العنف الجنسي في حرب السودان.. ضحايا في صمت ومجرمون بلا عقاب
13 فبراير 2025
في أحد أزقة مدينة بحري، وفي وضح النهار تغيرت حياة أسرة بسيطة بشكل مأساوي، حين تعرضها لهجوم وحشي غيّر مجرى حياتها إلى الأبد. داخل منزلهم المتواضع، اقتحم عناصر "الدعم السريع" المكان واغتصبوا فتاتين أمام أعين والدهن، حاول الرجل الدفاع عنهما بشجاعة، لكنهم لم يترددوا في قتله بدم بارد أمام عائلته، تلك اللحظات كانت كفيلة بتحطيم حياة الأسرة وتغييرها إلى الأبد.
هذه القصة ليست سوى واحدة من عشرات القصص التي وثّقتها الفرق الحقوقية والإنسانية والتقارير الصحفية منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان/ أبريل 2023 التي خلفت أكبر أزمة نزوح في العالم، وفي خضم تلك المعاناة يتحدث الخبراء عن العنف الجنسي كأداة حرب تُستخدم للإذلال والسيطرة على المدنيين، في ظل إفلات كامل من العقاب، مؤكدين أن العنف الجنسي لا يستهدف النساء فقط، بل يمتد ليشمل الرجال والأطفال أيضًا.
الناجيات من هذه الجرائم الوحشية يعشن في ظلال الخوف والعار، بينما يواجهن رفضًا مجتمعيًا في بعض الحالات، يزيد من معاناتهن ويحول دون حصولهن على الدعم اللازم
الناجيات من هذه الجرائم الوحشية يعشن في ظلال الخوف والعار، بينما يواجهن رفضًا مجتمعيًا في بعض الحالات، يزيد من معاناتهن ويحول دون حصولهن على الدعم اللازم. في ظل هذا الواقع، تتضاعف جهود المنظمات الحقوقية لتوثيق الانتهاكات والمطالبة بالعدالة، لكن الطريق ما زال طويلًا.
وفي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها بأن مقاتلين من قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها ارتكبوا جرائم اغتصاب طالت عشرات النساء والفتيات، تضمنت حالات استعباد جنسي في ولاية جنوب كردفان منذ أيلول/سبتمبر 2023، وقد أحصى التقرير الذي صدر حديثًا، عشرات النساء اللائي تعرضن للاغتصاب الجماعي في بلدات تقع تحت سيطرة الدعم السريع.
وشددت المنظمة الحقوقية على أن هذه الانتهاكات، تشكل جرائم حرب وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وتؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات دولية عاجلة لحماية المدنيين وضمان تحقيق العدالة للضحايا.
أكثر من 500 حالة عنف جنسي
في هذا الصدد تحدثت (م.ص) وهي اختصاصية نفسية ومقدمة خدمات حماية لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي عن الجرائم التي قامت بتوثيقها أثناء فترة عملها بقولها: "معظم جرائم العنف الجنسي في حرب السودان تكون اغتصابًا كاملًا، فردي أو من مجموعة، لكن هناك أيضًا حالات اختطاف قسري وزواج قسري، وتحرشات لفظية وجنسية."
وتضيف الاختصاصية في حديثها لـ"الترا سودان" أنها وثقت "أكثر من 500 حالة عنف جنسي منذ اليوم الثالث للحرب وحتى الآن، أصغر الضحايا كانت طفلة عمرها 10 سنوات، وأكبرهن سيدة تبلغ 65 عامًا". وتردف: "90% من الاعتداءات ارتكبها أفراد قوات الدعم السريع، 9% من الجيش، و1% من مجموعات مسلحة أخرى" على حد تعبيرها.
صرّحت هالة الكارب، المسؤولة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي "صيحة" بأنه تم توثيق 250 حالة اغتصاب وعنف جنسي في السودان
من جهتها صرّحت هالة الكارب، المسؤولة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي "صيحة"، في تموز/ يوليو 2024 بأنه تم توثيق 250 حالة اغتصاب وعنف جنسي في السودان، من بينها 75 حالة موثقة في ولاية الجزيرة وحدها. وأوضحت الكارب أن هذه الجرائم ارتكبت في الفترة بين كانون الأول/ديسمبر 2023 ونيسان/أبريل 2024، وكان الجناة في هذه الحالات عناصر من قوات الدعم السريع.
وفي السياق، أفادت وزارة الخارجية السودانية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أن الجهات الرسمية والمنظمات الحقوقية وثقت ما لا يقل عن 500 حالة اغتصاب منذ اندلاع الحرب، موضحة أن هذا العدد يعكس فقط الحالات التي تم الإبلاغ عنها. وأضافت الوزارة أن العدد الفعلي قد يكون أكبر بكثير، نظرًا لامتناع العديد من الضحايا عن التبليغ، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى الضحايا في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وتستأنف الاختصاصية حديثها قائلة إن إحدى القصص التي تركت أثرًا في نفسها كانت عن رجل تعرض لاعتداء جنسي "باستخدام آلة حادة"، على غرار ما حدث للأستاذ أحمد الخير أحد شهداء ثورة ديسمبر.
وتردف "هناك العديد من القصص لضحايا توفوا بالفعل، بالإضافة إلى قصص مشابهة لاغتصاب رجال أمام نسائهم والعكس كذلك". وتشير إلى أن لديهم متطوعة حدث لها اعتداء جنسي "أثناء تأدية عملها في حصر حوجات النساء قبل عام".
وفي الصدد توضح أن العديد من جرائم الاغتصاب تحدث داخل معتقلات الدعم السريع وأن ما يحدث داخل هذه المعتقلات هو الأسوأ على الإطلاق، قائلة: "الانتهاكات الجنسية هنا ليست فقط جريمة ضد الضحايا، بل هي جريمة ضد الإنسانية بأكملها".
والجدير بالذكر أن بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أكدت تورط قوات الدعم السريع في ارتكاب جرائم عنف جنسي واسعة النطاق في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وشملت هذه الجرائم حالات اغتصاب جماعي، وخطف، واحتجاز للضحايا في ظروف وصفت بأنها تصل إلى مستوى الاستعباد الجنسي.
وعلى الرغم من أن التقرير أشار إلى توثيق حالات انتهاكات نسبت إلى الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه، موضحًا أن هذه الحالات تتطلب مزيدًا من التحقيق لتحديد نطاقها وأنماطها، إلا أنه وجد أن الغالبية العظمى من حالات الاغتصاب والعنف الجنسي والجنساني ارتكبتها قوات الدعم السريع. وأكد التقرير أن هذه الانتهاكات وقعت بشكل خاص في ولايات الخرطوم الكبرى ودارفور والجزيرة، ضمن نمط ممنهج يهدف إلى إرهاب ومعاقبة المدنيين بسبب صلاتهم المفترضة بالطرف الآخر، وإلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة لتقدّم القوات.
في المقابل، تنفي قوات الدعم السريع صحة هذه الاتهامات، مشددة على أن مثل هذه المزاعم تحتاج إلى إثباتات واضحة، وتتبادل الاتهامات مع الجيش السوداني.
وصمة إجتماعية وآثار نفسية
لا يقتصر الأمر فقط على العنف الجسدي بل له تداعيات نفسية وإجتماعية وخيمة على الضحايا. في هذا الصدد، تحدثت الاختصاصية عن اضطرابات نفسية وعقلية كثيرة تظهر لدى الضحايا، منها اضطراب ما بعد الصدمة، اضطرابات النوم والقلق، تقلبات المزاج، والاكتئاب. بل أن بعض الضحايا يلجأون إلى "محاولات الانتحار بسبب ما تعرضوا له".
وتضيف: "الأثر لا يتوقف على الجانب النفسي فقط، بل يمتد إلى مشكلات اجتماعية، حيث يعاني الضحايا من الوصمة الاجتماعية إلى جانب المشاكل الاسرية والزوجية" وتشير إلى أن هناك العديد من حالات "القتل بعد الاغتصاب وحالات الإنتحار أيضًا".
أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن عزمه التحقق من التقارير التي تشير إلى وجود حالات انتحار بين النساء في شرق الجزيرة خوفًا من هجمات الدعم السريع والعنف الجنسي المصاحب
وفي السياق، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عن عزمه التحقق من التقارير التي تشير إلى وجود حالات انتحار بين النساء في شرق الجزيرة خوفًا من هجمات الدعم السريع والعنف الجنسي المصاحب. وأشار المكتب في بيان صادر عنه إلى استمرار ورود "تقارير مثيرة للقلق عن العنف الجنسي ضد الفتيات الصغيرات والمراهقات"، مؤكدًا أن حالات انتحار النساء والفتيات اللائي وقعن ضحايا لهذه الاعتداءات ما زالت قيد التحقق. ولم تظهر نتائج التحقيق حتى الآن.
من جهتها أعلنت المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة)، هالة الكارب، توثيق 10 حالات انتحار بين نساء وفتيات في قرى شرق الجزيرة خلال الفترة من 21 تشرين الأول/أكتوبر إلى 31 كانون الأول/ديسمبر الماضي، عقب تعرضهن لاغتصاب جماعي من عناصر قوات الدعم السريع في مناطق الهلالية، تمبول، وأزرق.
وفي الصدد أكدت شبكة صيحة في 20 كانون الثاني/ يناير تعرضها وفريقها لهجوم إعلامي وتهديدات تقودها منصات تابعة لقوات الدعم السريع، في محاولة لإسكات أصواتها بعد توثيقها لانتهاكات جسيمة ضد النساء والفتيات في السودان، مؤكدة أن هذه الهجمات تستهدف جميع النساء والناجيات، وتعكس ثقافة الإفلات من العقاب المتجذرة، مضيفةً أن عملها في توثيق العنف الجنسي والانتهاكات سيستمر رغم التحديات.
وفي سياق الأضرار الصحية أشارت الإختصاصية إلى معاناة النساء من مضاعفات صحية خطيرة نتيجة العنف الجنسي، مثل الإجهاض أو مشكلات أثناء الولادة، خاصةً بالنسبة للفتيات تحت سن 18، وتردف" هناك حالات كثيرة فقدت حياتها بسبب هذه المضاعفات أو بسبب عمليات اغتصاب عنيفة".
واختتمت حديثها قائلة أن العنف الجنسي لم يقتصر على النساء "الأطفال تأثروا نفسيًا بشكل عميق بسبب ما شاهدوه أو تعرضوا له، وكذلك الرجال، الذين يواجهون مشكلات نفسية وجسدية بسبب هذا النوع من الاعتداء".
جهود محلية وضعف دولي
من جهة آخرى كانت قد برزت جهود المجتمع المدني المتمثل في مجموعات العون التضامني لدعم الناجيات من العنف الجنسي. الناشطة حنين أحمد، تصف الأدوار الكبيرة التي يقوم بها المتطوعون لتقديم الدعم الصحي والنفسي للضحايا، وتأمين إجلائهم من مناطق الخطر. وتقول: "في بعض الحالات، يتم توفير ملاجئ آمنة لحمايتهم من أي تهديدات إضافية".
ورغم هذه الجهود المحلية، تشير حنين إلى تقصير المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته بقولها: "المجتمع الدولي يرسل الأموال فقط، لكنه لا يتحمل المخاطر بشكل مباشر. نحن بحاجة إلى دعم مادي وتقني ولوجستي أكبر لحماية المدنيين، وخاصة النساء".
وفي السياق، دعت وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والضغط لوقف الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، مع ضمان محاسبة مرتكبيها. من جانبه، وصف رئيس البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، محمد شاندي عثمان، حجم العنف الجنسي في البلاد بـ"المهول". وتشير تقارير حقوقية إلى أن الناجيات من العنف الجنسي في السودان يعانين من نقص حاد في الخدمات الضرورية، بما في ذلك الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية والدعم النفسي والاجتماعي.
ناشطة: الجنود الذين يرتكبون هذه الجرائم يرون في الاغتصاب وسيلة للإذلال والسيطرة، خاصة مع غياب أي برامج توعية تُعزز احترام النوع الاجتماعي
بالإضافة إلى ذلك، تربط الناشطة حنين بين العنف الجنسي والثقافة الذكورية المتجذرة في السودان، حيث تُعامل المرأة ككائن أدنى. وتضيف: "الجنود الذين يرتكبون هذه الجرائم يرون في الاغتصاب وسيلة للإذلال والسيطرة، خاصة مع غياب أي برامج توعية تُعزز احترام النوع الاجتماعي".
وفي ذات الصدد، في مقابلة مع "أخبار الأمم المتحدة"، أكد محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان أن عدد النساء والفتيات المعرّضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان شهد ارتفاعًا كبيرًا، حيث ارتفع من نحو ثلاثة ملايين في عام 2022 إلى ما يقارب سبعة ملايين في عام 2024. وأوضح أن عدم توفر إحصائيات دقيقة يعود إلى حساسية القضية وخوف العديد من الضحايا من الوصم الاجتماعي.
وترى حنين أن غياب الرقابة والمحاسبة، سواء محليًا أو دوليًا، يفاقم الوضع. "المجتمع الدولي يجب أن يضمن محاسبة الجناة. إذا لم تكن هناك عواقب، سيستمرون في ارتكاب هذه الجرائم"، بحسب تعبيرها.
وتختتم حديثها بالتأكيد على ضرورة معالجة جذور الأزمة من خلال وقف الحرب، وإنشاء أنظمة قانونية تأخذ النوع الاجتماعي في الاعتبار. وتقول: "ما نحتاج إليه الآن هو شبكات حماية مجتمعية حقيقية، ونظام محاسبة يضمن تحقيق العدالة للناجيات".
في المحصلة تبقى التساؤولات قائمة عن كيفية ضمان حماية النساء والفتيات في السودان في ظل تصاعد العنف الجنسي المستمر؟ وما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها المجتمع الدولي لمحاسبة الجناة وتحقيق العدالة للضحايا؟ هل ستظل ثقافة الإفلات من العقاب هي السائدة، أم أن هناك إرادة حقيقية لوقف هذه الجرائم؟ وكيف يمكن تعزيز دور المجتمع المدني في توثيق الانتهاكات وحماية الناجيات من العنف الجنسي؟
الكلمات المفتاحية

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل
تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع
من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع
بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.