كيف يتعامل قائد الجيش السوداني مع العقوبات الأميركية؟
13 فبراير 2025
رغم تقليل قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، من العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، والتي أعلنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن منتصف كانون الثاني/يناير 2025، إلا أن الجنرال الذي ارتدى ربطة عنق وبدلة زرقاء غامقة اللون، متخليًا عن البزة العسكرية المعتادة، طاف في شوارع عطبرة وأم درمان على متن عربة دفع رباعي، محاطًا بحراس مدججين بالسلاح، ويلوح بيديه للمواطنين الذين اصطفوا على جانبي الطريق، ربما للحصول على المزيد من الشعبية مع إعلان الولايات المتحدة تجميد أصوله وحسابه المصرفي، ووضعه على لائحة العقوبات لاتهامات بخرق القانون الإنساني الدولي خلال الحرب في السودان.
ربما لن تتمكن واشنطن من رعاية مفاوضات مستقبلية بين الجنرالين طالما أن العقوبات لا تسمح للمسؤولين بالجلوس للأشخاص المشمولين بالعقوبات الأميركية
لم يكن متوقعًا داخل أروقة مجلس السيادة حتى منتصف العام الماضي وصول العقوبات الأميركية إلى رأس الدولة وقائد الجيش، طالما اقتصرت على قادة سياسيين وعسكريين من الصف الثاني ضمن إجراءات أميركية تقول إنها لتقليل حدة الصراع المسلح في هذا البلد الذي يعج بالجماعات الحاملة للسلاح.
وصف نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، مالك عقار، نائب البرهان المُعين بديلًا لقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، العقوبات بـ"الظالمة"، وافتقار واشنطن للرؤى السليمة، منوهًا إلى أنه لا يمكن المساواة بين "المليشيا المتمردة" والمؤسسة العسكرية. بالمقابل، ومع تقليل البرهان من شأن العقوبات الأميركية، إلا أن الخطاب الذي ظل يقدمه طيلة فترات الحرب لم يحمل دلالات عاطفية بالكامل، باختياره في بعض الأحيان عقلنة التعامل مع المجتمع الدولي. ففي خطاب خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في مدينة بورتسودان، قال البرهان إن السودان لا ينوي أن يتحدى المجتمع الدولي، محاولًا تليين التعامل مع السياسات الخارجية لبلاده المنكوبة بالحرب منذ 21 شهرًا. ومع ذلك، فإن وصول عقوبات الخزانة الأميركية إلى أعلى مستويات القيادة العسكرية من جانبي الجيش والدعم السريع يعني أن واشنطن لن تتمكن من المضي قدمًا في عملية الوساطة التي تبحث وقف إطلاق النار في السودان، طالما أن العقوبات لا تسمح للمسؤولين الأميركيين بالجلوس مع المشمولين بها، ما يعني أن جلب البرهان وحميدتي إلى أي محادثة مستقبلية لن يكون الوجود الأميركي فيها من الدرجة الأولى، حال موافقة الجنرالين على اللقاء المباشر.
العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية لن تمنع عبد الفتاح البرهان من المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تُعقد خلال أيلول/سبتمبر من كل عام في نيويورك، لأنها سمت على متن القرار قائد القوات المسلحة السودانية، ولم تُشر إلى صفته كرئيس لمجلس السيادة الانتقالي في السودان. والأمم المتحدة عادةً توجه الدعوة بالصفة الأخيرة.
في ذات الوقت، لن يتمكن البرهان من مغادرة مدينة نيويورك إلى المدن الأميركية الأخرى، ولن يتمكن من من الجلوس للمسؤولين الأميركيين. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي، حال تقلده منصبًا دستوريًا رفيعًا. وإذا عدنا إلى عقوبات مشابهة على زعماء وقادة بلدان مضطربة سياسيًا وأمنيًا، فإن الولايات المتحدة تتعمد وضع المشمولين بها في عزلة، على الأقل ضمن نطاق مؤسساتها ومن يشغلونها. وحال زيارتهم إلى هذه البلدان، يتجنبون لقاء الأشخاص الموضوعين على قائمة العقوبات الصادرة عن الولايات المتحدة.
والسؤال الذي يشغل المهتمين بالعقوبات الأميركية والمستقبل السياسي لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو هو: كيف سيتعاملان؟ خاصة مع هيمنة الولايات المتحدة على المجتمع الدولي، ووصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض هذا الأسبوع. وكيف تخطط وزارة الخارجية السودانية للتعامل مع الأزمة؟
العقوبات التي صدرت عن الخزانة الأميركية بحق القادة العسكريين والسياسيين من الجانبين جاءت وفق أوامر تنفيذية، بالتالي لم تصدر وفق تشريعات من نواب الكونغرس، ما يعني أن شطبها قد يكون واردًا، طالما حصلت واشنطن على خطوات لتحسين الوضع في السودان، شريطة أن يظهر الجنرالان تفانيًا نحو عملية وقف إطلاق النار ونشر السلام. ومع ذلك، فإن المطلوب منهما يبدو شاقًا وصعبًا وعسيرًا، مع وصولهما إلى مرحلة اللاعودة إلى السودان القديم قبل 15 نيسان/أبريل 2023، والتصعيد العسكري مؤخرًا، وتدهور وضع المدنيين، وتوسع رقعة المناطق المهددة بالمجاعة، وملامح الانقسام البائن، وكأنها تُعد خلف الكواليس بطريقة الدفع نحو الهاوية والتفكك.
فيما يتعلق بوضع السودان على لائحة الإرهاب، والجهود التي بذلتها الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك ومجلس السيادة الانتقالي لشطب اسم السودان من القائمة بدفع التعويضات المالية لعائلات الضحايا في الولايات المتحدة، فإن إلغاء الأوامر لم يمر عبر غرفة الكونغرس الأميركي، ولم يستغرق الأمر سوى توقيع من الرئيس دونالد ترمب في العام 2020 على شطب الأوامر التنفيذية.
وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية قد تعمدت في ذلك الوقت تسريع رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب لتحمسها لانضمام السودان إلى الاتفاقية الإبراهيمية وتوقيع معاهدة السلام مع "إسرائيل"، إلا أن حدوث هذا الأمر مرة أخرى وارد، طالما ارتفعت لغة المصالح بين البلدين. بالمقابل، فإن هذا المسار يتوقف على ما سيفعله السودان، خاصة في إدارة ملف العقوبات بوزارة الخارجية في بورتسودان، وعما إذا كان هناك حماس للذهاب نحو المعسكر الشرقي إلى روسيا والصين، وإغلاق باب الولايات المتحدة.
وحال تصدّر تيار راديكالي أروقة إدارة العلاقات الخارجية للسودان خلال الفترة القادمة، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، فإن هذا الخيار قد يكون محفوفًا بالمخاطر بإعادة السودان إلى عزلة ثانية بالكاد غادرها خلال ثورة ديسمبر بعد 27 عامًا من الخسائر الاقتصادية، إثر منعه من الحصول على المساعدات المالية وقطع الغيار من الشركات الرئيسية المستحوذة على صيانة الطائرات والبواخر ومحطات الكهرباء، والتعامل مع شركات وسيطة للمشتريات الحكومية والقطاع الخاص، ودفع مئات الملايين من الدولارات ضمن الصفقات التجارية تفاديًا لبوابة العقوبات.
حُرم السودان من مساعدات تنموية واقتصادية جراء البقاء في خانة العزلة الدولية لسنوات
كما مُنع السودان لأكثر من عقدين من الحصول على التكنولوجيا العسكرية، وإن كانت عقوبات الخزانة الأميركية تشمل الأفراد لا البلدان، إلا أن تفاقم الوضع في البلاد قد يُعيدها إلى مربع العزلة الدولية الاقتصادية والدبلوماسية، والحرمان من قروض البنك الدولي.
لن يكون الطموح السياسي لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي مفروشًا بالورد، طالما ظل محاصرًا بالعقوبات الأميركية دون أن يتلمّس خطوات جدية للخروج من هذا المأزق، مع الوضع في الاعتبار تطورات الأوضاع داخليًا، والصراع السياسي حول السلطة أثناء وبعد الحرب، وتسرب القناعة لدى بعض الجهات داخل كابينة القرار بعدم جدوى استمرار شخص مشمول بالعقوبات الأميركية، طالما أن البلاد لا تريد الانتقال إلى عزلة جديدة. فهل يخرج الجنرال بنفسه من عنق الزجاجة، أم "يُدفع دفعًا" للخروج من المعادلة بشكل نهائي؟ هذا يتوقف على حكمة مستشاريه، ربما.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.