مجتمع

أقباط السودان.. العودة للحياة السياسية من بوابة الثورة

31 أغسطس 2019
90270_0[1]_0.jpg
عاد الأقباط في السودان للفعل السياسي في بوابة الثورة (أ.ف.ب)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

احتفظ أقباط السودان طوال ثلاثة عقود من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، بغيابهم التام عن ميادين العمل السياسي المباشر، دون أن تخالط حركتهم عمومًا شبهة مناصرة حزبية أو أيديولوجية لأي تيار في الساحة السياسية، بشكل صارخ تقريبًا.

بينما لم يكن ثمة خوض للأقباط في وحل صراع سياسي رهيب ومرهق، بدا أن الجيل الجديد أكثر حضورًا في فضاء العمل العام من باب الثورة

وربما كان ذلك لتقديرات حكمت علاقتهم بالحركة الإسلامية السودانية، التي لم يجاهروا بعداواتها، كما لم يناصروها صراحة، إلى أن انتهت تلك القطيعة مؤخرًا بحصول السيدة رجاء نيكولا عبد المسيح على عضوية مجلس السيادة، ممثلة للطائفة القطبية.

اقرأ/ي أيضًا: أقباط السودان.. تعايش حذر

وبينما لم يكن ثمة خوض للأقباط في وحل صراع سياسي رهيب ومرهق، بدا أن الجيل الجديد أكثر حضورًا في فضاء العمل العام، وتفاعلًا أيضًا، تجلى بوضوح في الحركة الاحتجاجية التي أسقطت نظام الإنقاذ، سواءً كان ذلك عبر المشاركة في المظاهرات، أو الترانيم الوطنية، وتسيير المواكب إلى ميدان اعتصام القيادة.

إعدام الطيار جرجس

 مطلع تسعينات القرن المنصرم، تلقى الأقباط خبرًا حزينًا، ظل عالقًا في الذاكرة السودانية، وهو إعدام الحكومة وقتها للطيار جرجس القس بسطس.

كان جرجس يعمل طيارًا في الخطوط الجوية السودانية، واتهمته السُلطة بالمتاجرة بالعملة الأجنبية، ونفذت عليه حكمًا بالإعدام في شباط/فبراير 1990. عندها شعر العديد من الأقباط بقرب تاريخ المواجهة الحتمية مع السلطة الحاكمة، فتزايدت مشاعر القلق، واختار بعضهم الهجرة خارج الوطن دون أن يخلعوا عنهم سودانيتهم.

لم تستغرق محكمة جرجس وقتًا طويلًا، قبل أن يكون أحد ضحايا قانون التعامل بالنقد الأجنبي، وهي الواقعة التي قرعت جرس الإنذار، فآثرت مجموعة كبيرة من الأقباط الصمت، وهاجرت مجموعات أخرى إلى الخارج خشية اندلاع نيران الصرع الطائفي.

لكن ذلك لم يحدث قط، وقد حرص المؤتمر الوطني الحاكم على استقطاب بعض الأسماء القبطية إلى صفوفه، بينهم الأب فليب ساوث فرج راعي كنيسة الشهيدين بالخرطوم، والذي كان يلبي كل دعوات البشير، وجمعته صداقة مع رموز الحزب الحاكم السابق، ترقى إلى درجة الدعم السياسي.

الساسة الأقباط

سعت العديد من الأحزاب السودانية إلى استقطاب شخصيات قبطية بارزة، من بينها عبدالله النجيب في قيادة الاتحاديين، ولطيف صباغ في حزب الأمة، وسمير جرجس في الحزب الشيوعي السوداني، إلى جانب المحامي نبيل أديب في قيادة التجمع الديمقراطي المعارض. فيما انضم بعضهم إلى حزب المؤتمر الوطني، الذي دفع خلال الانتخابات الأخيرة بمرشحة قبطية للمجلس التشريعي هي مارثا جوزيف.

ونسب إلى مارثا عبارة شهيرة هي: "المؤتمر الوطني ليس حكرًا على التوجه الإسلامي". وقد نجحت في تدشين حملتها لتبلغ معظم شوارع وبيوت الخرطوم، وركزت خلالها على ردم الهوة بين جماعتها وحزبها.

انفجار الشعور الثوري

في نيسان/أبريل الماضي انفجر الشعور الثوري لأقباط السودان، فشاركوا في كل تفاصيل الثورة التي رفعت شعار الحرية والسلام والعدالة.

وقد احتفى الشارع السوداني بتلك المشاركة، خصوصًا مشهد الأقباط وهم يرفعون العلم السوداني، ويغطون رؤوس المصلين من الشمس الحارقة في ميدان الاعتصام بالرايات والأقمشة؛ كان ذلك أثناء تأدية الثوار صلاة الجمعة.

 

 

وقد أثارت هذه الحركة ردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت ذلك دلالة على التسامح الديني، في التفاف رائع حول الثورة من كافة مكونات المجتمع السوداني.

قبطية في المجلس السيادي

مؤخرًا دفعت قوى الحرية والتغيير برجاء نيكولا عبدالمسيح عضوًا بالمجلس السيادي الذي سيدير البلاد لمدة ثلاثة أعوام. وقد رحبت الأجهزة النظامية بهذه الخطوة، دون تردد، وهي المرة الأول التي تصعد فيها امرأة قبطية، أو حتى رجل لمنصب سيادي في السودان.

وأدت رجاء القسم أمام الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي، ورئيس القضاء عباس بابكر. وذهبت بعض الآراء إلى أن رجاء ربما يتم تقديمها إلى رئاسة المجلس السيادي في الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية، التي هي من نصيب المدنيين، وهو أمر غير مستبعد، وفقًا لترجيحات عديدة يصعب تجاهلها.

رغم أن رجاء عبد المسيح جاءت من خلفية قانونية، وعملت مستشارة في وزارة العدل، إلا أنها بدأت تطلع بمهام ذات طبيعة اقتصادية. وفي أول حديث لها بعد اختيارها لعضوية السيادي، طالبت الشعب السوداني بالصبر من أجلِ حل جميع المشاكل.

وقالت رجاء في تصريحات صحفية: "نطلب من الشعب أن يصبر علينا، لأن ما حدث من تخريب خلال ثلاثين عامًا لا يمكن إصلاحه في ثلاث سنوات. كما رفضت أنّ يكون تمثيلها في السيادي لجلب حقوق الطوائف المسيحية، موضحةً أنّ حقوق المسيحيين محفوظة وفقًا للدستور، مؤكدةً: "أنا سودانية قبل أن أكون مسيحية".

نبيل أديب المحامي والمناضل

بمشاركة أخرى سابقة، كان المحامي والمناضي القبطي نبيل أديب (76 عامًا) عضوًا فاعلًا في لجنة الصياغة الدستورية.

وكان أديب أحد أشهر الأسماء المناضلة من أجل الحقوق الحريات، وأضحى مكتبه مفتوحًا لأصحاب المظالم السياسية، منافحًا ضد الانتهاكات الحقوقية، مكرسًا جهوده لنصرة المهمشين وضحايا الأجهزة الأمنية.

وقد تعرض أديب للاعتقال أكثر من مرة، ومؤخرًا برز اسمه ضمن المرشحين لوزارة العدل في حكومة عبدالله حمدوك.

هل تتولى رجاء عبدالمسيح رئاسة السيادي فعلًا؟

وبالعودة لرجاء نيكولا عبدالمسيح، فقد استبعد الصحفي السوداني إيليا روماني وليم، ترشيحها لرئاسة المجلس السيادي في فترة المدنيين.

واعتبر إيليا في حديث لـ"الترا صوت"، أن هذا الحديث "سابق لأوانه بكثير، فأمامنا 21 شهرًا لذلك"، قائلًا إنه من غير الممكن أن تترأس رجاء المجلس السيادي، موضحًا: "بسبب طبيعة عضويتها التوافقية بين المكون المدني والعسكري، والتي تُحتم عليها البقاء في عضويتها التوافقية"، وفي المقابل، يعتقد إيليا وليم أن رئاسة المجلس السيادي في فترة المدنيين ستكون لأحد الأعضاء المدنيين الآخرين.

رجاء عبدالمسيح
رجاء نيكولا عبدالمسيح

وأكد إيليا أن عضوية رجاء عبدالمسيح للمجلس السيادي لم تكن مفاجئة بالنسبة إليه، بسبب "كفاءتها وحبها للوطن وتمتعها بالقبول العام". لكنه أيضًا اعتبر أن صعود رجاء بمثابة "انتصار للمرأة السودانية ودورها في الثورة".

يُرجع الصحفي السوداني القبطي إيليا روماني وليم، ضعف مشاركة الأقباط في الحياة السياسية إلى انشغالهم أكثر بالاقتصاد والتجارة

وفيما يخص تفاعل الأقباط مع العمل السياسي، يرى الصحفي السوداني، أن "التواجد القبطي داخل الأحزاب مازال ضئيل جدًا"، عازيًا ذلك إلى "تحفظات إبأن فترة حكم نظام الإنقاذ، وربما لانشغال الاقباط بصورة عامة بأمر الاقتصاد والتجارة أكثر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المسيحيون في السودان.. الحال طيبة ولكن!

المدنيون في المجلس السيادي السوداني.. بورتريهات القصر الجديد

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert