رأي

موسم مفتوح لكراهية الأجانب في السودان

17 يوليو 2024
أجانب لاجئون في السودان.jpg
يقيم في شرق السودان أكثر من مليون لاجئ من إثيوبيا وإريتريا (أ. ف. ب)
عامر صالح
عامر صالحصحفي من السودان

قبل أيام، أصدر والي ولاية الخرطوم الذي يحكم محلية واحدة من محلياتها السبع، قرارًا يطالب الأجانب بمغادرة الولاية فورًا، معللًا ذلك في نص القرار، بحمايتهم من أوضاع الحرب، كأنه استيقظ لحقيقة الحرب في ولايته بعد مضي (15) شهرًا على دمارها بالكامل. والي الولاية الشمالية أيضًا يتوعد بين الفينة والفينة الأجانب في نطاق سلطاته، كما يصدر الأوامر بإطلاق النار على المشتبه بعملهم مع الدعم السريع أولًا ومن ثم طرح الأسئلة لاحقًا. في الولايات التي لم تصلها الاشتباكات بعد ولكن وصلها النازحون، نفس الروح، ليس ضد الأجانب فحسب، بل حتى الوجوه الغريبة.

والي الخرطوم بعد أن برر قراره الذي استقبله الإعلام العالمي بشيء من الدهشة، قال للجزيرة نت الأسباب الحقيقية للخطوة، يمكن تلخيص حديثه في كراهية الأجانب، فقد أوضح أن السبب خلف القرار هو تورط آلاف الأجانب في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش. بالفعل تقارير عديدة تقول إن الدعم السريع تجند العديد من الأجانب في صفوفها، ولكن ما معنى القرار إن كنت تعلم مسبقًا أنك لن تستطيع تنفيذه حتى؟ لكنها ببساطة محاولة لرمي الفشل العسكري على قوى خارجية، وتزكية الكراهية.

لقد أطلقت السلطات العنان لنازية قديمة في السودان

واليوم يلوح والي الولاية الشمالية بأشد العقوبات على الأجانب المخالفين بالولاية، داعيًا إياهم للمغادرة فورًا. في الوقت ذاته، شرعت إدارة محلية الدبة في عمليات ترحيل الأجانب، الذين بلغ عددهم نحو 300 شخص، بينهم (52) من الأطفال، هؤلاء هم الخطر على السودان في نظر والي الولاية الشمالية.

مدير وحدة الدبة الإدارية قال إن الأمر يأتي في إطار بسط هيبة الدولة ومحاربة الظواهر السالبة. الدولة هذه فشلت في بسط هيبتها ومُرغت في الوحل بأفاعيل الميليشيات التي كانت ترعاها حتى اشتدت شوكتها عليها. الدامر في نهر النيل أصرت أن تلحق بالركب، حيث أمهلت الأجانب فترة (10) أيام لمغادرة المحلية.

الولايات التي لم تصلها الاشتباكات بعد أيضًا شرعت في ملاحقة كل من لا يحمل أوراقًا ثبوتية، ناهيك عن الأجانب. لقد أطلقت السلطات العنان لنازية قديمة في السودان. والي ولاية كسلا كان قد وعد من يبلغ عن (10) من المشتبه تعاونهم مع الدعم السريع، بمكافأة عبارة عن قطعة أرض. هذه الولايات استقبلت وما تزال تستقبل مئات الآلاف من النازحين السودانيين، وبها تواجد أجنبي كبير من اللاجئين الذين يبحثون عن الحماية والمعاملة بالمثل في أرض السودان.

هؤلاء القادة المحليون شعبهم مشرد في أصقاع الأرض بفعل الحرب التي أذلت أعزة السودان، جعلتهم لاجئين في دول الجوار التي تُضيّق عليهم بعد أن ضاقت بهم بلادهم التي يتقاتل فيها جنرالات مجانين. الأوضاع تزداد سوءًا في السودان كل يوم، والكراهية تغذيها الخطابات الفاشية التي يطلقها القادة المحليون، مما يزيد من معاناة الأجانب والمواطنين على حد سواء. السلطات تواصل حملاتها بلا هوادة، مستهدفة كل من تشك في ولائه، وسط مناخ من الخوف والتوجس يسود البلاد. العديد يتحدثون عن معتقلات ملأى بالمشتبه بتعاونهم مع الدعم السريع، من السكان المحليين وأيضًا الغرباء الذين دفعتهم ظروف المنطقة الملتهبة للجوء بالسودان، علهم يجدون فيه المأوى. هؤلاء معظمهم من الأحباش المسالمين، أبناء إثيوبيا التي يقيم فيها الآن بالفعل عشرات الآلاف من السودانيين في ظروف لا تقل سوءًا، وإريتريا التي فتحت أبوابها مشرعة لاستقبال السودانيين الفارين من جحيم الحرب.

وبدلًا من إبداء حسن النية وإكرام الضيف، يدفع قادة الحرب وسدنة حكومة الأمر الواقع بالتي هي أسوأ، ليضيقوا على السودانيين بالخارج كما ضيقوا على من هم بالداخل. يا ترى ماذا ستكون ردة فعل هؤلاء إذا قامت دول الجوار بطرد السودانيين الذين يتوافدون يوميًا إلى أراضيها فرارًا من الحرب؟ عبر أكثر من مليوني سوداني الحدود إلى دول الجوار منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فيما نزح أكثر من (10) ملايين من "الوجوه الغريبة" بالداخل. إن هؤلاء جميعًا هم من المتضررين المحتملين بهذه القرارات الرعناء، والكراهية التي هي ظل للعجز والفشل.

مع تصاعد التوترات وتوسع دائرة الحرب، تتزايد الانتهاكات ضد الأجانب والمواطنين الذين يُشتبه في انتمائهم أو تعاونهم مع قوات الدعم السريع. يتم احتجاز الأفراد دون محاكمات عادلة ويتعرضون للتعذيب والاضطهاد، بينما تلتزم عديد الجهات الصمت إزاء هذه الجرائم

مع تصاعد التوترات وتوسع دائرة الحرب، تتزايد الانتهاكات ضد الأجانب والمواطنين الذين يُشتبه في انتمائهم أو تعاونهم مع قوات الدعم السريع. يتم احتجاز الأفراد دون محاكمات عادلة ويتعرضون للتعذيب والاضطهاد، بينما تلتزم عديد الجهات الصمت إزاء هذه الجرائم. الوضع الإنساني يتدهور بسرعة في مناطق النزاع، حيث يعاني السكان من نقص في الغذاء والماء والخدمات الأساسية، بينما تواصل الميليشيات فرض سيطرتها بالعنف والقوة.

كانت هيومن رايتس ووتش قد حذرت قبل أيام من توسع دائرة الحرب نحو الشرق، لافتة إلى المخاطر التي يواجهها مئات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين والإريتريين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم. قالت إن أكثر من مليون لاجئ يتم تجاهلهم. وأضافت: "هؤلاء الأشخاص فروا من القمع الشديد في إريتريا أو الصراع المليء بالفظائع في منطقة تيغراي بإثيوبيا، على أمل العثور على الأمان في السودان. الآن، قد تكون حياتهم في خطر مرة أخرى".

في هذه الأثناء، يواصل المجتمع المدني السوداني محاولاته لتقديم المساعدة والدعم للمتضررين، جيوش من المتطوعين الذين تحاربهم الدولة يقومون بعملها وهي منشغلة بهوس الجنرالات وتهويماتهم. المنظمات الإنسانية المحلية تحاول جاهدة تقديم الخدمات الأساسية والمواد الغذائية للنازحين واللاجئين، رغم نقص الموارد والدعم الدولي الذي يدفع حتى الأمم المتحدة إلى الشكوى من هذا التجاهل الغريب. الجهود الشعبية في وجه الطغاة تتسم بالشجاعة والإصرار، حيث يقوم المتطوعون بتقديم الرعاية الطبية وتوزيع الإمدادات الغذائية، في ظل غياب تام للدولة عن أداء دورها في حماية المواطنين والمقيمين على حد سواء.

التدخلات الدولية ما تزال محدودة وغير فعالة في وقف العنف أو تقديم الدعم الكافي للمدنيين المتضررين في السودان، لا سيما وأن يد المجتمع الدولي مغلولة عبر قوى تناصر الدعم السريع في حربه على السودان

التدخلات الدولية ما تزال محدودة وغير فعالة في وقف العنف أو تقديم الدعم الكافي للمدنيين المتضررين في السودان، لا سيما وأن يد المجتمع الدولي مغلولة عبر قوى تناصر الدعم السريع في حربه على السودان، وتفعل هذه القوى كل ما في وسعها للحفاظ على وضعها في نهب خيرات البلاد، ولو عنى ذلك تدميرها فوق من فيها. في الوقت الذي يشتد فيه القمع من قبل سلطة الأمر الواقع، تزداد الدعوات من منظمات حقوق الإنسان لضمان سلامة الأجانب والمواطنين على حد سواء، ولكن يبقى المستقبل قاتمًا مع استمرار الانقسامات العميقة وخطابات الكراهية التي تمزق البلاد وتترك أثرًا دائمًا على حياة الملايين.

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert