مجتمع

السودان.. النزوح يغير خارطة الحياة المعتادة في الولايات

25 أغسطس 2023
سوق في بورتسودان.jpg
زادت الحركة التجارية في الولايات جراء الحرب (Getyy)
تسنيم خوجلي
تسنيم خوجليكاتبة وصحفية من السودان

شهد صباح السبت الموافق 15 نيسان/أبريل الماضي أول رصاصة أطلقت في العاصمة الخرطوم معلنةً عن بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي نتج عنها نزوح ملايين السودانيين من العاصمة الخرطوم وولايات أخرى غربي السودان تضررت بدرجة كبيرة من الاشتباكات الدائرة هناك، مما أدى إلى تغيير خارطة الحياة المعتادة في معظم ولايات السودان، إذ أصبحت الشوارع أكثر صخبًا من ذي قبل، وتملؤها أصوات الباعة المتجولين الذين يتنقلون هنا وهناك، ويهتفون بأصوات مرتفعة بحثًا عن الرزق الحلال.

بالتزامن مع معاناة العاصمة الخرطوم من ويلات الحرب لما يزيد عن أربعة أشهر، شهدت معظم ولايات السودان ازدهارًا ملحوظًا جراء حركة النزوح

وبحسب سكان هذه الولايات، فإن الحركة التي شهدتها الأسواق جاءت من نشاط فئة النازحين ليتمكنوا من توفير احتياجاتهم بعد أن فقدوا معظم ممتلكاتهم في المناطق التي شهدت اشتباكات نتيجة لعمليات السلب والنهب الواسعة.

حركة اقتصادية وثقافية

يقول محمد أحمد والذي يعمل بأحد أسواق مدينة دنقلا في الولاية الشمالية إن الحياة بالمدينة عامةً أصبحت أكثر انتعاشًا، فالأسواق كانت غالبًا ما تغلق أبوابها مبكرًا، فتصبح دنقلا ساكنة تمامًا عند حلول الظلام، وهو ما تغير تمامًا مع بداية حركة النزوح إلى المدينة. ويضيف أن السوق شهد زيادة كبيرة في القوة الشرائية لم يشهدها من قبل حتى في المواسم التي عادةً ما يقبل فيها المواطنون على الشراء كمواسم الأعياد، فيما بدأت تنشط بعض المشاريع الصغيرة على جوانب الطرقات، مثل تقديم الوجبات السريعة والمشروبات الساخنة، وهو ما لم يكن معتادًا في المدينة.

https://t.me/ultrasudan

وبحسب تقارير، شهدت مدينة دنقلا عددًا من الفعاليات الضخمة لأول مرة. فيما بدأت تنشط المنتديات الفكرية للشباب القادمين من الخرطوم لتجاذب الأفكار من أجل "بناء خرطوم مصغرة في كل مدينة". كانت هذه رؤية مبادرة "زوايا" التي نشطت على المنصات الرقمية الخاصة بمدينة دنقلا. وترمي هذه المبادرة إلى تبادل الخبرات لتقديم مشاريع تنموية بالمدينة.

وفي مدني حاضرة ولاية الجزيرة التي استقبلت العدد الأكبر من النازحين، انتقلت إليها محال تجارية كانت تتخذ من الخرطوم مقرًا لها، في محاولة لاستكمال نشاطها هناك بحسب ما أعلنت في منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب تقارير، شهدت المسارح عددًا من العروض المسرحية، جاءت نتاج ورش عمل فنية أقيمت بمسرح المدينة واشترك فيها فنانون نزحوا إلى الولاية جراء الاقتتال.

ثورة علمية

وتقول لبنى الأمين وهي من سكان مدينة ود مدني إنها تمكنت من حضور عدد من الدورات التدريبية التي كانت تنوي أن تشد الرحال إلى العاصمة الخرطوم لتتمكن من الالتحاق بها. وبعد اندلاع الحرب في الخرطوم وصل إلى المدينة عدد من المدربين المتميزين، وانخرطوا سريعًا في المجتمع الجديد ليتمكنوا من تقديم المحاضرات في مراكز التدريب – حسب لبنى.

شاب يقدم دورة تدريبية في التصوير بأحد معسكرات النزوح في ود مدني
بادر الكثير من المتطوعين بتقديم دورات تدريبية بمعسكرات النزوح في الولايات (Getty)

وتضيف لبنى أن المستشفيات امتلأت بالأطباء النازحين من الحرب، ما شجع طلاب الطب على الالتحاق بهذه المستشفيات متدربين ليتمكنوا من اقتباس القليل من خبرة هؤلاء الأطباء الممتدة لسنين من العمل في العاصمة الخرطوم، وهو ما سيقدم للمجتمع المصغر في ود مدني لاحقًا أطباء ذوي تجربة ممتازة، ويقود إلى توطين العلاج في الولاية بدلًا عن السفر للبحث عن طبيب في العاصمة كما جرت العادة، مؤكدةً أن هذه الحرب –ورغم الخراب والدمار الذي خلفته والأرواح البريئة التي حصدتها– لكنها قدمت ثورة علمية لمدن السودان الأخرى في مجال التدريب المهني.

آفاق جديدة

يقول الخبير المجتمعي محمد الهادي في حديث إلى "الترا سودان" إن الحرب من شأنها أن تخلق تغييرًا في إنسان ولايات السودان الأخرى ولا سيما فيما يخص الروتين الذي يتبعه في الحياة، وتفتح له آفاق جديدة بعد تبادل الخبرات مع إنسان الخرطوم الذي عاش في بيئة طقسها متقلب للغاية، إذ يختلف روتين الحياة فيها من مدينة إلى أخرى ومن حي إلى آخر، وتضيق الدائرة حتى تصبح من شخص إلى آخر، على نقيض المدن الأخرى في السودان والتي يتسم غالبيتها بمنهجية محددة لا يخالفها الفرد – بزعمه.

وأكد الهادي أن الخبرات التي وصلت إلى الولايات من شأنها أن تقدم فرصة كبيرة للشباب بهذه المدن. وشدد على ضرورة احتكاكهم بالمجتمعات في مختلف المدن التي اختاروا النزوح إليها، وذلك استنادًا إلى مبدأ الشمعة التي يجب أن نوقدها في الظلام بدلًا من لعنه، مضيًفا أن التذمر لا يمكن أن يغير شيئًا من الواقع.

وبعد أن عانت العاصمة الخرطوم من ويلات الحرب لما يزيد عن أربعة أشهر، شهدت معظم ولايات السودان ازدهارًا ملحوظًا بعد حركة النزوح الكبيرة التي خلفتها الحرب، مثل الحركة الاقتصادية الملحوظة، علاوةً على الفعاليات الثقافية والأنشطة التعليمية، فيما عانت هذه الولايات لسنين من ضعف الخدمات، ولا سيما التعليمية، ما جعل هذه المدن بلا حياة، بعد أن هجرها الشباب بحثًا عن فرص أفضل في العاصمة الخرطوم.

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert