أم درمان.. المدينة التي تراكم الحياة يوميًا
16 فبراير 2025
"تقترب الحرب من إكمال عامها الثاني ونحن هنا لم نبرح مكاننا قط. نعم واجهنا صعوبات قاسية وعشنا أيامًا من الرعب مع القصف المدفعي وبعض المواجهات المباشرة بين الجيش والدعم السريع، لكنا رغم ذلك صمدنا، والآن نحس أن الأحوال بدأت تتحسن وقريبًا – ربما – نستعيد حياتنا القديمة". هكذا تحدث المعلم بابكر عبدالرحيم لـ"الترا سودان"، بعد أن أعلن قبل أيام في وسائط التواصل عن استئناف الدراسة في مدرسته الخاصة في حي الثورات.
مواطنة من أم درمان: بالتكاتف وإشاعة روح المحبة قاومنا ولا زلنا نقاوم
طيف كبير جدًا من سكان أحياء محلية كرري فضلوا البقاء في مدينة أم درمان بعد اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023، فالمنطقة ومنذ اليوم الأول للحرب حُيدت تمامًا لصالح الجيش السوداني، المنتشر بكثافة في قواعده بمنطقة كرري العسكرية.
الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه لم تتأثر كثيرًا خلال الأشهر الأولى للحرب حتى بعد توقف خدمات الشراء الإلكتروني وإغلاق مكاتب البيع، إذ تصرف المواطنون حسب خبراتهم في تسيير هذا الأمر كلما طرأ عطل ما أو نفدت الخدمة المشتراة.
حياة وتفاعل
حياة حسين، من ساكنات حي الرياض في كرري، قالت إن جميع من بقوا في أم درمان خلال العام الأول للحرب وحتى الآن، واجهوا الكثير من المعاناة وكافحوا مشاعر الخوف والقلق، فالحرب وإن لم تظهر في شكل مواجهات عنيفة داخل كرري إلا أن آثارها العنيفة الممثلة في القصف المدفعي طالت الجميع وهددت حياتهم.
وتضيف حياة في حديث لـ"الترا سودان": "بالتكاتف وإشاعة روح المحبة قاومنا ولا زلنا نقاوم، ناس كثر من مناطق في الخرطوم وبحري ومن أم درمان نفسها قدموا وسكنوا بيننا، وبعكس ما يتوقع الآخرون كان وجودوهم بيننا حافز آخر على المقاومة والتشبث بالحياة والبحث المستمر عن حلول للمشاكل اليومية في المعيشية والخدمات والصحة".
في فترات متقطعة من حيث الطول والقصر عانى سكان أحياء كرري في أم درمان من مشاكل نقص الغذاء وغلاء أسعار السلع التموينية وندرتها، إضافة إلى تدهور الخدمات الصحية وغلاء الأدوية العلاجية في ظل توقف 90% من المستشفيات وخروجها عن العمل والتركيز على مستشفى وحيد هو مستشفى النو في الحارة الثامنة من حي الثورات.
لجأ سكان كرري، مثل أغلب سكان المناطق التي تأثرت بالنزاع، إلى حلول المطابخ الجماعية "التكايا"، والتكافل الاجتماعي في تفقد الجيران والأهل خفف كثيرًا من حجم المعاناة.
ووفقًا لعضو لجان كرري "ن. س" فإن الحي – الحارة – الواحدة في كرري قد تضم أكثر من 150 مطبخًا جماعيًا، ظلت تعمل جميعها بكفاءة عالية بتعاون الشباب المتطوعين ودعم أبناء المنطقة داخل السودان وخارجه في دول المهجر والاغتراب.
ويقول "ن. س" لـ "الترا سودان": "حتى في اللحظات العصيبة بعد الانقطاع العام للكهرباء وتوقف محطات المياه عن الضخ، كانت الحلول جماعية لصالح الكل، إذ عمل الجميع على المياه من المناطق البعيدة أو من النيل وتوزيعها على سكان كل منطقة أسرة أسرة دون فرز."
استعادة الحياة
المعلم بابكر عبدالرحمن يقول إن مدرسته توقفت قرابة العامين بسبب الحرب، لكنه يرى أن الوقت مناسب الآن لاستئناف الدراسة من داخل أم درمان. فالمنطقة إلى حد كبير آمنة والكثير من الأسر التي خرجت في بداية الأزمة عادت إلى بيوتها.
ويضيف لـ"الترا سودان": "نعم هناك بعض المخاطر الأمنية المتعلقة بقصف قوات الدعم السريع لمنطقة كرري، لكن بعد سيطرة الجيش على مدينة بحري واقترابه من السيطرة على الخرطوم ومن ضمنها جزيرة توتي تقل مخاطر القصف كثيرًا، وحتى تلك القوات الموجودة في أمبدات بأم درمان، بحسب الأنباء تواجه حصارًا كبيرًا من الجيش وقريبًا سيتم طردها".
ويتابع: "أعلنت افتتاح المدرسة بشكل جزئي، إذ سأركز على الفصلين الثاني والثالث الثانوي، فتجربة انعقاد امتحانات الشهادة السودانية إلى حد كبير كانت ناجحة، وأتوقع نجاحها أكثر بالنسبة لدفعة العام 2024 والعام الذي يليه، لذا أعمل مع فريق المدرسة على إعداد طلابنا بشكل جيد للامتحانات".
العمل في أم درمان
محمود الطاهر، أحد شباب كرري ممن خرجوا من المنطقة إلى ولاية الجزيرة في بداية الحرب، ثم عاد إلى أم درمان مرة أخرى بعد اجتياح الدعم السريع للجزيرة. يقول لـ"الترا سودان": "فقدت عملي مثل كثيرين جراء الحرب، وفي مدينة ود مدني بعد انتقالي عليها حاولت استثمار مال قليل كنت امتلكه في عمل تجاري، لكني فقدته أيضًا بعد دخول الدعم السريع إلى المدينة، وبعدها عدت إلى مكان سكني في كرري".
محمود الطاهر: خلال الشهرين الأخيرين بدأت فرص العمل تنفتح في أم درمان
يتابع محمود ويقول: "لنحو العام كنت بلا عمل بعد عودتي من ولاية الجزيرة، لكن خلال الشهرين الأخيرين بدأت فرص العمل تنفتح في أم درمان، إذ نشطت بشكل ملحوظ الحركة التجارية وأعمال المقاولات مع العودة المتتالية للمواطنين، وإعلان افتتاح المدارس في كثير من المناطق، الآن – بحمدلله – وجدت فرصة عمل مع صاحب أحد مغالق مواد البناء، وبدأت استعيد نشاطي وأحقق من جديد كينونتي".
سيطرة الجيش على مناطق كرري منذ بداية الحرب أسهم بلا شك في تماسك سكان هذه المنطقة، لكن تمسك مواطني أم درمان بمنازلهم وأمكنتهم وإصرارهم على المقاومة ساعد أيضًا بشكل كبير على صمودهم وجعل الحياة ممكنة رغم كل شيء.
الكلمات المفتاحية

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل
تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع
من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع
بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.