ثقافة وفنون

"الكتابة النسائية".. أداة تغيير وصوت مقاومة

24 يوليو 2021
aljadeed-issue-44-37.jpg
تعبيرية (الجديد)
مروة التجاني
مروة التجانيكاتبة وصحفية من السودان

لا شك أن المرأة بدأت الكتابة الأدبية بالتزامن مع تاريخ الرجال الأدبي، وتاريخ الفن والكتابة حافل بالكتابات النسائية، فمنذ القرن التاسع عشر وتاريخ الأدب يسجل أسماءً نسائية لامعة سطرت تحفًا أدبية خالدة، مثل روايات الكاتبة "جورج صاند" و"فرجيينا وولف" وغيرهن من الروائيات بالتاريخ الإبداعي.

وبالحديث عن الكتابة النسائية، نجد أن المصطلح ظهر حديثًا بالتزامن مع مصطلحات أدبية أخرى، مثل "الكتابة الشابة" في إشارة إلى سن كاتب العمل الأدبي. وبالبحث عن الاجناس الأدبية، لا نجد وصفًا محددًا ودقيقًا لما يعنيه مصطلح الكتابة النسائية. ومؤخرًا باتت كتابات النساء تحمل ذات الأسم. وهو ما نبحث عنه في هذا التقرير.

ماهية الأدب النسوي

الروائية كلتوم فضل الله: الأدب مقاومة، ينبش العادي ليعيد ارتكازه على سياقات متقدمة ترسم الحياة برؤى جديدة

ترفض مدارس أدبية تصنيف الكتابة إلى ذكورية وأنثوية. فالعمل الأدبي حين يخضع للفحص والتحليل، لا نجد فرقًا في الجنس الذي ينتمي إليه الكاتب أو سنه أو موطنه، إنما يخضع المنتوج الأدبي للدراسة والفحص النقدي المتعارف عليه، بدايةً من عتبات النص الأدبي إلى الخاتمة. والتاريخ الأدبي العربي، كما سجل أسماء أدباء رجال أضافت وغيرت في جماليات الأدب، ضم كذلك أسماءً نسائية كان لها أثرها البارز في إضفاء جماليات على الأدب العربي، مثال نازك الملائكة، غادة السمان، بثينة خضر وفدوى طوقان.

اقرأ/ي أيضًا: "ستموت في العشرين".. الدخول للحياة من باب الموت

واعترفت الروائية السودانية كلتوم فضل الله لـ"الترا سودان" بأنها لا تجيد تصنيف الأدب إلى نسوي أو ذكوري. وعرفت الأدب بقولها: "هو مرآة الروح، يقرأ ويتنبأ ويحلل ويتطلع ويحيا ويتطور ويستكشف"، وتستطرد قائلة إن الأدب في حد ذاته مقاومة، ينبش العادي ليعيد ارتكازه على سياقات متقدمة ترسم الحياة برؤى جديدة.

وتتابع الروائية كلتوم بقولها "كل كتابة هي رسم لخطى جديدة، وإنبات لمعانٍ تتطلع أن تخضر". وتمضي بالقول، الأدب إن تم تصنيفه نسويًا يصب في تلك الحالة، حالة أن يعزز قيمة حياتية، وحالة العزم على تحقيق الرؤى والحلم بمجتمع متقدم.

وترى كلتوم فضل الله أن حالة وضع المرأة تغيرها مجموعة منظومات تعمل معًا، فالأدب والفن يسبق أي فكرة لأنه يطالب بالأقصى، الأقصى الخيالي المتحقق في الرؤى، ويتحول إلى آداة حينما يقرأ حالات المجتمع، ويمسك بالعصب المعتل من جسد المجتمع، ويكون مرآة تعالج القيم وتعيدها إلى إنسانيتها -والحديث لكلتوم فضل الله- ويصبح الأدب أداة حينما يكون ارتكازًا للعديد من الفنون التي تحوله إلى صور، أو أغنية، أو مسرح، أو هتاف، أو كلمات قابلة للتبادل ومقولات لا تموت. وبحسب ما ترى الروائية كلتوم فضل الله، فإن الأدب حين يحقق كل ذلك، يمسك بناصية المقاومة.

وجهات نظر في الكتابة النسائية

الروائية "سارة الجاك": وجود جبهة كاتبات فاعلات يخلق تيارًا نسويًا واعيًا بقضايا النساء

ورفضت الناقدة المعروفة جوليا كريستيفا فرض هوية أدبية على المرأة، ونادت بالنظر إلى الكتابة الإبداعية بعيدًا عن مفهوم "مؤنث" و"مذكر"، وتنظر إليهما كأدوات تشغيلية سياسية.

وبمقابل في نشأة وتطور الحركة النسوية، دعت مجموعات نسوية لإنشاء الكتابة الخاصة بالمرأة، التي تسرد عبر سيرة أدبية قضايا النساء ومختلف اهتمامات النسوة. ودعت جماعات نسوية للكتابة النسائية للدفع بالنساء للتفكير بوعي في قضاياهن، ليكن صوتًا للمقاومة ضد الذكورية. وفي عالمنا العربي انتهجت الكاتبة والطبيبة نوال السعداوي الكتابة الأدبية لمقاومة السلطة الذكورية.

وللحديث عن هذه القضية التقى "الترا سودان" الروائية سارة الجاك، وأفادت قائلة إن الكتابة فعل اكتشاف للذات الكاتبة وماهية تكوينها وتفكيرها، والتعرف على ما تحوي من معتقدات مجتمعية ودينية تسهم أو تحد من تطور النساء. ومضت قائلة إن الكتابة طريق لاستبصار مواطن الضعف والقوة في الشخصية الكاتبة نفسها، ويساعدها على إعادة صياغة شخصيتها مع ما يتوافق من تصورات مكتسبة. وتابعت سارة الجاك حديثها بالقول، إن الكتابة تساعد على وضع رؤية جديدة وإن كانت غير متحققة، رؤية خاصة بالشخصية وبالنساء في المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: "بلد النساء" في اعتصام القيادة

ودعت الروائية سارة الجاك الكاتبة للقرأة والاطلاع حول الموضوعات المعالجة أدبيًا، وتقول "نحن أمام ذات واعية بحقوقها وواجباتها ومصدرة لوعيها عبر ما تكتب، مما يضيف إلى مجموع الوعي أخريات يتمتعن بذات الوعي، فتتسع دائرة المقاومة، والتبصير بقضايا موضوعات المقاومة، وطرح الرؤية الكلية لفعل المقاومة النسوي والفائدة العامة للنساء والمجتمع". وتؤكد الجاك أن وجود جبهة كاتبات فاعلات يخلق تيارًا نسويًا واعيًا بقضايا النساء، وإيصالها للمتلقي بسلاسة وهدوء.

الكتابة النسوية وفعل المقاومة

القاصة والروائية "ستيلا غايتانو": الكتابة النسوية أداة لمقاومة القبح والظلم والعنف

في السودان ووفقًا لآراء كثير من المؤرخين فإننا لم نرو تاريخنا بعد، ومعظم التاريخ الإفريقي والسوداني كان مرويًا ومحكيًا باللسان. والمرأة هي الراوية الأولى للأحداث، وعندما تكتب يكون السفر إلى البلاد البعيدة، جنوب السودان والثقافة الشعبية في جبال النوبة، قصص وروايات تحاكي الأساطير تسرد بصوتٍ أنثوي، هو صوت الكاتبة ستيلا غايتانو.

قالت ستيلا لـ"الترا سودان": "الكتابة فعل مقاومة الإنسان للفناء، يبطن في داخله نية البوح والمشاركة والإعلان عن الوجود".

وتشير غايتانو إلى أن النساء أحببن الحكي ونسج الحكايات، ويطعمن الأجيال والمجتمع الحكايات في سريان طبيعي، كما يفعلن مع الأجنة عبر الحبل السري.

وتكشف غايتانو عن الجديد في الأمر بقولها: "الكتابة إعلان وإعلام في مجتمعات أبقت النساء في حيز الستر والسترة لزمنٍ طويل".

وتمضي في الحديث: "خروج المرأة بالكتابة هو فعل مقاومة، مقاومة الذات الهامسة في أذن الصغار بأن تخرج وتصرخ، وهي ثورة لها تبعات". وتشرح غايتانو التبعات بالقول: "التنمر وهز الثقة بالنفس أو الشفقة أو المجاملة أو التصفيق للمرأة لمجرد إمساكها القلم. لا يجب أن ننخدع بهذه الحيل، ولا بد من اقتناء الأدوات وإتقان العمل بها".

تقول غايتانو: "النساء يحكين حكايتهن مع الحياة والناس، ويفسرن كل شيء من منطلق ذوات مستقلة تتنفس من رئتها". ومضت تقول لـ"الترا سودان" بأنه لا بد من سماع النصف الآخر من قصة العالم من وجهة نظر النساء، عبث الرجال بالحياة والإنسانية، والنتيجة اجترار العنف. وتضيف: "يجب على النسوية الانتقال من مقاومة الذكورية، لمقاومة أثر الذكورية بإعادة تعريف كل شيء، والكتابة النسوية آداة لمقاومة القبح والظلم والعنف".

ونشأت الكتابة النسوية في أجواء من القهر والظلم السياسي والاجتماعي، ونجحت في وضع خارطة طريق للنساء بالسرد الأدبي الذي يحاكي المعاش اليومي، ورسمت خطوطًا نقدية ومفاهمية في خارطة الأدب الحديث، ولا يزال الجدال النقدي حولها مفتوحًا.

اقرأ/ي أيضًا

المرأة السودانية العاملة.. قصة كفاح يومي

فيديو القبض على امرأة متهمة بخطف أطفالها يثير جدلًا في الأوساط النسوية

الكلمات المفتاحية

مسلسل اقنعة الموت.jpg

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"

تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.


معرض كتاب القاهرة ومشاركة دور نشر سودانية فيه.png

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة

أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17"  من شهر رمضان المكرم.


غلاف مذكرات جثة منتفخة بالحياة.jpg

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب

عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.


ثلاث روايات سودانية .jpg

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان

الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert