مجتمع

الخرطوم.. حكايات الجالسين على النار

5 يوليو 2023
الخرطوم (6).jpg
الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما تزال مستمرة في العاصمة الخرطوم (Getty)
تسنيم خوجلي
تسنيم خوجليكاتبة وصحفية من السودان

على بعد مئتي متر من سوق الشقلة بأم درمان، يقف الشاب محمد علي على إحدى الشرفات ليشاهد غارات الجيش السوداني على قوات الدعم السريع المتواجدة بجامعة أم درمان الإسلامية، يقف مع مجموعة من الشباب الذين يكبرون مع كل مقذوف تطلقه الطائرات الحربية.

يقول محمد علي لـ"الترا سودان" إن أسرته المكونة من أمه وأخواته الثلاث سافرت إلى الولاية الشمالية بينما بقي هو ووالده هنا في الخرطوم للدفاع عن منزلهم وممتلكاتهم ضد أي متفلتين بعد عمليات النهب والسلب الواسعة التي طالت العاصمة مع اندلاع الحرب فيها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/ نيسان المنصرم.

يبدؤون يومهم بأصوات المدافع التي تنطلق بالتزامن مع صلاة الفجر، تليها اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والتي تستمر لساعات طويلة، ومساءً يكوّن شباب الحي دوريات ليلية لصد أي عدوان

ويضيف علي أن عددًا من المنازل الفارغة التي اضطر ساكنوها إلى النزوح هربًا من ويلات الحرب وصفيحها الساخن تتعرض للاستهداف بشكل متكرر من العصابات والمتفلتين، مشيرًا إلى وجود أذيال لهذه العصابات بالحي تمدهم بالمعلومات عن أماكن المنازل التي غادرها أهاليها بالدموع أملًا في العودة إليها بعد انتهاء الحرب في الخرطوم.

خطر كبير

وفي حي أمبدة الواقع غربي الشقلة بمدينة أم درمان لا يختلف الحال كثيرًا، يبدؤون يومهم بأصوات المدافع التي تنطلق بالتزامن مع صلاة الفجر، تليها اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والتي تستمر لساعات طويلة، ومساءً يكوّن شباب الحي دوريات ليلية لصد أي عدوان من شأنه أن يهدد أمنهم كما أفاد المواطن مصطفى أبو بكر، وأضاف أن الخطر الحقيقي الذي يحيط بالمنطقة يكمن في أبناء الحي الذين يتعاونون مع مجموعات من قوات الدعم السريع ويمدونهم بالمعلومات عن الأسر التي ينتمي أحد أفرادها للقوات المسلحة، والبيوت التي ما زالت تحتوي على مقتنيات ثمينة من سيارات أو غيرها.

 أما عن الخدمات في الحي أضاف أنها تشكل عائق أساسي في حياة المواطن، حيث أصبح استقرار الكهرباء والماء وخدمات الاتصالات معًا على التوازي من الرفاهيات التي يحلم بها إنسان الخرطوم.

وأضاف أن معاناتهم مع الكهرباء باتت تأخذ شكلًا مختلفًا، حيث يطلب العمال الذين يعملون على إصلاح أعطال الكهرباء من الأهالي مبالغ مالية للعمل على إعادة التيار الكهربائي تتراوح ما بين (150) إلى (200) ألف جنيه، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة مع توقف المرتبات لثلاثة أشهر.

تمر العاصمة الخرطوم بأزمة مياه حادة منذ بداية الحرب في منتصف نيسان/أبريل الماضي (Getty)
تمر العاصمة الخرطوم بأزمة مياه حادة منذ بداية الحرب في منتصف نيسان/أبريل الماضي (Getty)

مخاوف من العنف الجنسي

في اليوم السابع على انقطاع التيار الكهربائي أصبحت المساءات أكثر خوفًا وأكثر عتمة، ومع ارتفاع أصوات الكلاب التي  تنذر بوجود غرباء في الحي تبدأ الأسئلة تحاصر مخيلتك عن هوية هؤلاء الغرباء، التي تنحصر في احتمالين اثنين لا ثالث لهما؛ إما أن تكون إحدى العصابات التي نشط ظهورها في الآونة الأخيرة في ظل غياب قوات الشرطة، أو أنها مجموعة من قوات الدعم السريع، وهو الأمر الذي تخشاه كل فتاة منذ اندلاع الحرب خوفًا من التعرض للعنف الجنسي الذي بتنا نسمع عنه كثيرًا منذ اندلاع الحرب في الخرطوم، هكذا كانت إفادة المواطنة ناهد عثمان التي تسكن في مدينة بحري لـ"الترا سودان" وهي تحكي معاناتها ومخاوفها، وأضافت أنها أصبحت تخاف عند حلول الظلام وتصاب في أحيان كثيرة بصعوبة في التنفس عند سماع أصوات المدافع الثقيلة ليلًا وخصوصًا أثناء انقطاع التيار الكهربائي. بينما يصاحب انقطاع خدمة الكهرباء دومًا توقف المياه التي يعتمد المواطنون في وصولها إليهم على "الموتورات" والتي تتوقف نتيجة لانقطاع الكهرباء لتصبح الحياة شبه مستحيلة.

وتقول ناهد إن المشهد يصير أكثر مدعاة للقلق مع مغادرة الجيران لمنازلهم، وأنهم يزدادون خوفًا في كل يوم يودعون فيه أسرة جديدة تغادر الحي الذي يسكنون فيه بينما لا تستطيع أسرتها أن تؤمن منصرفات النزوح الباهظة الثمن، ولا يجدون ملاذًا من الحرب سوى منازلهم التي لا تستطيع أن توفر لهم الحماية التي ينشدونها.

حرب ثانية

وعن معاناة أصحاب الأمراض المزمنة بالعاصمة يحدثنا المواطن ياسر موسى والذي يسكن بشرق النيل، حيث وصف معاناته في الوصول لأدوية والده المصاب بمرض مزمن بأنها "حرب ثانية".

فبعد أن طالت عمليات النهب والسلب عددًا كبيرًا من الصيدليات، وغياب عدد آخر منها خوفًا من مواجهة نفس المصير، أكد موسى أن هنالك العديد من الصعوبات التي يتكبدها إنسان الخرطوم للحصول على الدواء، الأمر الذي جعل أسعار الأدوية في الخرطوم في ارتفاع مضطرد، والذي من شأنه أن يعرض أصحاب الأمراض المزمنة لتدهور حالتهم الصحية وإصابتهم بمضاعفات قد تؤدي بهم إلى الوفاة جراء عدم الانتظام في استخدام الأدوية.

وأضاف ياسر موسى أنه بعد ثلاثة أيام من البحث تمكن من الحصول على  الدواء في إحدى الصيدليات الطرفية بعد كيلومترات قطعها سيرًا على الأقدام في أوضاع أمنية مخيفة، فيما لم يجد من الدواء سوى كمية تكفي والده لشهر واحد فقط.

أغلقت معظم الصيدليات أبوابها في العاصمة الخرطوم بسبب الاشتباكات بينما طالت أعمال النهب أعداد كبيرة منها (Getty)
أغلقت معظم الصيدليات في الخرطوم أبوابها بسبب الاشتباكات بينما طالت أعمال النهب أعداد كبيرة منها (Getty)

آمال لا تنتهي

ومن على نفس الشرفة يقول محمد علي أنه ما زال يحمل آمالًا لا تنتهي بانتهاء هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، ويرى أنه لا ملاذ للجيش السوداني سوى الانتصار في هذه المعركة وإن تأخر في حسمها، وأن السودان لن يحتمل أن تطول هذه المعارك أكثر بحسب ما يراه، إلا أنه يقول إن قوات الجيش ستحقق النصر "عما قريب"، مؤكدًا أنه لن يبارح الخرطوم بعد أكثر من (70) يومًا عاشها في الحرب وويلاتها في انتظار أن يحتفل بساعة النصر من أمام منزله ومع رفاقه الذين يراقبون معه الغارة الجوية على جامعة أم درمان الإسلامية.

مع أصوات الانفجارات المرعبة يصفق الجميع هنا بينما يطلقون عبارات تنبئ عن حماس كبير: "بل .. جغم تقيل"

ها هي الطائرة تقترب لتصيب الهدف ومع اقترابها يصبح واضحًا صوت المقذوف الذي أطلقته بينما يراقب محمد ورفاقه بترقب يشوبه الأمل، ينتظرون أن تكون هذه هي الضربة الأخيرة، وإن لم تكن كذلك فلا مانع من المزيد من الغارات الجوية على مواقع ارتكازات قوات الدعم السريع. ومع أصوات الانفجارات المرعبة يصفق الجميع هنا بينما يطلقون عبارات تنبئ عن حماس كبير: "بل .. جغم تقيل".

https://t.me/ultrasudan

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert