اختراع العدو
5 نوفمبر 2015
في السودان، يتم، دون مشاكل تذكر، تجاهل حنين العجائز بين الحين والآخر إلى أيام حكم الإنجليز "الاستعمار الإنجليزي المصري"، لكن إن أبدى أحدهم، من الأجيال اللاحقة، إنصافًا لذات الفترة، فغالبًا سيتعرض لهجوم قاسٍ بتهمة "عدم الوطنية" وهي تهمة محمولة على مقولات أنتجتها نخب الستينيات التي أسست لأكثر المفاهيم الوطنية السائدة حتى اليوم.
أيهما أكثر قسوة، المستعمرون أم نحن تجاه بعضنا البعض؟
يُنظر إلى حكم الإنجليز للسودان على أنه "استعمار، نهب للثروات، إذلال..." إلى آخر الصفات التي تُلصق بتلك الفترة التاريخية الممتدة من آخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. وظل العمل على ترسيخ "صورة العدو الإنجليزي"، فعلًا يراهن فقط على "العاطفة القومية" لنجاحه.
لا تشبه التجربة الاستعمارية في السودان بعد سقوط دولة المهدية (1898) غيرها في البلدان التي احتلها الإنجليز، بسبب من الوضع الخاص للسودان الناتج من حكمه "ثنائيًا" من قبل مصر وبريطانيا معًا، ما جعله يتبع إلى وزارة الخارجية البريطانية وليس وزارة المستعمرات مثل غيره. وكان من نتاج هذا الأمر أن ظل السودان بعيدًا عن صور القهر الاستعماري التي عانت منها مناطق أخرى في أفريقيا، بل حتى استقلاله كان أشبه بـ"تسليم وتسلُّم" بعد إعلانه من داخل البرلمان السوداني!
لكن.. ما الذي فعله الإنجليز ليصيروا "العدو"؟ هل قتلوا الناس ظلمًا، ودمروا البنية التحتية، وخرَّبوا التعليم، ونهبوا الثروات، وعطلوا حكم القانون؟ الطريف أن السودانيين هم من فعلوا كل هذا! لقد تسلّم الإنجليز بلدًا محطمًا بفعل الحرب والمجاعة والأمية التي وسمت حكم المهدية في عهد الخليفة عبد الله، ثم بعد أقل من ستين عامًا سلموه بلدًا ناهضًا بمدارسه، ومشافيه، ومشاريعه الزراعية والمائية، وهيكله الإداري الحديث، وهو ما يشرح نزعة الحنين التي تنتاب بعض من عاصروهم إلى عهدهم.
إن الصورة التي رُسمت لفترة الإنجليز بقصد أن تكون قاتمة، تعتبر حين مقارنتها بحال السودان اليوم، فردوسًا خياليًا مدهشًا؛ فيكفي من يتحدث عن قتلى الإنجليز في معركة أم درمان أن ينظر لحرب الجنوب وحرب دارفور وينظر أيهما أكثر قسوة، المستعمرون أم نحن تجاه بعضنا! ومن يتحدث عن نهب ثرواتٍ عليه على الأقل إخبارنا عن تفاصيل تلك الثروات التي "نُهبت" دون حتى مقارنتها بتقارير المراجع العام للدولة خلال العشر سنوات الماضية فقط، أما من يظن أن الاستعمار أذل السودانيين فلا رد عليه غير ما يحدث يوميًا الآن في مقابل الالتزام أيام الاستعمار بحكم القانون واحترامه.
هل كان سياق تطور دولة المهدية سيقود إلى نهضةٍ بجامعاتها وجسورها وسدودها وهياكلها التي تحفظ حقوق الآخرين؟
في ظني، اخترعت نخبة الستينيات، وقبلها آباء الاستقلال، "العدو الإنجليزي" مبررًا للاستيلاء على السودان، فما حدث في رأيي ليس صراعًا من أجل "استقلال"، بل هو فقط حرب مصالح وامتيازات بين سودانيين يظنون أن انتماءهم لجغرافيا السودان يمنحهم الحق في الحكم وإن لم يفعلوا غير التأسيس للفساد، أكثر من الأجنبي وإن لم يفعل غير البناء. إن الحاجة للاتكاء على حائطٍ قومي لم يكن موجودًا وقتها، جعل آباء الاستقلال يخترعون صورة لعدو ليلصقوا به نقائص متخيلة من أجل إقناع المجموع بصلاحهم لخلافته، وهو الصلاح الذي سقط في كل الامتحانات اللاحقة، ودوننا تشظينا الذي يهدد كيان السودان ذاته بالمحو إلى الأبد.
ثمة تساؤلات نحن بحاجة إلى التفكير فيهما بغير انغلاق، أولهما: هل كان سياق تطور دولة المهدية سيقود إلى نهضةٍ بجامعاتها وجسورها وسدودها وهياكلها التي تحفظ حقوق الآخرين؟ أم أن الاحتلال الإنجليزي شكّل مسارًا مفارقًا لما ظلت تجرُّنا إليه دولة المهدية؟ أما التساؤل الثاني فهو: هل لو سُمح للجنود السودانيين بالمغادرة برفقة الجيش المصري عام 1924 كونهم يتبعون له بالقَسَم، هل كنا سنسمع بـ"ثورة 24" التي بنيت عليها لاحقًا أدبيات القومية والنضال ضد الاستعمار؟
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.