السودان.. المصالحة الوطنية ولعنة العَوْد الأبدي
13 فبراير 2025
يعجُّ تاريخ السودان الحديث بالعديد من المنعطفات التاريخية واللحظات الفارقة التي أحدثت تغييرات كبيرة في المشهد السوداني ساعتها؛ فقد حدثت ثلاث ثورات شعبية منذ الاستقلال (أكتوبر 1964، مارس/أبريل 1985، ديسمبر 2018)، والعديد من الهبَّات الشعبية التي لم تؤدِّ إلى تغيير في الأنظمة، ولكنها كانت مؤشرات للتغيير وأحدثت خلخلة في أنسجة الأنظمة، مثل هبَّة سبتمبر 2013، التي كانت الإسفين الأول في نظام الإنقاذ الوطني.
الحرب الآن قطعت شوطًا كبيرًا، وتبدو في نهاياتها. وما الاجتماع الذي التقى فيه البرهان ببعض القوى السياسية في بورتسودان إلا إرهاصات لوصول "ميس" التجاذبات حول السلطة
ومن المنعطفات التاريخية التي مرَّ بها السودان، المصالحة الوطنية في 1977، والتي جاءت نتيجة حركة محمد نور سعد، أو ما سُمِّيت بـ"حرب المرتزقة"، وهي جماعة من الأحزاب المعارضة شنَّت هجومًا على نظام النميري، قادمةً من ليبيا. وجاءت المصالحة الوطنية بالعفو عنهم وإلزامهم بالانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي، بمن فيهم الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي.
يبدو المشهد السياسي الآن قريبًا من تلك اللحظة التاريخية؛ فالحرب الآن قطعت شوطًا كبيرًا، وتبدو في نهاياتها. وما الاجتماع الذي التقى فيه البرهان ببعض القوى السياسية في بورتسودان إلا إرهاصات لوصول "ميس" التجاذبات حول السلطة، وانتهاء الصراع ربما في شكله المسلح، وبدء صراعات جديدة ذات طابع سياسي/مدني.
لعب البرهان على المتناقضات التي يحتويها تحالف القوى السياسية الموسوم بـ"تقدُّم"، والذي جاء لتوسيع مظلة القوى المدنية بعد قوى الحرية والتغيير، التي ظلَّ اشتراطها هو تلك القوى التي وقَّعت قبلًا على إعلان الحرية والتغيير؛ لذلك لا يمكن الإضافة إليها إلا بعد تغيير الاسم واللافتة والهدف، الذي تغيَّر قطعًا عقب سقوط نظام الإنقاذ، وانتهاء حكومة الفترة الانتقالية عقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، ولاحقًا حرب 15 أبريل.
الاختلاف الذي زعمت بموجبه "تقدُّم" حلَّ نفسها وانشطارها إلى قسمين يبدو واهيًا للغاية، وهو انقسام هذه القوى بسبب دعم بعضها لحكومة تقوم في مناطق الدعم السريع، وأخرى رافضة لهذه الخطوة. لكن الأرجح أن هذا أحدُ علامات الاختلافات التي عمَّقت الهوة بين مكونات هذا التحالف، الذي يمكننا القول إن الهزائم الأخيرة التي مُنيت بها قوات الدعم السريع في عديد المحاور والمناطق، والتراجع في حجم القوات، وأيلولتها إلى الزوال والهزيمة، هو المحرِّض الأساسي للانشقاق. وهذه أيضًا إحدى ملامح تحالفات الحد الأدنى غير الاستراتيجية، والتي شهدنا أحد تداعياتها عقب سقوط نظام الإنقاذ؛ فقوى الحرية والتغيير، التي كانت تضم طيفًا واسعًا من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني حتى 11 أبريل، سرعان ما بدأت الخلافات داخلها تطلُّ برأسها حين حانت لحظة الحقيقة، فشهدنا صراعات سياسية وتبادلًا للاتهامات، واختزالًا للقرار السياسي، الذي في خاتمة المطاف بات في يد بضعة أفراد في المجلس المركزي للحرية والتغيير، عوضًا عن خمس كتل كبيرة ظلت حتى لحظة سقوط النظام بخطاب سياسي موحَّد، وهي: "نداء السودان، قوى الإجماع الوطني، تجمع المهنيين، القوى المدنية، والتجمع الاتحادي".
ما بعد الحرب وسيناريوهات الصراع
مشهد ما بعد الحرب قد يعيدنا إلى مشهد ما قبل الحرب، والذي يبدو في أكثر تمثلاته نصاعةً في تلك القاعة التي اجتمع فيها شمل القوى السياسية والعسكرية والأمنية للتوقيع على الاتفاق الإطاري، لرأب الصدع الذي أحدثه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، بعد ماراثونات من الورش التي قُدِّمت فيها أوراق تناولت طريقة الحكم والعلاقات التي تحكم السلطة والقوانين والمواثيق. وفي اليوم الأخير، الذي خُصص للإصلاح الأمني والعسكري، تغيَّب القائد العام للجيش، الذي وقَّع على إعلان مبادئ الاتفاق الإطاري، ولم يوقِّع على الاتفاق النهائي، فمات الاتفاق، ومن ثمَّ ذهبت الأطراف إلى الحرب في 15 أبريل.
ربما لم يتم الأمر بذلك الاختصار، لكن تلك كانت أهم العلامات في الطريق إلى حرب 15 أبريل. الآن يبرز سؤال اليوم التالي للحرب، ومشهد السلطة، والمشهد السياسي الذي سيتكوَّن في خريطة السودان: هل تُمنح الكتلة الديمقراطية، التي قامت بتنفيذ اعتصام القصر، والذي سُمِّي شعبيًا بـ"اعتصام الموز"، امتياز أن تكون الحاضنة السياسية للبرهان، الذي يبدو أنه ذاهب إلى حكم السودان منفردًا بإزار المنتصر، بينما يبحث عن حاضنة سياسية تزيِّن له مائدة السلطة؟ أم يرمي الكرة بين الكتلة الديمقراطية وقوى الحرية والتغيير مرة أخرى، لإعادة إنتاج ذات الصراع، الذي تدخل إليه قوى جديدة انضمَّت إلى الحرب أو تكوَّنت أثناءها، للحصول على نصيب من قسمة الثروة والسلطة في سودان ممزَّق بالحرب والصراعات والأوبئة والأمراض؟
يعود الزمن في خريطة السودان إلى التكرار: حروب، اتفاقات، صراعات، اتفاقات، انقلابات؛ إلى ما لا نهاية، دون الخروج بمشروع وطني يقي البلاد مشقة التكرارات الهائلة التي ضيَّعت فرص التنمية والنهوض في سودان ما بعد الاستعمار، الذي يقترب من عامه السبعين
المصالحة الوطنية التي أجراها النميري في ذلك الوقت، والتي أغلق بموجبها باب الصراع وأجبر القوى المعارضة بعد السجون على الانضمام إلى حزب السلطة (الاتحاد الاشتراكي)، تبدو ماثلة في هذا المشهد الآني، وكأنها لعنة العَوْد الأبدي، حيث يعود الزمن في خريطة السودان إلى التكرار: حروب، اتفاقات، صراعات، اتفاقات، انقلابات؛ إلى ما لا نهاية، دون الخروج بمشروع وطني يقي البلاد مشقة التكرارات الهائلة التي ضيَّعت فرص التنمية والنهوض في سودان ما بعد الاستعمار، الذي يقترب من عامه السبعين، بينما لا تزال الأسئلة الابتدائية عن الدستور، انتقال السلطة، إدارة الدولة، نموذج الحكم، حاضرة، وتكشف عن العوار الكبير الذي يفضح حركة إنتلجنسيا السودان ونخبه المدنية والعسكرية، التي لا تزال تضع مصالحها الشخصية فوق مصلحة السودان، وتتنكب الطريق إلى الحلول المستدامة، دون الاستفادة من تجربة الإنقاذ القريبة، التي سامت السودانيين ألوانًا من العذاب للاستئثار بالحكم والسلطة، بينما كانت الحروب تستعر في خمس جبهات في السودان، تأكل من ميزانية البلاد، وتلتهم أيَّة فرصة للتنمية، بينما يعاني المواطن للحصول على لقمة العيش، حيث كُرِّست كل الميزانية للحرب في الجنوب، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، ودارفور.
آن الأوان ليجلس السودانيون إلى مائدة يفتحون فيها قلوبهم قبل عقولهم، يقلِّبون كراسات التاريخ الحديث المدماة، التي تقول بأننا ارتهنا إلى السلاح كثيرًا، لكنه لم يوصلنا إلى أي مكان غير الخراب، والفقر، والمسغبة؛ لعلهم يتعظون.
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.