رأي

البشير.. إسلامي مُتنكر

22 ديسمبر 2015
GettyImages-471373636.jpg
طوال تلك الحقب ظل الرئيس البشير يرتدي أكثر من قناع(الأناضول)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

في حزيران/يونيو 1989، استولى عدد من ضباط الجيش السوداني بقيادة العميد عمر البشير على السلطة، وسرعان ما انطلت خدعة الانقلاب العسكري على العالم، بعد أن قام مجلس قيادة الثورة بحملة اعتقالات، شملت جميع القادة السياسيين بمن فيهم حسن الترابي عرًاب الانقلاب نفسه. ويذكر أن الترابي قال للبشير عبارة شهيرة أصبحت تطارده فيما بعد "اذهب للقصر رئيسًا وسوف أذهب للسجن حبيسًا"، ما جعل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يشعر بالطمأنينة ويردد على مرأى من وزرائه "ما تخافوش دول ولادنا".

في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تفاجأ العالم إذ تبين أن الحركة الإسلامية في السودان هي التي نفذت الانقلاب عبر تنظيمها العسكري

في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تفاجأ العالم إذ تبين أن الحركة الإسلامية في السودان هي التي نفذت الانقلاب عبر تنظيمها العسكري، وسرعان ما كشفت عن هويتها الحقيقية بتبنيها للشريعة الإسلامية وفتح معسكرات الجهاد، لتكتمل دورة التمكين شيئًا فشيئًا، وتصوب الثورة الموسومة بالإنقاذ ما تبقى لها من مشروع سياسي، لكن إخفاق مخابرات الدول الغربية بدا وكأنه المنطقة الرخوة في خيط الأحداث التاريخية. كيف لم ينتبهوا أن للإسلاميين تحركات سرية داخل الجيش؟ وأن البشير تم تجنيده للإخوان المسلمين منذ دراسته الثانوية؟ ما تلا ذلك كان تكوين المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، والذي تداعت له الحركات الإسلامية والجماعات الجهادية من شتى أنحاء العالم، وكاد أن يجعل من الخرطوم مسرحًا مشتعلًا، لإدارة معركة طويلة ومفتوحة مع الدول الغربية.

طوال تلك الحقب ظل الرئيس البشير يرتدي أكثر من قناع، أحيانًا يرتدى عمامة الحركة الإسلامية، وأحيانًا يرتدي هيئة الرئيس الإفريقي الثائر والمصادم لقوى الاستعمار الحديث، قُبيل أن يخلع عنه كل ذلك ويكتفي بالنياشين العسكرية التي يستمد منها قوته الفعلية، خصوصًا في معاركه الداخلية، فهو اليوم رئيس برتبة مشير، وقد مضى على توليه سدة السلطة ستة وعشرون عامًا دون أن يزيحه انقلاب عسكري، أو احتجاج جماهيري، أو حتى يهز مُلكه الدكتور الترابي، الذي فاصله في العام 1999 واتهمه بخيانة الدستور والانقلاب على الحركة الإسلامية التي أضحى الشارع اليوم يسخر من شعاراتها ودولتها، دون أن يكون لها عاصم من غضب الناس.

طوال تلك الحقب ظل الرئيس البشير يرتدي أكثر من قناع، أحيانًا يرتدى عمامة الحركة الإسلامية، وأحيانًا هيئة الرئيس الإفريقي الثائر

على ظهر موجة عاتية جاءت ثورات الربيع العربي، وهي تبشر بالحرية والكرامة، وتسع أحلام الشباب الذين أنشدوا الخلاص، حينها كان البشير في معية الشارع العربي وهو يدعم الثوار الليبين ضد القذافي، ويكتفي بالفرجة على أنظمة أخرى حليفة وهي تنهار، وعندما دنت ساعة الاحتجاجات "السبتمبرية" في السودان تم إخمادها بشكل حاسم. إثر ذلك، فتحت الخرطوم أحضانها للرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، أخًا كريمًا وابن تنظيم كريم. لكن الخرطوم نفسها التي احتوت مرسي، غضت الطرف عن انقلاب عبد الفتاح السيسي، وقالت إنها "تتعامل مع الأمر الواقع في مصر"، وكان البشير في مقدمة زوار القاهرة لتهنئة قائد الجيش بالفوز، ووصف البشير السيسي في لقاء تلفزيوني بأنه "شخص طيب ومتدين"!

المثير في الأمر أن البشير ظل يردد في الفترة الأخيرة بين كل زيارة إلى دول الخليج عبارة واحدة، وهي أنه لا علاقة له بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأن حكومته مستقلة بقرارها، وهي حقيقة ظاهريًا لا جدال فيها، لكنك لا تستطيع أن تجرد العلاقة من سياقها التاريخي، وتنفي وجود عاطفة دينية، وشراكة على صعيد الشعارات والأهداف، سيما وأن الحركة الإسلامية الحاكمة ذات صلة وثيقة برموز الإسلام السياسي في العالم، الدكتور القرضاوي، وراشد الغنوشي وأردوغان، كما أن الانقلاب على مرسي في مصر ومجزرة رابعة وحَّدت فصائل الإسلاميين من جديد وجسرت الهوة بينهم، حيث تتصل رؤاهم جميعًا، من مشكاة واحدة.

ولا يزال البعض من عتاة الإسلاميين ينصبون قاماتهم في الفضاء الشاهق ويرددون في غير ما سانحة أنّ الخلاف بين البشير والترابي مهما تطاول أمده فهو إلى زوال. لكن خصومهم، أو على الأقل تيار كبير منهم، يذهب بهم الظن خلافًا لذلك، ويرون أن ما جرى من أمر المفاصلة هو محض "تمثيليّة"، لا تنفصل بأيّ حال من الأحوال عن سيناريو الصعود الإنقاذي الأوّل حين موّه عرّابو العملية أمام المخابرات العالمية وعيون الداخل، حاجبين هويتهم عن الجميع، ولا يزال ثمة من يصور حقيقة الصراع القائم بأنه مجرّد رواية من تأليف خيال، غُيبت فيه القواعد حتى لا تفشي السر.

وتمثلت الفلسفة في ذلك بأن تتقاسم الحركة الإسلامية شقي الرحى، الحكومة والمعارضة، أما المبالغة في الصدام والعنف فقصد من ورائها صرف أنظار المتشككين عن حقيقة ما يجري في الغرف المغلقة، وأنّ على شيخ حسن، حتى لا تحترق كل مراكبه، أن يُغذي أسباب الصراع بشكل درامي، ويغالب شهوة السلطة فيبدو غريمًا لها.

وفي تلك الظروف يطوّر السودان علاقاته مع العالم الخارجي، الذي وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد توالت اللقاءات بين الترابي والبشير تباعًا، وانتهت أيام العسل بين المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي وقوى المعارضة إلى قطيعة كبرى، حيث عاد الشيخ الثمانيني إلى مراكبه القديمة بين يدي مؤتمر الحوار الوطني، لكن رغمًا عن ذلك، لا أحد يعلم على وجه التحديد، ما الذي يفكر فيه البشير، هل سيعود إلى هيئته الإسلامية دون تنكر، أم أنه أصبح في مقام الحليف لدول الخليج، ويبحث عن خروج آمن تتوفر ظروفه بشكل أفضل في هذه المرحلة؟

اقرأ/ي أيضًا:

أكتوبر 1964.. حين فشلت ثورة السودان

أقباط السودان.. تعايش حذر

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert