النجاة من الغابة النرويجية
4 نوفمبر 2019
يتذكر "تورو" بطل رواية "الغابة النرويجية" للروائي الياباني "هاروكي موراكامي" مشهد نزهة المرج مع "ناوكو" أثناء تقدمهما تجاه الغابة- بينما كانت تحدثه عن البئر المزروعة في مكان ما هناك، يقدم لنا وصفًا موجزا للماضي وهو يُعَقِّب بقوله: "الذاكرة شيء مضحك. حين كنت في غمرة المشهد، لم أعره اهتمامًا يذكر، وبالتأكيد لم أتخيل أبدًا أنني سأستعيده بكل تفاصيله بعد ثماني عشرة سنة. لم أعر ذلك المشهد أدنى التفاتة في ذلك اليوم".
تتمركز ثيمة "تورو" الأساسية في سلبية ممعنة، وكأنه قد تم جره عنوة الى هذا العالم
تتمركز ثيمة "تورو" الأساسية في سلبية ممعنة، وكأنه قد تم جره عنوة الى هذا العالم -من منا لم يُفعل به- حتى مع انتحار صديقه المبكر، انتحار حبيبته لاحقًا، ثم انتحار أخير لا يتوقف عنده كثيرًا. لا يبدِي ما يشي بالعواصف المهتاجة داخله. فقط تمر هذه التجارب مخلفة ورائها الوهن المتزايد في صِلاته مع العالم.
اقرأ/ي أيضًا: السينما.. وجه من وجوه المقاومة
ويؤكد ذلك قوله أن "ناغاساوا" أصبح صديقا له فقط بسبب قراءاتهم المشتركة، ورؤيته له كشخص خِلِو من الميزات. وعلى النقيض منه فصديقه الذي يكبره قيادي فطري، وصاحب نفوذ ظل يسحبه إلى كهوف اللامبالاة والتملص من المهجع لاصطياد الفتيات، ثم النوم برفقتهن في فنادق الحب. دون أن يتبنى تجاهه موقفًا واضحًا بفعل الرفض القاطع مثلًا- إلا لاحقًا، وكل ما كان هناك هي نوبات كراهيته للعالم- المصبوب في الذات، والاستياءات المتقطعة.
إن "تورو" يكاد يكون بطلًا بلا بطولات، فحتى حزنه الكبير لم يستطع التعبير عنه إلا بهروب فاشل، سافر بدون خطط وبلا وجهة أو رغبات. جاهلًا أن مأساته مع العالم كانت دائما هناك بالداخل. وهو إذ يعتقد بأنه فالتٌ منها لا يكون في حقيقة الأمر إلا حاملًا إياها جائبا بها الأصقاع.
وربما يتسلل الظن بأنه الشخصية المثالية لهذا العالم. هي مثالية أيضًا للنجاة كما للمتعة، فعشقه "لناوكو" لا يمنعه من النوم مع الفتيات -إلا لاحقًا- ولا يمنع حتى شروعه في علاقة جدية، صحيح أنه لم يسع اليها-موراكامي لا يكل من تناول العلاقات بنسقها اللا مبالي المتوج بالتسليم التام للنهاية- ذلك لأن سعيه حينها كان مكرسًا فقط للاسترخاء، تاركا لمجرى الزمن مهمة دفعه.
اقرأ/ي أيضًا: "احتفالية النهر".. معرض للتشكيلي صلاح المر في الدوحة
تفوق موراكامي في الغابة النرويجية يكمن في الاستبصار بمستقبل العالم الآيل للكونية، بأعين أدب آسيوي يمتزج في العالم بجنوحه للعالمي وتجاهله للقوميات، أو الأيديولوجيا-كمسبب للخراء الذي يغطى العالم، لا يمكن تجاهله- لصالح ما قد يعانيه الفرد من الأرق مثلا.
تفوق موراكامي في كونية نتاجه الأدبي، يعبر عنه المعنى الدقيق الذي صاغه من قبل "سيوران" حينما قال "أن الطريقة الوحيدة في بلوغ ما هو كوني تكمن في ضرورة انشغالنا بما يخصنا"
وهو ما ميز شخصية "تورو" التي تم نقل أي كثافة يمكن أن يبجِسُها العالم إلى داخلها. يخبرنا "تورو" الكثير عندما يعلق على رحيل صديقه المبكر والاختياري قائلا: "أحييك كيزوكي، لم تفقد هذ العالم اللعين. هذا العالم مجرد خراء. تحصل المؤخرات على العلامات العليا، ويساعد على خلق المجتمع من خلال صورتهم المزرية".
بينما "تورو" وقتها كان لا يحرك ساكنًا حتى عندما ازيلت آخر آثار رفيق سكنه "جندي العاصفة" عن الغرفة.
لكن ما أنصفه هو مقدرة موراكامي لوصف العالم من خلال ما يدور بداخل بطله، حيث الحروب انتقلت من الساحات المفتوحة، وانزاح تاريخ المعارك إلى الداخل، المضطرب، المهزوز، الأناني. فيغدو العالم ارتدادًا في لعبة بومرنغ لا أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: الكنداكات: لؤلؤ ولوتس النيل.. معرض يحتفي بإسهامات المرأة السودانية
يقول "تورو" مواصلة ذكرياته عن نزهة المرج: "كنت أفكر بنفسي. فكرت بالفتاة الجميلة التي تمشي إلى جواري. فكرت في كلينا معًا. ثم بنفسي مرة أخرى. كنت في عمر ومرحلة من الحياة يرتد فيها كل مشهد وكل شعور وكل خاطرة إلى ذاتي. كأنها لعبة خشب البومرنغ الارتدادية".
بدورها بقيت مشكلة "ناوكو" في عجزها عن الوصول إلى الصيغة الكونية، وبينما كانت تبحث عنه خارجًا، كان العالم يقبع بداخلها، بعيدة تمامًا عن شعرية سيلفيا "أغمض عيني فيموت العالم".
وفي النقطة التي يتصادم عندها قطاران، فيمر الأول مواصلًا طي السكك بينما الثاني لا يبارح (النقطة) متحطمًا إلى الأبد. يقول "تورو" "لناوكو" في محاولة لامتصاص شكواها: "لكن مشاكلك لن تستمر طوال حياتك، ستنتهي ذات يوم، وحين تنتهي ستتوقفين وتفكرين كيف تمضين من هناك ... أنت متوترة جدًا، ولذلك تتوقعين الأسوأ دائمًا. أريحي جسدك، وسيضيء الباقي فيك"
لن تكون مفاجأة عندما نرى السيد "تورو واتانابي" ينجو من الفخاخ، بينما هو في الطريق لحسم عواصفه، عن طريق رخي جسمه
وحينها تتساءل ناوكو، وبصوت مفرغ من الإحساس: "كيف تقول ذلك؟!"
إذن لن تكون مفاجأة عندما نرى السيد "تورو واتانابي" ينجو من الفخاخ، بينما هو في الطريق لحسم عواصفه، عن طريق رخي جسمه. بينما صديقه "كيزوكي" ينهي سنواته التي لم تكمل العشرين في المرآب، وهو الذي في وقت مبكر من يومه الأخير في العالم وعندما سأله "تورو" عن سبب جديته في لعب البليارد، بينما يدخنان، رد قائلًا: "لم أكن مستعدًا للخسارة".
إذن ليغادر العالم مبكرًا من لم يستعد منذ الصباح للخسارة والتمرغ في هكذا خراء.
ويبقى "تورو" لينام لاحقًا مع "رايكو" الصديقة التي كانت ترتدي ملابس حُبيبته المنتحرة قبل أشهر. لا ينام فقط بل ينزع عنها ملابسها باحثًا في جسدها شاعرًا أن هذا الفعل هو الأكثر طبيعية في العالم.
بينما "ناوكو" التي كانت تحارب من أجل مد صلات أمتن بين الداخل والخارج- باحثة أبدًا عن وسيلة لتعبر بها وتتواصل عبرها وهذا العالم- شنقت نفسها عند طرف غابة على حدود منتجع معزول عن العالم.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.