالمي من الأكاديمية الفرنسية 2016، وجائزة الأدب الأفريقي - سويسرا 2017، وجائزة الأدب العربي - فرنسا 2020، وجائزة باوباب - كندا 2024، وجائزة الترجمة الكبرى/ فرنسا 2022، وترجمت معظم أعماله إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ونال في 2023 وسام فارس للآداب والفنون من وزارة الثقافة الفرنسية.