السينما في شاشة طفولتي.. متعة على حائط الجامع!
7 أكتوبر 2019
في طفولتي، كنت مغرماً بالسينما، إعجابي بها، ودهشتي لا تقتصر على حكاية الفيلم، بل تتلصص عيوني الصغيرة، الفضولية، على أحداث الشاشة كلها، شاشة ضخمة، أكبر من صفحة جامعنا العتيق، تتحرك فيها صور ومشاهد، وحقول، ملونة، كل الألوان، تكاد تشم أريج خضرتها، ويلفحك رقيق نسيمها، والشاشة في أحلى حلية لها، عروس أمام نظارة تكتظ بهم باحتها الكبيرة، في شكل دائري، قدسي، إنها سينما "كوليزيوم" بوسط الخرطوم.
في قريتنا، كان حائط الجامع العتيق، ذو الطلاء الأبيض، والذي بهت بطول السنين والعلة، والغبار، إلى لون أصفر شاحب، كان سينما القرية الفطرية، المجانية. ذلكم الحائط الضخم، الأبيض، تستغله أنوار اللوراي، والقندرانات، العابرة بقريتنا ليلاً، ترسل أنوارها القوية، فتنعكس أشجار الغابة، والحيوانات البعيدة، وبعض السكارى القادمين من "الكمبو" على صفحة الحائط، الذي يعلو البيوت كلها، طولاً وعرضاً، فتبدو من بعيد، ونحن قربه، أو في بطون "حيشان" بيوتنا، سينما حية، أبيض وأسود أجمل ما يكون، سينما هزلية، ساخرة، غامضة، تضخم الأشكال، الأنف تبدو أكبر خرطوم فيل، والكرش تمتد، رغم جوعها، كأنها حبلى بتسع.
اقرأ/ي أيضًا: الفيل الأسود.. أوان الحنين للسينما السودانية
كنا نتعجب منه، أي الجامع، سينما وجامع معاً؟ ولم سمح لظلال "ود اليسع" السكران أن تترنح على صفحته، وتفضحه، بصلعته المعروفة، ومشيته المترنحة، ولا فضيحة، في القرية سوى المجاز، حين كان الرأي العام كله سليماً، لا يضيق بتعدد أنماط الشخوص والأمزجة لدى الأفراد (أقام العباد فيما أراد)، ألم يجعله الله جامعاً، وسينما؟ فمن يعترض على ذكاء العقل القديم ومكره؟
كانت قرون الأبقار، تبدو في الحائط العتيق للجامع، كأنها قوارب نوبية ضخمة، نضحك عليها، تضخم كل شيء، سينما جامعنا كانت كقلب أمي تراني بطلاً، وأنا أسجل هدف بركلي بصلة لتدخل بين حملات "الزير" حُب وغريزة، ينفخ الروح في أمور تبدو عادية، سوى للشعراء، وكل الأمهات.
نكاد نقع على القفى، ونحن نضحك على ترنح ود اليسع، وهو لا يعلم أنه بطل حكاية بالأبيض والأسود على حائط المسجد العتيق، تسر عيون أطفال قريته أجمعين، كل مساء وهو على بعد كيلومتر منا، في قلب الظلام، لا علم له بنا، لكن حزمة أنوار العربات، وهي تئن بما يحمل ظهرها، جلبته لنا في لمح البصر، وهو لا يعرف أن عيوننا والملائكة، تحرسه بمحبة عن كثب، وأنه يضحكنا، حد السكر، مثله، بخمر الفرح، حتى نحمد الخمر، وحينا "يتشنقل"، فتضحك حبوبتي عالياً (المرمد اليلقى زول يرفعوا) تعني ليته يجد من يساعده لينهض، فتنسحب ابنته الصغيرة، سراً، ونتبعها، حتى نجده يشخر في تل بعيد، يفترش الرمل، وقد جعل من يده اليسرى مخدة، أجمل ما يكون النوم الآمن في الخلاء الطلق، ونشكر حائط المسجد، فقد أنقذه الفلم الأبيض والأسود، بل كان بطله "ألم نقل كأم تلكم الشاشة"، تعز من تجهله الحياة.
ما أكثر الأفلام التي عرضت على الحائط العتيق، كل مساء، فلم أسود وأبيض، دون مؤثرات صوتية، أو موسيقية، لكن خيالنا الطفولي كان يصبغ عليه من الحياة، والروح، "أي فلم الظلال على الحائط"، ما يجعله نداً لأفلام بوليوود، وهوليوود التي يصرف عليها مال (مال وزارة، بل وزارات عندنا، بل ميزانية دولة بأسرها)، قلت بوليوود في البدء، من أجل (تقديم الفاضل على المفضول حينها) فمن يقارن "في طفولته، ومراهقته" بين الأفلام الهندية، وبقية الأفلام؟ لا مجال للمقارنة أصلا، هناك (في جنة المراهقة والطفولة)، كان للأفلام الهندية القدح المعلى.
اقرأ/ي أيضًا: نوستالجيا سودانية.. حتى الحزن كان جميلًا
كنت أتعجب، في سينما كلوزيوم، وأنا أنظر فوقي، جالس في مقعدي الحديدي السعيد، والذي فزت به بشق الأنفس، من حزمة ضوء كثيفة، صغيرة، تتسلل من شباك صغير، عليه بكرات تدور، في مؤخرة السينما، حيث "اللوج"، ثم ترتطم الحزمة بشاشة بيضاء، أمامنا كلنا، فتدب فيها الحياة، والسيارات المسرعة، وأصوات البنادق، والقبلات الحميمة، عالم يتسلل من حزمة ضوء صغيرة، وكثيراً ما كان الغبار يعلق عليها، مثل تلك الثقوب في النوافذ الخشبية، وفرجاتها، فما أسعده من غبار، يسبح في خيالات، وحياة، تنسكب كالخمر على صفحة الشاشة السحرية.
اقرأ/ي أيضًا:
"أفلام في الشارع".. مبادرة تحكي قصة جيل الثورة
خارج حدود السينما.. داخل حدود السياسة
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.