رأي

السينما المستقلة.. ثورة لفن قادم من رحم الثورة

2 فبراير 2020
تويتر_4.jpg
مهرجان السودان للسينما المستقلة (تويتر)
خالد ماسا
خالد ماساكاتب وصحفي من السودان

وكأننا نُعيد اكتشاف جُغرافيا مدينة الخرطوم بعد الثورة في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وهي مُضاءة الآن بفوانيس الشهداء صارت إلى غير ما كانت عليه أيام عتمة نظام البشير وصحبه الذين كانوا يصرون على تشويه مبانيها بالتعدي على رمزيتها بإزالة حدائق "6 أبريل" ومعانيها بإعادة تسمية شوارع الخرطوم بأسماء الذين ماتوا من أجل المشروع السُلطوي الذي امتد لما يقارِب الثلاثة عقود ولم تفعل شيئًا غير أنها قتلت الحياة الثقافية في سماء مدينة كانت تنافس القاهرة وبيروت وتسبق كل العواصم الإفريقية في نشاطها ومسارحها ودور السينما التي كانت تعرض مختلف أنواع والإنتاج.

الثورة هي إعادة فتح الفضاء الثقافي والفني في الخرطوم وبقية مدن السودان، وهذا الأمر جزء مهم جدًا في ثورتنا التي كان الفن وصانعوه فصيلًا أصيلًا في تشكيل سمتها المختلف عن كل الثورات في المحيط الإقليمي والدولي.

نقول هذا لأن تمظهرات الثورة السودانية ليست مقصورة على السياسي  المحض، نجلس ونحن نتابعه على المسرح السياسي فقط، لنرى أبطاله السياسيين يقدمون لنا عروضًا جافة، لأن السياسة تظل سياسة مهما اجتهد البعض في جعلها فن الممكن، ولكن الثورة هي إعادة فتح الفضاء الثقافي والفني في الخرطوم وبقية مدن السودان، وهذا الأمر جزء مهم جدًا في ثورتنا التي كان الفن وصانعوه فصيلًا أصيلًا في تشكيل سمتها المختلف عن كل الثورات في المحيط الإقليمي والدولي.

اقرأ/ي أيضًا: تجارب معاصرة.. "ميمز" على جدران المعارض!

لم تتوقف عبقرية الفريق القائم على مهرجان السودان للسينما المُستقلة في حدود تنظيم وإعداد ما سُيعرض من أفلام في الموسم السادس للمهرجان والتحضير له بل تعداه لعبقرية المكان الذي اختاروه ليحتضن الحدث، على ضفاف النيل في مقرن النيلين هو المكان الذي يقف شاهدًا على استعادة هذه المدينة المكلومة في كل مشاهدها الجميلة، ليشهد انطلاق مهرجان السودان للسينما المستقلة في مدينة ولوقت قريب جدًا كان مجرد حمل كاميرا فيها والتجول للتصوير يجعل منك مُتهمًا لدى الجهات الأمنية، ويستوجب القبض والإستدعاء ومصادرة أدوات الجريمة التصوير.

السينما للذي يعرف أثرها ويعرف مساهمتها في صياغة وتهذيب القيم الإنسانية ورفعتها، هي ليست من أدوات الرفاهية حتى تغيب تمامًا عن مدينة كالخرطوم وكل مدن السودان التي شهدت تراجعًا ملحوظًا لهذا النوع من الفنون بشكل متعمد كان القصد منه استهداف الإنسان السوداني في ثقافته وفنه، وبالتالي يمكننا القول أن ما حدث في مساء 21 كانون الثاني/يناير في أرض السنط بخرطوم الثورة كان فعلًا ثوريًا بمعنى الكلمة وانتصارًا حقيقيًا يشبه تحرير ذات المدينة من الاحتلال.

مشهد حفل انطلاق مهرجان السودان للسينما المستقلة في موسمه السادس لو أخضعناه للتحليل لعرفنا أنه انتصار لمجهودات خلاقة بذلها الواقفون على مشروع "سودان فيلم فاكتوري" والذي نعتبره ثورة على كل محاولة قام بها النظام لقبر الرصيد السوداني في هذا المجال وتعطيل مسيرة السينما السودانية والتي لو تركوها في حال سبيلها وعروضها لحجزت مكانها الطبيعي في مهرجانات السينما العالمية كما تفعل الآن في الشهور القليلة المُنصرمة من عُمر الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد 40 عامًا على رحيل "منى الخير".. "عيون المها" ما تزال تغازل وجدان الناس

والمهرجان كان فيه انتصار آخر يُحسب لحاملي الهم السوداني في مجال السينما ويتمثل في حضور المهرجان من حيث النوع والعدد، فملامح الجيل الذي صنع الثورة كانت هي الحاضرة في المهرجان، ذات الوجوه والملامح التي خرجت في المواكب لتواجه الموت بكل قبحه الذي صنعه النظام البائد جاءت بالأمس لتشاهد صناعة جديدة للحياة، هي صناعة السينما بكل وسحرها وجمال تعبيرها عن واقع السودان وثوريتها بالطبع.

وكان تعبير "عودة الندى إلى زهرة السينما السودانية" هو التلخيص العبقري الذي استخدمة "طلال عفيفي" رئيس المهرجان ليصف تفاصيل ما حدث وما قام به هو والفريق في استعادة هذا النوع من الفن للحياة السودانية ونجحوا فيه. وما كان اختيار عرض فيلم (Khartoum Offside) إلا دلالة واضحة على عُمق تأثير السينما في الاشتغال على الحياة السودانية بكل هذا البهاء التي تحويه.

بذات قدرتنا على التضحية بحياتنا لأجل الوطن فإن بيننا من هم قادرين على صناعة الحياة في وطن طالته يد الموت في كل شيء.

هذا الفيلم للمخرجة "مروة الزين" وثق أيضًا لحالة ثورية في المجتمع السوداني كان أبطالها الفتيات اللائي خُضن معركة تأسيس دوري كرة قدم نسائية بعد أن اصطفت ضدهن كل قوى الظلام في برلمان "حسبو" وحزبه المحلول وقوانين القمع العام التي تم سنها ضد رغبة المرأة في أن تكون جزءً فاعلًا في المجتمع ليكتمل بهاء الانتصار وتزهو بهاء مساءات السودان.

ما حدث بفضل المهتمين بالسينما في السودان هو تأكيدًا على قدرتنا كسودانيين على إنتاج الفعل الإيجابي وأننا وبذات قدرتنا على التضحية بحياتنا لأجل الوطن فإن من بيننا من هم قادرين على صناعة الحياة في وطن طالته يد الموت في كل شيء.

الثورة لا يتم عرضها فقط في مسارح العبث السياسي. فهي أم الفنون ومسرح الحياة وسينماها الملونة وفن ورياضتها وصوتها الآخر الجميل المناقض للعلعة الرصاص.

 

اقرأ/ي أيضًا

غناء "الراب" في السودان.. ألحان على إيقاع الثورة

ستموت في العشرين "غريبًا"

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert