رأي

لامبيدوزا.. دالة المأساة الإفريقية

5 أكتوبر 2020
GettyImages-183156439.jpg
في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 2013 فقد مئات المهاجرين غير النظاميين حيواتهم بالقرب من شواطئ لامبيدوزا (Getty)
أحمد شيكاي
أحمد شيكايكاتب وصحافي

على مر تاريخ الدولة الحديثة، شهد الإفريقيون حياة بائسة، من اقتتال أهلي وتسلط الحكام الديكتاتوريين على رقاب المواطنين البسطاء، ووأد الطموح الفردي والجماعي. ومع أن هناك ثورات قد قامت، فهي أتت بمن يستمر في طريق السابقين، فالسودان مثلًا ثورة تلو الثورة، وشهيد يزف شهيدًا، وكأن الحال يتحرك جيئة وذهابًا في سير بحافتين فقط. الصومال أيضًا جرّبت كل الحلول، وما زال شبابها يدفع روحه ثمنًا للعيش بعيدًا عنها. أما إريتريا التي ناضل شعبها لأكثر من خمسين عامًا ما بين النضال السلمي واالكفاح لمسلح، ها هم شبابها يفرون منها كالطريدة تمامًا، والحال ينعكس ويشبه بلادًا كثيرة، يبحث مواطنوها عن السلام والحرية والعدالة بعيدًا عنها ولو كان هذا البعد هو قاع البحر الأبيض المتوسط.

تمر علينا هذه الأيام، الذكرى السابعة لمأساة لامبيدوزا التي راح ضحيتها المئات من المهاجرين غير النظاميين

تمر علينا هذه الأيام، الذكرى السابعة لمأساة لامبيدوزا، حادثة الغرق التي راح ضحيتها أكثر من (360) مهاجرًا غير نظامي من إفريقيا جلهم إريتريون، وهي المأساة التي هزّت العالم وغيّرت من سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيّين الذين يصلون أوروبا عبر المراكب في البحر الأبيض المتوسط. 

اقرأ/ي أيضًا: السودانيون واتفاقات السلام.. فصام المصطلح والدلالة

كما أن المأساة في لامبيدوزا، كانت الصورة الواضحة المعبّرة عن حياة الإريتريين في بلدهم، وعكست معاناتهم الدائمة، وشكّلت وحدة حزن عميقة في إريتريا لا تشبه إلا أيام إعلان شهداء الحرب الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا؛ إذ لم تخلَ مدينة أو حيّ أو شارع من سرادق العزاء، فقد غطى الحزن يومها كل سماء البلاد، حزنٌ استمر من إريتريا ولم ينته في لامبيدوزا فحسب، بل وصل العالم أجمع، حيث نكّست إيطاليا عَلمها في كامل التراب الإيطالي، وأعلنت وقفة دقيقة حداد على أرواح الضحايا في كل المدارس الإيطالية، بينما تحولت جزيرة لامبيدوزا إلى مقبرة جماعية.

تابوت سائل

هذه الحادثة لم تكن الأولى لضحايا الغرق في البحر الأبيض المتوسط، ولكنها كانت الصورة الواضحة الأقرب لعيون العالم وتنقل المأساة بكل وضوح ليشاهدها الجميع. فالضحايا كانوا على مسافة قصيرة من الشاطئ، وأشعلوا النار حتى يستدل عليهم، ولكنها انتشرت على المركب المتهالك وأحرقته؛ فقفزوا على الماء هربًا من النار! كانوا بين خيار الموت حرقًا أو غرقًا، فاختاروا ما يحمل في طياته نسبة من النجاة، وقد شهد صيادون هواة الحادثة ونقلوها للعالم. 

منذ أكثر من (15) عامًا صار البحر الأبيض المتوسط تابوتًا واسعًا، ضم في قاعة ما يقارب العشرين ألف غريق من المهاجرين، حسب الإحصائيات الرسمية المسجلة لدى الأمم المتحدة، أغلبهم من إفريقيا وخاصةً إريتريا، السودان، الصومال وإثيوبيا.

حزن متجدد

في آب/أغسطس الماضي، غرق الشاعر السوداني الشاب عبدالوهاب محمد يوسف الشهير بـ"لاتينوس" ضمن ضحايا آخرين، وبينما كان جسده ينسحب إلى قاع البحر كانت الأحزان ترتفع إلى أعلى سقفها، فموته كان الشارة التي رفعت المأساة إلى السطح وقلّبت الذاكرة عن البحر وضحاياه، فقصيدته التي نعى فيها نفسه غريقًا، تحكي حال كل شخص فقد حياته وهو في الطريق إلى أوروبا؛ هروبًا من جحيم أوقد ناره الديكتاتوريين في بلاده. فقد بكته العيون التي تعرفه والتي لا تعرفه؛ وشكّل رحيله بهذه الطريقة البائسة جوًا مشحونًا بالحزن وقض مضجع من ظن أنه بمعزل من الحزن، وكان هذا الظان هو كل الناس الذين قرأوا له أو سمعوا عنه بعد رحيله أو قبله.

صور على جدار الذاكرة

طفل حديث الولادة ما زال حبله السري متصل بأمه يرقد في قاع البحر ويعرف الموت قبل أن يكتشف الحياة، عاشقان يحتضنان بعضهما ترقد أجسادهما في قاع البحر، مئات التوابيت موشحة بالعلم الإريتري تكتظ بها قاعات الكنائس وأرصفة الميناء في لامبيدوزا، أم تغرق مع خمسة من أطفالها ويصاب الأب المقيم في إحدى الدول الأوروبية بالجنون. هذه الصور انطبعت على ذاكرة الناس وستظل تجترها للأبد كلما حدثت حادثة جديدة أو مرت ذكرى مأساة لامبيدوزا. الحادثة التي غيرت سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين وأصبح أكثر عطفًا خلال عامي 2014 و 2015. ثم ما لبث أن عاد التجاهل كما كان. وما زلنا نشهد غرق المهاجرين وخلق الكثير من المعيقات والمتاريس والقوانين التي تتعلق بحق اللجوء أمام الذين نجوا من الموت ووصلوا أوروبا سالمين بأجسادهم بينما أرواحهم متعبة ومنغمسة في حزنٍ أبديّ.

وكأنها كرات من النار

هكذا وصف الإيطالي فيورينو -صاحب المقهى والصائد الهاوي- أعين الذين يتحلقون حول قاربه طالبين النجاة، ليعرف فيما بعد أنهم أكثر من (550) غريقًا إفريقيًا من إريتريا والصومال. نجح مع أصدقائه في إنقاذ (47) شخصًا وانزلق آخرون من بين يديه لأن الوقود كان يغطي أجسادهم. احتاج فيورينو لعام كامل حتى يتجاوز الصدمة والحالة النفسية المزرية التي مر بها قبل أن يقدم شهادته عن الحادثة للشرطة.

اقرأ/ي أيضًا: وقاحة مبدأ المساعدات مقابل التطبيع

ويعتقد فيورينو، لو أن خفر السواحل استجابوا لندائه بشكلٍ عاجل لتم إنقاذ أرواح أكثر. ومما فاقم من وضعه النفسي أنهم منعوه من العودة مرةً أخرى بعد أن أوصل الناجين، ويسرد فيورينو في حكايته أنه اتصل في الساعة السادسة والثلث من صباح يوم الكارثة، ووصل خفر السواحل بعد السابعة والثلث بقليل، وهو تأخير كبير ساهم في فقدان أرواح أكثر.

ذكرى حادثة لامبيدوزا لا تقلّب المواجع في أرواح الأفارقة فحسب؛ بل كل العالم الذي شهد تلك اللحظة الحرجة

إن ذكرى حادثة لامبيدوزا لا تقلّب المواجع في أرواح الإريتريين والصوماليين والسودانيين فحسب؛ بل كل العالم الذي شهد تلك اللحظة الحرجة من تاريخ الموت المجاني للضحايا الأبرياء من الإفريقيين الذين دالتهم لحتفهم هي أرواح إخوانهم الذين سبقوهم في الطريق إلى قاع البحر الأبيض المتوسط، فبرُغم هذا الموت والرحيل الفاجع المتكرر؛ لم تتوقف رغبة الهجرة يومًا من الطوفان في عقول الشباب الإفريقي، كما لم تيأس حكوماتهم من تبديل نفسها من حاكم ديكتاتوري إلى آخر يأخذ من السابق كل الصفات والممارسات، ولا ينسى أبدًا أن يضع قتل الحياة في قلب المواطن أولى أولويات مشروع حكمه.

اقرأ/ي أيضًا

وداعًا للانقلابات العسكرية في السودان

المشهد السياسي ما بعد اتفاق السلام.. كيف سيكون؟

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert