أسعار الخبز في السودان.. معادلة مختلّة
27 أكتوبر 2019
أعلنت الحكومة السودانية أنها غير قادرة على الاستمرار في دعم السلع وقالت على لسان وكيل وزارة المالية إن دعم الخبز لن يستمر طويلًا وستتم مراجعة أسعاره لاحقًا. ولم تزل معادلة أسعار الخبز مختلة حتى بعد التغيير الكبير الذي شهدته الساحة السياسية في السودان بذهاب حكومة مغضوب عليها جماهيريًّا ومقدم حكومة تحظى بسند شعبي كبير.
الأزمة الآن في ذروتها، حيث تتكاثر صفوف الناس امام المخابز، وتدفع شركات الدقيق واصحاب المخابز نحو التصعيد
الخلل الأساسي يكمن في كون الحكومة تحاول التوفيق بين حق مشروع للمواطنين، في الحصول على سلعة أساسية بسعر معقول، وبين جشع رأسمالية طفيلية تسعى للتربح من قوت المواطنين دون رادع. الخلل الثاني يتجلى في محاولة الحكومة التوفيق بين التزاماتها تجاه المواطنين، بتحسين الاقتصاد وتخليصهم من التركة الثقيلة التي خلفها النظام البائد، دون إضافة أعباء جديدة على كاهلهم الذي ينوء بحمل مؤذ، وبين مطلوبات المؤسسات الدولية ذات الفاتورة القاسية. والأزمة الآن في ذروتها، حيث تتكاثر صفوف الناس أمام المخابز، وتدفع شركات الدقيق وأصحاب المخابز نحو التصعيد لتحقيق مطلبها بزيادة الأسعار، وتتوارى الحكومة خلف كليشيهات جاهزة من شاكلة دعوتها لتشديد الرقابة وتكاتف الجهود لضبط توزيع الدقيق.
اقرأ/ي أيضًا: السودانيون يرثون أزمة مواصلات طاحنة من فساد النظام السابق
ينظر المواطنون لأي زيادة في أسعار الخبز أنها مقدمة لزيادات متتالية ستؤدي لانفلات كامل في الأسعار، وستسرع من وتيرة الإنهيار الاقتصادي ومن التضخم وتآكل قيمة الجنيه السوداني. أما اتحاد المخابز الذي طالب برفع سعر قطعة الخبز من جنيه واحد إلى جنيه ونصف، فيلوح بإحتمال توقف بعض الأفران عن العمل بعد أسبوع من الآن حال عدم معالجة إشكالاتها ما ينذر بندرة فادحة في السلعة الأساسية.
وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، أكد استمرار الدولة في دعم دقيق الخبز لتخفيف العبء على المواطن، ودعا إلى تنفيذ قانون حماية المستهلك، وأعلن الوزير مدني عن معالجات آنية وأخرى إستراتيجية للخروج من ظاهرة شح الخبز. بينما قال وكيل وزارة المالية ميرغني حسن أن الحكومة غير قادرة على الاستمرار في دعم السلع وأكد بقاء دعم الخبز مع مراجعته لاحقًا، ما يعني أن الدعم مرفوع وربما بأسرع مما يتوقع وزير الصناعة والتجارة.
ويعتبر البروفيسور عصام بوب أن رفع الدعم من السلع الأساسية يعد قتلًا بطيئًا للفئة الغالبة من المجتمع السكاني للبلاد، عبر إضعاف قدرته على الاستهلاك وحرمانه من الضروريات، وقتل لقيمة المدخرات الموجودة، والاعتماد الكلي على تنفيذ الحكومة دون وعي أو إدراك لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، التي تدعو إلى جملة أساسيات على رأسها رفع الدعم عن السلع الأساسية. ويشدد عصام بوب على أن مؤسسات النقد أو التمويل الأجنبي لا يهمها كثيرًا موت أو حياة الشعوب، بدليل تمريرها لوصفة واحدة تطبق بحذافيرها "زيادة الضرائب- إلغاء دعم السلع الأساسية- معادلة أسعار السلع بالأسعار العالمية".
لا يخفى على أحد أن زيادة أسعار الخبز من شأنها التأثير على أسعار كافة السلع والخدمات، من واقع زيادة تكلفة الإنتاج التي تقود إلى ارتفاع الأسعار، والتي بدورها تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم الذي يتسبب في انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية، مقابل العملات الأخرى الأمر الذي يعني زيادة سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه السوداني.
اقرأ/ي أيضًا: سيانيد تلودي.. هل ينهي قرار مجلس الوزراء معاناة الناس؟
ما يظهر حتى الآن أن الحكومة الانتقالية تتجه نحو الحلول السهلة المتبعة منذ ثلاثة عقود. تلك الحلول التي لا تتورع عن حلب جيب المواطن وإرهاقه بالجبايات والإتاوات، وللمفارقة فإن الحكومة السابقة أعلنت تحرير الدقيق وفكت احتكار استيراده قبل أربع سنوات، حين أصدرت قرارًا في آب/أغسطس 2015 بفك احتكار استيراد سلعتي الدقيق والقمح لشركات المطاحن الكبرى الثلاثة للغلال (سيقا، ويتا، وسين) وفتح باب الاستيراد لبقية شركات المطاحن عبر العطاءات.
قال وزير المالية وقتها بدر الدين محمود عباس أن الدولة تفتح استيراد القمح بالتزامن من انخفاض أسعاره عالميًا، واعتمد عباس وقتها على ذات الحجة التي تشهرها الحكومة الحالية، وهي محاولة تفادي تسريب دقيق الخبز لأغراض أخرى، وتشجيعًا للإنتاج الزراعي المحلي وتوطين زراعة وصناعة القمح.
ما زال السودانيون بعيدين من إنجاز تغيير حقيقي فيما يلي استقرار وانسياب سلعة أساسية كالخبز
يبدو أننا ما زلنا بعيدين من إنجاز تغيير حقيقي فيما يلي استقرار وانسياب سلعة أساسية كالخبز، فكل المحاولات لتحقيق هذا الهدف عرضة لصراع صفري، بين الحكومة والمستوردين وأصحاب المخابز ومهندسي الفساد، في ظل غياب الإنتاج المحلي وضمور مساهمته بأقل من 12% إلى 17% من احتياجات المواطنين البالغة اثنين مليون طن في العام.
اقرأ/ي أيضًا
عن أطباء السودان والبلاد التي تكتب الآن
"شطاية".. قرية دارفورية عانت الرعب والدمار على أيدي "الجنجويد"
الكلمات المفتاحية

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل
تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع
من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع
بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.