الفترة الانتقالية والسياسات الثقافية.. تحديات إدارة التنوع في السودان
18 أغسطس 2021
يعيش السودان مرحلة انتقال وعبور بعد سنوات من العزلة عن العالم، والمفارقة أن العزلة السودانية لم تكن خارجية فقط وإنما داخلية أيضًا، حيث عانت البلاد لسنواتٍ طويلة من السياسة الثقافية الأحادية التي فرضها النظام المُباد. وعكست وسائل الإعلام ومؤسسات الثقافة لعدة عقود ثقافات إثنيات محددة، دون الالتفات للتنوع الكبير الذي تعيشه الشعوب السودانية.
وفي ساحة اعتصام القيادة العامة، عكس السودانيون تنوعًا ثقافيًا واجتماعيًا أبهر شعوب العالم، وفي أرض الاعتصام تآخى المسلمون والأقباط في مشهد من التعاون والترابط الديني والثقافي. وتوافد إلى أرض الاعتصام الأفراد بسحناتٍ ولهجات محلية مختلفة، وقدمت كل منطقة في السودان ما يميزها من حيث الثقافة الغذائية المحلية.
السياسة الثقافية للدول تختلف بحسب التوجهات والأفكار العامة للشعوب، وتتغير وفق آيديولوجيات السلطة الحاكمة والمستجدات في الساحة الثقافية
وتضع التحولات الثقافية لثورة ديسمبر المجيدة المسؤولين أمام تحديات كبرى في بناء سياسات ثقافية تمازج التنوع الثقافي في السودان. وفي التقرير التالي نتساءل عن أبرز ملامح السياسة الثقافية خلال الفترة الانتقالية.
نقاش ثقافي
تعرف السياسة الثقافية بأنها مجموع الآراء والتوجهات التي تربط بين مجتمع ما والسلطة السياسية الحاكمة، وتتميز عن ضروب الثقافة الأخرى بالاستمرارية والتحول الدائم، فالسياسة الثقافية للدول تختلف بحسب التوجهات والأفكار العامة للشعوب، وتتغير وفق آيديولوجيات السلطة الحاكمة والمستجدات في الساحة الثقافية العامة.
اقرأ/ي أيضًا: الثقافة والإعلام تُقر بوجود تمكين للإسلاميين عطل المسرح والسينما
ويرى الناقد والمترجم عزالدين ميرغني، أن السياسة الثقافية من جانب الحكومة يجب أن تكون مدروسة من خبراء في المجال الثقافي، لأن الموظف الثقافي العادي ربما لا يكون مبدعًا.
ودعا عزالدين ميرغني لتكوين مجلس ثقافي استشاري يضع سياسات ثقافية لمدة طويلة. وقال لـ"الترا سودان" إن على الدولة أن تقيم البنى الأساسية للثقافة من مسارح وغاليريهات ومهرجانات، لأن منظمات المجتمع المدني لا تملك المال حتى في الدول الغنية.
وطالب الناقد والمترجم عزالدين الدولة بإتاحة إمكانيات النشر، بإعفاء مدخلات الطباعة من الرسوم الجمركية قائلًا: "نشر الكتب من أهم مقومات الثقافة"، وتابع حديثه "أما تدوير الثقافة اليومي فدور منظمات المجتمع المدني، ممثلة في الجمعيات والاتحادات الثقافية، وبعيدًا عن الجهوية وإقصاء الآخر".
الثقافة أولًا وثانيًا
يشمل مدلول كلمة "ثقافة" كل أوجه الحياة اليومية للفرد، بما في ذلك المأكل والملبس والذوق الموسيقي وصولًا للسياسة العامة بمؤسسات الدولة الثقافية.

ومع تزايد عدد السكان، والتحولات الثقافية التي يشهدها العالم، تتباين الثقافة العامة من فردٍ إلى آخر، ومن جماعة إثنية وجغرافية إلى أخرى. فكيف تنجح السياسة الثقافية العامة للدولة في عكس هذا التنوع والتباين الجمالي والثقافي؟
للإجابة على هذا السؤال يقول الموسيقار كمال يوسف، إن الدولة في السودان تضع الثقافة في المرتبة الثانية بعد السياسة، في حين أن الكثير من الحلول تتواجد عند المثقفين، وعلل حديثه بالقول: "الفنان لا يملك أغراضًا ذاتية سوى جني النجاح من المنتوج الفني".
ويعرف كمال يوسف النجاح بأنه الممارسات اليومية الجمالية في حياة الناس. ويضرب أمثلة بصنع "الطواقي" وطقوس شرب الشاي عند البرامكة. وحذر من اندثار بعض الثقافات مثل استخدام "العنقريب والبنابر" واستبدالها بالأسرة الخشبية.
ولخلق توازن ثقافي سوداني يطالب كمال يوسف، بإتاحة الفرص الثقافية للجميع، وقيام مهرجات في مناطق السودان المختلفة لخلق تنمية ثقافية واقتصادية، وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في الفعل الثقافي.
الثقافة والديمقراطية
تاريخيًا جاءت فكرة السياسة الثقافية من منظمة "اليونسكو" في ستينات القرن الماضي، بأن تضع الدول تشريعات وقوانين لحماية ودعم الثقافات وبناء المتاحف والدور الثقافية، لتنمية المنتوج والإرث الجمالي والثقافي.
اقرأ/ي أيضًا: في وداع "الوسيم القلبي رادو"
ويقسم الأستاذ بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم علي الضوء، السياسة الثقافية إلى نوعين واحدة منفتحة كليًا وأخرى منغلقة تسيطر عليها الدولة وفق الآيديولوجيا الحاكمة، ونوع ثالث هجين بين النوعين المشار إليهما. وعرف السياسة الثقافية بأنها قوانين تفرضها الدولة، بحيث تجد كل إثنية تمثيلًا في مؤسسات الدولة الرسمية.
علي الضوء: الثقافة تتطلب وعيًا لجعل الآيديولوجيا تلائم الواقع وتجنب خلق عدائيات
ويقول علي الضوء إن الثقافة تتطلب وعيًا لجعل الآيديولوجيا تلائم الواقع وتجنب خلق عدائيات، ووضعها في أفضل مواعين ثقافية تتماشى مع الناس. ويضيف أن مفهوم التنوع متواجد على مستوى الفرد الواحد، والمطلوب أن يعكس الناس الثقافة وفقًا للبيئة.
ويشير علي الضوء إلى أن الديمقراطية لا تعني فقط التصويت في الانتخابات البرلمانية، وإنما حرية الاختيار في إدارة الحياة الفردية، الذي يعد حقًاأاصيلًا من حقوق الفرد، بشرط عدم ارتكاب الأخطاء والتمييز بين الناس، بحسب ما أوضح علي الضوء في حديثه لـ"الترا سودان".
وبناءً على ما تقدم، يبدو أن التخطيط للثقافة أكثر صعوبة مما يبدو عليه، فالسياسة الثقافية لدولة تعبر عن جموع أفرادها، اختلافهم، وتنوعهم الجمالي. وتبقى الإجابة عن سؤال كيف يدار السودان ثقافيًا؟ مفتوحة أمام عموم الشعب السوداني.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

الدراما السودانية في رمضان.. "سمفونية القتل والتشريد"
تسعى الدراما السودانية في رمضان 2025، للمّ شمل السودانيين في مناطق النزوح واللجوء عن طريق تقديم أعمال تعكس الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، بعد أن غطت نيران الحرب على حياة المواطنين وأصبح العنوان الأبرز هو القتل والتشريد.

معرض كتاب مصغر للمؤلفات السودانية بدار تجمع الفنانين في القاهرة
أعلنت مجموعة من دور النشر السودانية عن إقامة معرض كتاب مصغر للناشرين والكتاب السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من "10 إلى 17" من شهر رمضان المكرم.

"مذكرات جثة منتفخة بالحياة" نصوص قصصية تنبش في أعماق الحرب
عن "دار زهرات البيدر للنشر" وتنسيق وإشراف منصة "منتدى السرد والنقد"، صدرت المجموعة القصصية "مذكرات جثة منتفخة بالحياة"، ويضم الكتاب خمس نصوص عن الحرب، لنخبة من كُتاب وكاتبات القصة، مصحوبة بدراسات نقدية من أقلام مُفكرة.

أسئلة حارقة: ثلاث روايات تناولت الحروب في السودان
الحرب واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اشتغلت عليها الرواية السودانية، لاسيما كُتاب ما بعد "الجيل التسعيني"، الجيل الذي تزامن اشتغاله بالسرد مع اتساع رقعة الحروب في السودان، وتأزم الأوضاع عامة في البلاد، قبل أن تصل مرحلة الانفجار الكبير في حرب الخامس عشر من أبريل 2023.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.