مشاوي المناصيص الشهية تحفز ذاكرة السودانيين في أراضي اللجوء

في خطوة ذكية ومختلفة اتجه محمد الطاهر، صاحب مطعم في العاصمة الأوغندية كمبالا، إلى التخصص في تقديم مشويات لحم المنصاص، وجمعها مناصيص، إلى زبائنه، الذين يقول إن أغلبهم كان في البداية من إقليم دارفور، ثم توسعت الدائرة تدريجيًا لتشمل سودانيين من مختلف أنحاء البلاد، إضافة إلى جنسيات أخرى.

أسعد: لإعداد المنصاص يختار الطاهي فخد الخروف كاملة أو اليد الأمامية ومعها الأضلع

ذاكرة المنصاص

أسعد الحامد، أحد أبناء مدينة نيالا بجنوب دارفور، عاد بذاكرته إلى أزمان بعيدة كما قال وهو يتحدث إلى "الترا سودان"، عن كيفية إعداد المناصيص، والأجواء والأماكن التي كانت تقدم فيها.

وقال: "هي عملية شواء عادية، لكنها تختلف قليلًا عن المتعارف عليه لارتباطها قديمًا بالرحلات الخلوية، ونيالا – مثلًا – في الثمانينيات والتسعينيات، وإلى وقت قريب، كانت تشهد نهاية كل أسبوع رحلات جماعية لسكان المدينة نحو المناطق الخلوية التي تطوق المدينة من كل جانب، في تتبع أخضر مثير لوادي برلي".

يصمت أسعد وكأنه يستعيد ملمحًا من تلك الأيام قبل أن يضيف: "ترافق هذه الرحلات دائمًا أسواق صغيرة مترحلة يؤمها أصحاب مشاوي المناصيص، وكنا حين نخرج في الرحلة لا نحمل معنا شيئًا سوى الثلج لتبريد الماء، والقليل من السكر لمن أراد عصر الفواكه لتناولها، وهي في متناول اليد منتشرة في الأشجار التي تحف المكان، ولا تخلو الرحلة بالطبع من تناول لحوم المنصاص الشهية".

 إعداد المنصاص

يقول أسعد: "لإعداد المنصاص يختار الطاهي، فخد الخروف كاملة أو اليد الأمامية ومعها الأضلع، نسبة لصغر حجم اليد عن الرجل، وقد يختار الزبون بنفسه نوعية اللحم الذي يود شواءه".

ويضيف: "كما ذكرت إعداد الشواء في ذلك الوقت يرتبط بشكل وثيق بالرحلات الخلوية، وكانت كل الأدوات المستخدمة في إعداد المنصاص من بيئة المكان، إذ توقد النيران في الحجارة وعيدان الحطب على الأرض لإجراء عملية الشواء، في حين يطعن اللحم بأعواد رفيعة تسمى "المطرق"، يتحكم فيها معد الشواء، ولا تحترق أبدًا بالنيران، لأنها تتوسط اللحم وتمر متخللة الأضلع في حال اختيار اليد الأمامية للخروف، ويظل الطاهي الخبير يقلبها في النار إلى أن تنضج بروية وهدوء".

ويقول أسعد مبتسمًا: "الغريبة لم تكن المناصيص في ذلك الوقت تحتوي إلى أي بهارات مما هو معروف الآن، ويعود هذا إلى الطبيعة الخلوية لمناطق الطهاة، وعدم حصولهم على البهارات بشكل كاف، وأذكر جيدًا إنهم كان يستخدمون فقط ما يعرف بـ"الصلصة الناشفة" أو الطماطم المجففة، ورغم ذلك يظل طعامهم من أشهى الأطعمة التي تناولتها حتى الآن".

ويتابع أسعد في محاولة رسم صورة لطبق المنصاص في الزمن القديم، ويقول: "أهم شيء طبعًا في إعداد المنصاص هو صحن المرين، فلا طعم لمشاوي المنصاص دون مرين، وهو نوع خاص من المحدقات يعد من مصران الخروف أو الاثني عشر، وتسكب فيه الصلصة والشطة الدنقابة الحارقة جدًا ثم يطهى في النار، وأحيانًا يضاف إليه القليل من الزيت لتخفيف حدة لذع الشطة".

صاحب مطعم: ما يفتقده زبائننا الآن تلك المساحات الخضراء الفسيحة سواء في خلاء نيالا أو مناطق أخرى من السودان

مناصيص المدن

في مدينة أم درمان وفي سوق الناقة بسوق ليبيا، هناك بعض المحلات التي تقدم المناصيص للزبائن، نعم اختلف شكل الشواء بوضع اللحم على الشوايات الحديثة، كما دخلت النساء في هذا المجال وصرن خبيرات في إعداد وجبة المنصاص، ويشهد المكان في كل جمعة زحمة كبيرة من أنصار المشويات عامة، والمنصاص خاصة.

يقول محمد الطاهر، صاحب مطعم المناصيص في أرض اللجوء كمبالا، ويضيف: "نعم أضفنا البهارات، وبمقدار موزون، ولكن الطعم لا يختلف كثيرًا عن الطعم الأصلي للمنصاص الخلوي، وما يفتقده زبائننا الآن تلك المساحات الخضراء الفسيحة سواء في خلاء نيالا أو مناطق أخرى من السودان".

في سوق "أروا بارك" في وسط الأوغندية كمبالا تنتشر المطاعم والمقاهي السودانية، وتتنافس في تقديم الوجبات المفضلة للسودانيين، بعضها تخصص بشكل كامل في تقديم الوجبات الشعبية مثل العصيدة وملاح الكول، والبعض الآخر اختار وجبة الكوارع لتكون عنونًا لمطعمه، في حين رأى آخرون إن الفول سيد المائدة، وسيظل كذلك.