هجوم الدعم السريع على كهرباء دنقلا.. تداعيات كارثية على الموسم الزراعي

عاد النور إلى مدينة دنقلا بشكل تدريجي بعد ثلاثة أسابيع من الظلام، دخلتها المدينة وعانى فيها المواطن الأمرَّين بسبب تعطل معظم الخدمات الأساسية، إثر استهدافٍ عبر مسيّراتٍ تابعة لمليشيا الدعم السريع، أدّى إلى تدمير كبير في محطة الكهرباء التحويلية، مما تسبب في خروجها تمامًا عن الخدمة.

استهداف مليشيا الدعم السريع لمحطة كهرباء دنقلا يأتي تباعًا لاستهدافها المنشآت الحيوية في مناطق سيطرة الجيش، فبعد استهداف محطة كهرباء سد مروي ومحطة الشواك التحويلية بولاية القضارف في منتصف كانون الثاني/يناير المنصرم، جاء استهداف دنقلا بسرب من المسيّرات، استطاع بعضها تجاوز دفاعات الجيش وإصابة أهدافها.

مع كل تمدد عدائي لمليشيا الدعم السريع، يعود سؤال الحرب ودوافعها وأهدافها ليطرح نفسه بقوة، فالخطاب الذي تبني عليه المليشيا وأذرعها الإعلامية قضيتها في هذه الحرب يتنافى تمامًا مع انتهاكاتها

انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة ومجموع القرى المحيطة بها انعكس تأثيره بشكل كبير على كافة القطاعات الخدمية في المنطقة، حيث توقّف الإمداد المائي لمعظم الأحياء بسبب خروج محطات المياه عن الخدمة، وهو ما ألقى بظلاله على أداء القطاعات الحكومية والخاصة، لكن الضرر الأعظم كان على مستوى القطاع الزراعي.

مع كل تمدد عدائي لمليشيا الدعم السريع، يعود سؤال الحرب ودوافعها وأهدافها ليطرح نفسه بقوة، فالخطاب الذي تبني عليه المليشيا وأذرعها الإعلامية قضيتها في هذه الحرب يتنافى تمامًا مع انتهاكاتها في مناطق سيطرتها، والمحاولات المستمرة لزعزعة أمن المواطن النفسي والاقتصادي في مناطق سيطرة الجيش. ولا تخلو منصات التواصل الاجتماعي من التهديدات المتكررة من عناصرهم بشأن دخولهم إلى مناطق جديدة في الولايات الشمالية والشرقية.

استهداف محطة الكهرباء يُعدّ تهديدًا مباشرًا لأهم مشروع زراعي في الولاية، فمشروع حوض السليم الزراعي، الذي تبلغ مساحته 50 ألف فدان، وتصل المساحة المزروعة فيه وحوله إلى أكثر من 150 ألف فدان إذا وضعنا في الاعتبار القرى المحيطة بالمشروع ومدينة دنقلا، يؤهّله ليكون الشريان الرئيسي لسد الحاجة المحلية من محصولي القمح والفول المصري، كما أنه مصدر الرزق الأساسي والوحيد لآلاف العمال والمزارعين، مما يعني أن تأثره يُشكل تحديًا إضافيًا للأمن الغذائي.

لم يتوقع أشدّ المتشائمين أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي كل هذه الأيام، فتأخرت المعالجات الحكومية لملء ترع الري بالمشروع، وكانت النتائج كارثية على غالب المحاصيل الزراعية، لا سيّما أن هذا الوقت يُعتبر حرجًا بالنسبة لنمو المحاصيل، حيث تبدأ ثمرة الفول المصري بالتشكل والتضخم، والعطش الذي طال المحاصيل كان له تأثير كبير على حجم وشكل الحبوب المنتَجة. أما القمح، فقد واجه العطش قبل اكتمال نمو أجزائه، مما دفع بعض المزارعين إلى اليأس منه واستخدامه كمرعى للحيوانات.

يذهب الرأي العام في أوساط المزارعين إلى أن هذا الهجوم لم يكن اعتباطيًا أو من قبيل الصدفة، فاختيار هذا التوقيت الحساس من الموسم يحمل في طيّاته نية واضحة لإفشال جهودهم وقصم ظهرهم خلال الموسم الشتوي. كيف لا، والمليشيا قد تجاهلت كافة المنشآت العسكرية واختارت أن تضرب موقعًا حيويًا له ارتباط مباشر بالمواطن وخدماته، مما يفتح الباب لاحتمالات استهداف منشآت مدنية أخرى مستقبلًا.

وفي محاولة لإنقاذ الموسم، أوجدت حكومة الولاية لاحقًا معالجات طارئة مكّنت من استقرار الري في الترع الرئيسية بالمشروع، إلا أن المزارعين اضطروا إلى اللجوء لحلول بديلة مثل تشغيل وابورات الجازولين القديمة والاستعانة بألواح الطاقة الشمسية لضمان استمرارية ضخ المياه إلى حقولهم العطشى. لا شك أن هذه الزيادة في تكاليف الإنتاج، إلى جانب انخفاض العائد المتوقع، سيكون لها أثر كبير على أسعار المحصولين اللذين يعتبران الأهم والأكثر استهلاكًا من قبل المواطن.

يعيش المزارعون والعمال أوقاتًا عصيبة، حتى إن بعضهم ظل مرابطًا في الحقول طيلة الأيام السابقة لاغتنام أي فرصة تمكّنهم من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم، وللسيطرة على الأمراض التي بدأت في التفشي في بعض الحقول نتيجة العطش

يعيش المزارعون والعمال أوقاتًا عصيبة، حتى إن بعضهم ظل مرابطًا في الحقول طيلة الأيام السابقة لاغتنام أي فرصة تمكّنهم من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم، وللسيطرة على الأمراض التي بدأت في التفشي في بعض الحقول نتيجة العطش. وهم لا يملكون سوى الأمل في تقليل الخسائر بما يمكنهم من تسديد قروضهم البنكية والشخصية.

هذا الهجوم المتكرر يجب أن يدفع القطاع الزراعي إلى التفكير في حلول دائمة للطاقة البديلة. وما أفاد به المدير التنفيذي لمحلية دنقلا، الدكتور مكاوي الخير، بشأن شروعهم في تدشين منظومات طاقة شمسية لكافة محطات المياه بالتعاون مع منظمة صحاري للتنمية، يُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح لمجابهة تحديات العدوان المستمر. إلا أن الضرر الكبير الذي وقع على المزارعين يتطلب مزيدًا من التنسيق مع البنك الزراعي لوضع معالجات استثنائية تخفف من الخسائر الكبيرة، وتضمن استمرار الاستثمار الزراعي مستقبلًا.