معاول البناء الهدام
21 يونيو 2020
ما الذي يمنع قوى وكيانات توحدت في مرحلةٍ مصيريةٍ من مراحل الثورة حول هدفٍ حاسمٍ هو إسقاط النظام، ألا تتوحد مرةً أخرى حول أهدافٍ أخرى ليست أقل مصيرية في مرحلة الانتقال الراهنة التي هي بمثابة مفترق طرقٍ بين البناء والمضي قدمًا إلى الأمام أو الهدم والسقوط إلى الوراء في مهاوي الدورات الجهنمية للشموليات المدنية والعسكرية؟ دائمًا ما يميل التفسير السائد لحالة التشظيات والتكتلات والانقسامات والإقصاءات الحزبية، كما يحدث الآن في تجمع المهنيين السودانيين، إلى اعتبار هذه الحالة المرضية العضال ناتجة عن غياب الديمقراطية والعمل المؤسسي والرؤية البرامجية.
النخب الحزبية في السودان ظل يعوزها على الدوام امتلاك الحس التاريخي اللازم والبصيرة الاستشرافية النافذة إلى ما وراء الانتماءات الضيقة والتكتلات الحزبية
وإذا ما سلمنا جدلًا وافتراضًا بأن هذا الغياب هو المفسر لحالة الاستشراء المزمنة لأمراض الحزبوية الفاتكة والهدامة، فما الذي يمنع نماذج مختلفة من النخب، التي ظلت تتناسل كالفطر السام من وحل فشلها التاريخي والبنيوي المزمن، من أن تتعلم من التاريخ وتستفيد من فترات الانتقال بوصفها فرصًا تاريخية تسمح لها بأن تعيد إنتاج البني الحزبية القديمة المتكلسة في اتجاهاتٍ جديدة تفتح الآفاق لعمليات البناء المؤسسي والفكري والبرامجي، بحيث تجعلها هذه العمليات قادرة على طرح بدائل عملية وفعالة على المدى القصير والطويل لإحداث انتقال تاريخي حقيقي، وليس تحولٍ سياسي فحسب، يؤسس رويدًا رويدًا لتجاوز البنى القديمة وتخليق أخرى جديدة تقود مشروع بناء دولة القانون والمواطنة والمؤسسات والحقوق والعدالة والمساوة؟
اقرأ/ي أيضًا: "كوشيب" أمام العدالة الدولية.. لا إفلات من العقاب
يمثل محمد ناجي الأصم، وغيره من الواجهات القيادية لتجمع المهنيين، امتدادًا لفئاتٍ وأجيالٍ مختلفةٍ من النخب الحزبية التي ظل يعوزها على الدوام امتلاك الحس التاريخي اللازم والبصيرة الاستشرافية النافذة إلى ما وراء الانتماءات الضيقة والتكتلات الحزبية. فبوسع هذين الترياقين المضادين لأمراض الحزبوية، أي الحس التاريخي اللازم والبصيرة الاستشرافية النافذة، أن يجعلا هذه الزمرة البارة والميمونة قادرةً على التفكير خارج البنى والأطر الحزبية المتكلسة والهدامة، ومن ثم البدء تدريجياً في التحرر من ثقافة الشموليات الصفوية والإقصاءات الحزبية المتوراثة جيلًا بعد جيل؛ وهي ذات الثقافة التي نهل من نبعها الصفوي السام الإسلامويين واليساريين أيضًا. إذ تفتح هذا النبع السام وترعرع في حواضن التعليم الكولونيالي ومواعين النظام البيروقراطي الفاسد لجهاز الدولة الحضري الموروث من التجربة الاستعمارية.
اقرأ/ي أيضًا: أشباح الماضي ترتدي أقنعة الحاضر
ودون امتلاك الحس التاريخي اللازم والبصيرة الاستشرافية النافذة، فإنه يكون من الصعب الشروع في عمليات التجذير المفاهيمي والأداتي والمؤسسي للديمقراطية والتعددية والبرامجية والاختلاف، سواء كان ذلك داخل الأحزاب أو التحالفات السياسية ذات المرامي والأهداف المرحلية كتجمع المهنيين السودانيين.
تغيرت الفكرة المؤسسة والصيغة التحالفية، لكن لا تزال البنى والأطر وطرائق التفكير الحزبية المريضة والمتكلسة تمارس فعالياتها الهدامة
وعلى الرغم من أن فكرة تأسيس كيان تحالفي-فئوي كتجمع المهنيين، كانت قد استمدت جذوتها النابضة من ضرورة خلق تحالف واسع المواعين ومتعدد الانتماءات ومعبر عن التنوعات الإثنية والقبلية والجغرافية، مع تمتعه بالحيوية اللازمة التي تجعله قادرًا على تحييد أي شكل من أشكال الصراعات الحزبية، إلا أنه سرعان ما كشفت البنى الحزبية عن وجوهها المشوهة وعاهاتها الخفية المزمنة، بعد عامٍ واحدٍ من سقوط نظام توحد الجميع معًا لإنجاز مرحلة إسقاطه الحاسمة. لقد تغيرت الفكرة المؤسسة والصيغة التحالفية، لكن لا تزال البنى والأطر وطرائق التفكير الحزبية المريضة والمتكلسة تمارس فعالياتها الهدامة بدأب وإصرار قيادات مختلفة في أزمنة مختلفة؛ قيادات عاشت وكررت تجربتي تجمع الهيئات في تشرين الأول/أكتوبر 1964 والتجمع النقابي في نيسان/أبريل 1985.
إن الصراعات المتأججة الآن في تجمع المهنيين السودانيين لا تعيد فحسب استنساخ تجارب الفشل التي لازمت التحالفات السابقة، ولكنها أيضًا تسد الأفق أمام إمكانية إنتاج طرائق تفكير وأطر وممارسات حزبية قادرة على إحداث انتقال تاريخي حقيقي يحول دون السقوط مرةً أخرى في الدورات الجهنمية المغلقة للشموليات المدنية والديكتاتورية. وربما تمثل تجربة الانتقال الراهنة هذه، وهي الخامسة في تاريخ الحكم الوطني الحديث في السودان، الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر معطياتها المحفزة في أزمنة مستقبلية قريبة.
اقرأ/ي أيضًا: خلافات تجمع المهنيين.. هل تخدم الحراك النقابي؟
إن الافتقار لروحية التغيير، وجوهرها الحيوي والإرادي الملازم من حس تاريخي وبصيرة استشرافية نافذة، جعلنا نرى مجددًا أمام أعيننا نماذج الأزهري والمحجوب والصادق المهدي "سادن كل الأزمنة والعصور" والميرغني والخطيب مستنسخة بكل أبهتها الخادعة في محيا محمد ناجي الأصم وأحمد ربيع وإسماعيل تاج والعقد الفريد من قيادات سكرتارية التجمع الجديدة.
البنى الحزبية المتكلسة والهدامة تعمل على توظيف الفترات الانتقالية التي أفضت إليها الثورات إلى أدوات لإعادة إنتاج ذات الثقافة الشمولية المنتجة لهذه البني الحزبية
ولنبدأ من الآن فصاعداً في إعادة النظر والتفكير النقدي ملياً في نماذج وسيناريوهات ثوراتنا في تشرين الأول/كتوبر، نيسان/أبريل وكانون الأول/ديسمبر، والتي سرعان ما تجهضها البنى الحزبية المتكلسة والهدامة، بعد أن تعمل على توظيف الفترات الانتقالية التي أفضت إليها الثورات إلى أدوات لإعادة إنتاج ذات الثقافة الشمولية المنتجة لهذه البني الحزبية ولأطرها وطرائق تفكيرها وممارساتها المشوهة. وكأن كل ثورة ما هي إلا نزهة قصيرة في يوتوبيا المحرومين من الحرية والمواطنة والديمقراطية: يوتوبيا مسجونة في زمنها المحلوم القصير بين رماد الحزبوية الفاسد المتراكم وجهنم الديكتاتوريات المتأججة نارها من فوهات بنادق العسكر القادمون لا محالة من كل فجٍ غير عميق.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.