مجتمع

أزمة الدواء ..مرضى تحت رحمة "تجار الشنطة"

13 أكتوبر 2020
Medic.jpg
تعبيرية (Shutter Stock)
محمد حلفاويصحفي سوداني

يختزل غالبية المرضى البحث عن الأدوية المنقذة للحياة بالتواصل مع "تجار الشنطة"، حيث يمكن شراؤها بسعر أعلى من أسعار الصيدليات بخمسة أضعاف، لكن بالنسبة للمرضى، السعر المضاعف أفضل من الندرة.

تكاد الصيدليات تضع تنويهًا على أبوابها بنفاد جميع الأدوية 

يمر القطاع الصيدلاني في السودان بوضع استثنائي، وتكاد الصيدليات تضع تنويهًا على أبوابها بكتابة عبارة "لا توجد لدينا أدوية" بسبب الأرفف الخالية بعد قرابة تسعة أشهر من جائحة كورونا، وأزمة اقتصادية أطاحت بالخطة الحكومية لتوفير الأدوية.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة علماء السودان: رأي رئيس دائرة الفتوى مع التطبيع "شخصي" ولا يعبر عن الهيئة

وأدى عدم التزام مجلس الوزراء بتوفير (35) مليون دولار شهريًا لاستيراد الأدوية إلى شحها في الصيدليات وانتقالها إلى السوق الموازية، حيث "تجار الشنطة" يجوبون الأحياء لبيعها إلى المرضى بسعر مضاعف، إذ يتعين على الباحثين عن الدواء الموافقة على السعر والاتفاق مع "تاجر الشنطة" على المكان والزمان لاستلام الدواء.

بسبب شح الأدوية ارتفع سعر عقاقير مرض ارتفاع ضغط الدم من (30) جنيهًا إلى (200) جنيه تكلفة شريط يحتوي على (10)أقراص فقط، ويحتاج المريض إلى ثلاثة أشرطة منه شهريًا.

ولم ينجُ طالبو "البخاخات الرذاذية" لمرضى الحساسية من أزمة الأدوية، حيث عرضت شركة خاصة على الطبيبة الصيدلانية أمل عبد الفتاح، بيع (10) وحدات من البخاخ بقيمة (1600) جنيه، لتباع للمريض بـ(1700)، بينما يفترض أن تباع علبة البخاخ بسعر (520) جنيه وفقًا لتسعيرة مجلس الصيدلة والسموم الهيئة الحكومية المعنية بالرقابة على أسعار الأدوية.

وتقول أمل لـ"الترا سودان": "عرضت الشركة بيع البخاخ بسعر (520) جنيهًا تقيد على الفواتير، بينما بسعر (1600) جنيه يُتفق عليها بيننا شفاهة للتحايل على مجلس الصيدلة والسموم". وتضيف الطبيبة الصيدلانية: "أبلغت الشركة بعدم رغبتي في شرائها لأن العدم أفضل من السوق الموازية بالنسبة لي كطبيبة صيدلانية".

وانتشرت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ نهاية الأسبوع الماضي تحت وسم موحد "مافي دواء" أطلقها ناشطون وعاملون في القطاع الصيدلاني للضغط على مجلس الوزراء للتدخل والوفاء بتعهداته.

ومارست أطراف في السلطة الانتقالية والمعارضة ضغوطًا كبيرة على مجلس الوزراء لإقالة وزير الصحة السابق أكرم علي التوم في أيار/مايو الماضي، وذلك بالتزامن مع تحركات التوم لمواجهة جائحة كورونا، حيث اتهم من معارضيه داخل السلطة بعدم الوفاء بتعهداته بالقضاء على الفيروس الجديد إلى جانب عدم وفرة الأدوية.

بعد أربعة أشهر من إقالة أكرم التوم وزير الصحة السابق، تبدو الأوضاع في القطاع الصحي والصيدلاني أكثر حرجًا من ذلك الوقت، وربما كان التوم ضحية "لوبيهات" داخل السلطة الانتقالية.

وتُشير الطبيبة الصيدلانية أمل عبدالفتاح، إلى أن قطاعي الأدوية والصحة تعرضا إلى استقطاب سياسي حاد كان الضحية فيه المواطن الذي لا يجد الدواء حتى لو وافق على شرائه بأي ثمن.

وتتابع: "نحن نشعر بالأسى لمريض يأتي إلينا بحثًا عن الأدوية التي صرفها له الطبيب ولا يجدها. فمن بين كل (100) مريض (80) لا يحصلون على الدواء".

اقرأ/ي أيضًا: أمين حكومة ولاية كسلا يستمع لتنوير من لجنة المساعي الحميدة

وتواصل "الترا سودان" مع المجلس القومي للصيدلة والسموم للتعليق حول ظهور "تجارة الشنطة للأدوية المنقذة للحياة" وارتفاعها إلى أضعاف تسعيرة المجلس، لكن مكتب الإعلام طلب مهلة للرد على الأسئلة، مكتفيًا بوجود بلاغات لدى المجلس حول ظهور "تجار الشنطة".

حمل  مديرة إدارة الإعلام بمصنع "أميفارما" للأدوية، الحكومة مسؤولية شح الأدوية وتوقف بعض المصانع المحلية

فيما يُحمل مديرة إدارة الإعلام بمصنع "أميفارما" للأدوية، محمد إبراهيم الحاج، الحكومة مسؤولية شح الأدوية وتوقف بعض المصانع المحلية بعدم الوفاء بالتزاماتها التي بذلتها في شهر حزيران/يونيو الماضي بتوفير (15) إلى (25) مليون دولار للمصانع المحلية شهريًا لغرض استيراد المواد الخام.

ويكشف  الحاج لـ"الترا سودان"، عن ظهور وسطاء وسماسرة في مجال الأدوية، لدرجة أن مصنع "أميفارما" يبيع عُلبة الأميدول "باراسيتامول"، بسعر (33) جنيهًا على أن تباع بقيمة (40) جنيهًا للمريض في الصيدلية، لكنها تُباع بـ(200) جنيه، مشيرًا إلى أن سماسرة الأزمات يتربحون أكثر من المصنع نفسه، أي أنهم يحصلون في علبة الأميدول بـ(167) جنيهًا، بينما يحصل مصنع "أميفارما" على (33) جنيهًا، في العلبة رغم أن المصنع يتحمل مصروفات التشغيل والمواد الخام والعمالة والطاقة والضرائب. 

ويحذر الحاج من أن قطاع الأدوية وأسواقها في البلاد وقعت تحت سيطرة تجار الأزمات والسماسرة، وهذه المؤشرات بدأت نتيجة تشوه الاقتصاد الكلي إلى جانب ظهور جائحة كورونا التي رفعت أسعار الأدوية.

اقرأ/ي أيضًا: قصص مؤلمة في فضاء السجن الموحش ترويها مجموعة "فيد للفنون"

ويؤكد المتحدث الإعلامي باسم مصنع "أميفارما" محمد إبراهيم الحاج، توقف غالبية مصانع الأدوية عدا "أميفارما" بسبب عدم التزام الحكومة بتوفير النقد الأجنبي لاستيراد المواد الخام.

الموقف الحكومي فيما يتعلق بالأزمة الدوائية مرتبط بشح العملات الصعبة

وأشار الحاج إلى أن مصنع "أميفارما" فضل الاستمرار في الإنتاج لتلبية احتياجات السوق المحلي، ويعتمد في استيراد المواد الخام بالعملات التي يوفرها من موارده الذاتية دون أي تدخلات حكومية.

ويدعو الحاج الحكومة وسلطات إنفاذ القانون إلى مراقبة تجار الشنطة وسماسرة الأدوية بمنع المضاربة في الأدوية، موضحًا أن الأزمة الدوائية قد تجعل بعض الصيدليات تفضل بيع الأدوية بالكامل إلى التجار بدلًا من بيعها للمرضى.

ويستبعد الحاج أن تكون الأزمة في الأدوية مقتصرة على شح العملات الصعبة، ونوه إلى أن الأدوية المتوفرة حاليًا تباع بسعر مضاعف لعدم وجود رقابة فعالة من الجهات الحكومية.

أما الموقف الحكومي فيما يتعلق بالأزمة الدوائية مرتبط بشح العملات الصعبة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزامات شهرية وعدت بها شركات استيراد الأدوية بواقع (35) مليون دولار للاستيراد، و(25) مليون دولار للمصانع المحلية.

وأبلغ "الترا سودان" مسؤول من مجلس الوزراء مشترطًا حجب اسمه ويعد أحد المكلفين بمتابعة ملف الأزمة الدوائية مع الجهات المختصة، أن أزمة الأدوية مرتبطة بالاقتصاد الكلي الذي يعاني من شح العملات الصعبة، بالتالي ما لم ينهض الاقتصاد لا يمكن تقديم حلول مستدامة.

اقرأ/ي أيضًا: العقبات التي تواجه اتفاق السلام في السودان

وتُوضح هذه التصريحات التي تصدر من مسؤول بمكتب رئيس الوزراء، أن الأوضاع ربما تسوء أكثر لاحقًا في ظل تآكل قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي في السوق الموازي وعدم تلقي السودان مساعدات اقتصادية.

مسؤول حكومي: نتوقع حل الأزمة نهاية الأسبوع لكن ليس بشكل مستدام 

ويضيف المسؤول: "لدينا حلول قصيرة الأجل بتوفير العملات الصعبة لاستيراد الأدوية، وبنهاية الأسبوع الحالي ربما تتوفر الأدوية، لكن لا يمكن تقديم ضمانات بتوفرها بشكل مستدام، لأن الأمر مرتبط بالاقتصاد الكلي".

اقرأ/ي أيضًا

شهود الاتهام في مجزرة الأبيض: قوة من الدعم السريع أطلقت الرصاص على الطلاب

هزة أرضية تضرب القضارف للمرة الثانية هذا العام

الكلمات المفتاحية

شارع السينما - نيالا (ويكيميديا).jpeg

نيالا.. مدينة تخيم عليها أصوات السلاح والقتل 

تعيش مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حالة من التدهور الأمني بسبب الاستهداف الذي يتعرض له التجار في الأسواق بغرض نهب الأموال، ما أدى إلى ظهور حركة عكسية لنقل الأنشطة التجارية إلى دول الجوار.


Ramadan Charity Kitchen.png

تكايا رمضان في السودان.. موائد الرحمة في زمن الصراع

من بحري إلى أم روابة، ومن القضارف إلى المدن والقرى التي أنهكها النزاع، تتكاتف الأيدي في تكايا رمضان لتوفير وجبات تُشعر الناس بكرامتهم


مسحراتية في السودان.jpg

بالدفوف والطبول.. المسحراتية في كسلا يعودون إلى الشوارع

بالطرق على الدفوف والطبول، يطوف شبان من حي الميرغنية بمدينة كسلا شوارع الأحياء. ويعتقد مواطنون أن إحياء ظاهرة المسحراتي من الأمور التي تمنح الأمل بوجود حياة مغايرة للمجتمعات.


Sudanese Iftar in Egypt.png

في شهر رمضان.. إفطارات الشوارع من السودان إلى مصر

أول يوم في شهر الصيام، في الأول من آذار/مارس 2025، لم يمر مرور الكرام بالنسبة للسودانيين، بنقل موائد الإفطار إلى شارع فرعي في العاصمة المصرية، للعام الثاني على التوالي، وهي عادة تسمى "الضرا".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert